الأحد، 28 أغسطس 2016

أسباب الهزيمة، النكبة
عناصر الخطبة:
واقع المسلمين اليوم.
الفرقة والبعد عن الدين من أهم أسباب الهزيمة.
العلمانية من أهم أسباب الهزيمة.

(يأيها الذين ءامنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) 
كل أمة تطمح وترنو إلى العزة والتمكين، ولقد جعل الله سبحانه وتعالى أسبابا للنصر، وأسبابا للهزيمة، أما النصر والتمكين فمن عنده سبحانه وتعالى وحده، لا يمن عليه إلا على عباده الصالحين الملتزمين بأوامره، المجتنبين لنواهيه، قال تعالى: (وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا)... ومنذ أن انفرط العقد الجامع للمسلمين، الحامي لبيضة المؤمنين، منذ أن ذهبت دولتهم، وهانت كلمتهم.. تداعى الغرب إلى اقتسام بلاد المسلمين، وأمعنوا في إذلال أهل الإسلام... وكانت فلسطين أهم بلد وضع عليها الغرب يده، وكيف لا؟! وهي لا تزال بوصلة الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل على مر العصور.. لقد ابتلانا الله بأخس خلقه، وأكثرهم مكرا وكيدا وإجرما، فقتلونا وأخرجونا من ديارنا على سمع وبصر من القريب قبل البعيد.. لكننا هنا لسنا بصدد استرجاع الذكرى الأليمة لمجرد حب استرجاع المصائب والهموم.. إن المؤمن الجاد الذي يريد النهوض لا يتذكر مصيبته إلا ليأخذ منها العبر، لا يتذكر الكارثة إلا ليعالجها ويتجنب أسبابها في مستقبله.. أما الفاشل ضعيف الهمة فإنه يجعل من تذكر المصيبة سببا للمزيد من الفشل والقعود، فلا يتذكر المصائب إلا ليسوغ ضعفه وقلة حيلته، أو ليقيم مواكب العزاء كل عام على ما حل به، ثم يدخل في غيبوبة إلى العام التالي ليخرج ويحيي تلك الذكرى مجددا...
عباد الله! إن الله سبحانه قد علمنا في كتابه أن أسباب الهزيمة أسباب داخلية قبل أن تكون خارجية، أسباب نابعة من تفريط الأمة وتفرقها وبعدها عن دينها (أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم).
ها هي آيات القرآن تخبرنا بسبب من أهم أسباب الهزيمة، (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) الفرقة والتنازع، من أهم أسباب الهزيمة، وكيف تصمد أمة أمام أعدائها وهي أحزاب متخاصمة، وهي أهواء شتى، وهي قلوب متدابرة... إن الاختلاف والفرقة تذهب قوة أي أمة، ولو كانت كثيرة في عددها، مليئة من عُدَدها.. ها هم الصحابة في غزوة بدر ما كانوا إلا ثلاثمائة، لكنهم كانوا متراحمين متحابين، لم يكن معهم إلا عدد قليل من الدواب ليركبوها، ومع ذلك لم يسر واحد منهم على رجليه الطريق كلها، ولم يركب واحد منهم الطريق كلها، بل كانوا يتناوبون عليها، حتى النبي صلى الله عليه وسلم كان يركب حينا، ويمشي على قدميه حينا، لقد ائتلفت قلوبهم وتحابت، لقد جمع هذا الدين بين قلوبهم، ولا شيء غير الدين، لقد كانت رابطة العروبة موجودة من قبل بينهم، لكنها لم توحدهم، ما وحدهم إلا الإسلام (هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم. لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم)... لأنهم اجتمعوا على فهم واحد لأسس هذا الدين وقواعده، لم تكن فيهم منازعة ولا اختلاف على الدين الحق، لم يكن فيهم من يحاول تحريف الدين، لم يكونوا كأهل الكتاب الذين اختلفوا وتفرقوا في فهم دينهم بعدما جاءهم العلم والحق من ربهم، (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة).. ولقد نهانا الله تعالى عن الوقوع فيما وقعوا فيه لكيلا يكون حالنا حالهم فقال تعالى: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم).
سبب آخر من أسباب الهزيمة، وهو سبب عظيم عظيم، إنه البعد عن الدين، البعد عن أوامر الله تعالى، إنه الوقوع فيما نهانا عنه وحرمه علينا، (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفى الله عنهم إن الله غفور حليم)... المعاصي عباد الله من أهم أسباب الهزيمة.. الظلم والفساد، ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الكبر، الربا، الانكباب على الدنيا، ترك الجهاد في سبيل الله.. كلها من أسباب الهزيمة، قال عليه الصلاة والسلام: "إذا تبايعتم بالعينة، ورضيتم بالزرع، وأخذتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم".
وقال تعالى: (يأيها الذين ءامنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم) وأول شيء يدخل في قوله: (إن تنصروا الله) هو التزام أوامره واجتناب نواهيه، فإن الله تعالى لا ينزل نصره على من يعاديه.. كيف ينصر الله من لا يحِّكم شرعه في حياته، كيف ينصر الله بلادا قائمة على الظلم والفساد، كيف ينصر الله تعالى مجتمعات يفشو فيها الربا، كيف ينصر الله سبحانه من يشتمه ويسبه.. والله لا ينصر الله تعالى أمثال هؤلاء.. قد يعطيهم شيئا من الدنيا، فيظنونه نصرا، ويغترون بأنفسهم وبما هم عليه من الباطل، ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر.. فاللهم الطف بِنَا، واجعلنا من عبادك المؤمني المنصورين...

٢ عباد الله! إن من أبشع صور البعد عن الدين في العصر الحاضر: ما يعرف بالعلمانية، فإنها فكر قائم على البعد عن الدين، بل على إلغاء الدين من الحياة... إن العلمانية لا ترضى أن يكون البعد عن الدين تقصيرا، بل إنها تشرعنه وتعتبره أمرا ضروريا في الحياة..
فلئن كان الكفر ضلالا عن الحق أو عنادا فإن العلمانية تجعله حقا ووجهة نظر، ولئن كان نبذ تحكيم الشريعة الإسلامية ناتجا عن طمع في جاه أو تثبيت ملك فإن العلمانية تَجْعَله من صور الحضارة والمدنية والتقدم، ولئن كان المرابي يتعامل  بالربا طمعا وجشعا فإن العلمانية تجعل الربا من أسس الاقتصاد الناجح، ولئن كان الشباب يقع في الزنا بسبب الزلة والشهوة فإن العلمانية تجعل الزنا حبا وعلاقة عاطفية إنسانية... إن المقصر الذي يقترف المعصية وهو يشعر بالذنب يرجى رجوعه، وترجى توبته، لكن كيف يمكن لمن يعتنق الأفكار الضالة أو يقترف أنواع الكبائر ويرى أن هذا من حقه، وأنه مباح له، كيف يمكن له أن يتوب.. لا يمكن له أن يتوب إلا أن يترك ذلك الفكر الضال المنحرف، الذي يصد الناس عن الدين، ويعاديه بشتى الوسائل.. لا يمكن له أن يرجع إلا أن يعلم أن الجمع بين الإسلام والعلمانية من التناقض البين الواضح...
عباد الله! إننا في هذه الفترة من الزمان نشهد نشاطا كبيرا لمحاولة إعادة وبعث هذا الفكر الضال، في شتى بلاد المسلمين وفي بلادنا بخاصة، يستخدم فيها أعداء الإسلام شتى الوسائل لأجل ذلك... 
تارة يحاولون تحريف الدين عن طريق: بث الشبهات الفكرية التي تشوه هذا الإسلام، وتزعزع ثقة أبنائه فيه، وذلك كزعمهم كذبا وزورا أن دين الإسلام دين إرهاب أو أنه لا يتوافق مع إنسانيتهم المزعومة - أو من خلال بث وبعث الأقوال المنحرفة المخالفة لما استقر عليه أمر المسلمين كإنكار حد الزنا أو كدعوتهم للتسوية بين المرأة والرجل في الميراث، مستخدمين في ذلك أبواقا تتمسح بالعلم وأهله، والعلماءُ الربانيون منهم براء... 
من أساليبهم في ذلك إنشاء وسائلَ إعلاميةٍ تابعةٍ لهم، تعمل على بث المفاهيم العلمانية، وعلى التنفير من المفاهيم الإسلامية والاستهزاء بها كلما سنحت لهم الفرصة... 
من أساليبهم: إنشاء مؤسسات وجمعيات تستهدف أبناء المسلمين وبناتهم، تستميلهم عن طريق دورات ونشاطات ترفيهية، تغرس فيهم محبة الغرب وثقافته المزعومة، وتشيع بينهم الاختلاط، وتهون من أمر الحجاب في قلوب الفتيات. 
عباد الله! لقد اختلت البوصلة عند بعض الناس فظنوا أن النجاة والنصر والتحضر يكون باتباع تلك الأفكار، ووالله ما جاءكم أولئك القوم بخير.. أفبعد كل ما ذقناه ونذوقه من الغرب وأتباعهم نظن أن رياحهم تحمل الخير لنا.. ووالله إن النصر ليس له إلا طريق واحد، وهو الرجوع إلى الدين والتوحد على أساسه... أما العلمانية وأهلها فلا زالوا قديما وحديثا شؤما على المسلمين، لا يُخرجون الأمة من نكبة إلا جلبوا لها نكسة، ولا يخرجونها من مصيبة إلا ويوقعونها في كارثة، حتى أحلوا قومهم دار البوار، يتلاعبون بالأمة تحت شعارات التقدم والتحضر والمدنية... فلبئس الطريق طريقهم، وبئست الغاية غايتهم (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون إلا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)




هناك تعليق واحد: