صنم مانديلا
(بمناسبة إقامة صنم لمانديلا في فلسطين)
عناصر الخطبة:
بيان حرمة الأصنام في الإسلام.
الرد على بعض الشبه التي تسوغ إقامة الأصنام.
أهمية القدوة الحسنة.
بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم خاتما للأنبياء في آخر الزمان، بعثه بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.. وأهم ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم هو الدعوة إلى التوحيد، ونبذ الشرك ووسائله وما يؤدي إليه، وإن من أهم ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا هو تحريم نحت الأصنام وتحريم نصبها وإقامتها.. روى مسلم عن عمرو بن عبسة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: وبأي شيء أرسلك؟ قال: " أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء". وروى مسلم كذلك عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبراً مشرفا إلا سويته". وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن أشد الناس عذبا يوم القيامة المصورون، وهم الذين ينحتون الأصنام لتعبد من دون الله.
فتحريم الأصنام من أسس دين الإسلام العظام، بل هو من أهم ما يميز هذا الدين عن غيره من الأديان المحرفة، ومن أهم ما يميز هذه الأمة عن ما سواها من الأمم.. وقد بقي المسلمون على هذا، لا يخالف في ذلك منهم أحد، حتى غزيت بلاد المسلمين، وعمل الغرب على زعزعة ثوابت العقيدة في قلوب المسلمين، فراحوا يبثون الثقافة العلمانية التي تقوم على الانحلال من الأديان جميعا، وتعادي دين الإسلام على وجه الخصوص، فتأثر بذلك أقوام من المسلمين بسبب جهلهم، وبسبب نفوسهم الضعيفة المهزومة التي تخجل من دينها، وتحب الذوبان والاندماج مع الحضارة المزعومة.
عباد الله! يزعم بعض الناس أن تحريم إقامة الأصنام والتماثيل، كان قديما لما كان المشركون يعبدونها، أما اليوم فقد زال الشرك من قلوب الناس، ووعت قلوبهم التوحيد، فلا بأس إذا من نحت التماثيل وإقامتها، لأنها بزعمهم أحد مظاهر الحضارة في هذا العصر...
وهذا الكلام عباد الله باطل من وجوه، فإن تحريم التماثيل والأصنام تحريم أبدي، لا يزول ولا يتغير، هي محرمة لذاتها سواء عبدت أم لم تعبد.. والحكمة من تحريمها حتى لو لم تعبد، هي أن الزمان يتغير، وقلوب الناس تتغير، فإذا نصبنا نحن أنصابا ولَم نعبدها فلا يؤمن هذا على من يأتي بعدنا.. وهذا تماما هو ما حصل في قوم نوح لما أشركوا، وكان شركهم هو أول شرك يقع في الأرض، فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنها في تفسير قوله تعالى: (وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا)، قال ابن عباس: هذه أسماء قوم صالحين من قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، وأوحى الشيطان إليهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً وسموها بأسمائهم [أي إذا رأيتم تلك الأصنام لأولئك الصالحين كُنتُم أنشط على العبادة] ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت، أي: لما مات الآباء الذين نحتوا تلك الأصنام ولم يعبدوها، وجاء بعدهم جيل قل العلم فيهم عبدوا تلك الأصنام.
عباد الله! إن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة فاتحا منصورا بنصر الله، وبسط سلطان الإسلام عليها، أمر بتحطيم الأصنام في مكة وما حولها، فلا يقول عاقل إن الأصنام كانت ستعبد بعد فتح النبي صلى الله عليه وسلم لمكة، ولو كان ذلك الزعم صحيحا، لأبقاها النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه أمر بهدمها وحرقها جميعا، وتتبعها وأرسل من الصحابة من يقوم بذلك.. ثم إن فتح مكة كان في السنة الثامنة من الهجرة، وقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك في مكة ١٣ عشر سنة، أي أنه عليه الصلاة والسلام حطم أصنام قريش بعد تسعة عشر عاما من بعثته، وقبل موته بثلاث سنوات فقط .. أليست هذه فترة لاستقرار التوحيد في قلوب الناس.. ألم يصف النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بأنهم خير الناس، فقال: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، وأول ما يدخل في هذا التفضيل وهذه الخيرية هو الخيرية في التمسك بالتوحيد والبعد عن الشرك، فوالله ما كان ولا يكون مثلهم، استقامة على التوحيد وجهادا في سبيل الله، أفيأتي عاقل بعد كل تلك القرون، وفي زمن كثرت فيه الفتن ويقول: نحن في مأمن من الشرك أكثر من الصحابة.
ها هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول: (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام).. إبراهيم الذي قال الله فيه: (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين ).. أفيأتي عاقل ويقول بعد ذلك: الناس اليوم قد فهموا الإسلام فلا بأس بإقامة الأصنام.. هذا لو كان قد فهموا الإسلام حقا، بل لا يحقق المرء التوحيد إلا إذا خاف الشرك على نفسه كما خافه إبراهيم عليه الصلاة والسلام.. فكيف إذا كان الحال حكال كثير من الناس هذا الزمان، في بعدهم عن الدين الحق، وتحريفهم لأصوله ومبادئه لتوافق الغرب، واستغراق كثير منهم في الشهوات، حتى تحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم: "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء"، فوصف النبي صلى الله عليه وسلم الصالحين المصلحين في آخر الزمان بأنهم قلة، غرباء، لا يسمع لهم.. أفيقال في زمان هذا حاله بأن أهله بعيدون عن الشرك..
ألا يرى ذلك القائل كم هي القبور والمشاهد التي تعبد من دون الله في العالم الإسلامي، تصرف لها النذور والدعاء والطواف، ألا يرى ذلك القائل كم هي الأصنام التي تعبد في العالم من قبل غير المسلمين، ألا يرى ذلك القائل موجة الإلحاد والعلمانية التي تجتاح بلاد المسلمين..
أما ما يزعمه البعض من أن الصحابة تَرَكُوا الأصنام في البلاد التي فتحوها مع قدرتهم على إزالتها فهذا من الظنون والأوهام، ما كان الصحابة ليتركوها مع القدرة عليها، أما ما بقي من تلك الأوثان فإما أنها لم تكن مكتشفة في أيامهم أو أنهم لم يستطيعوا هدمها لكبر حجمها، أما غير ذلك فلا زال دأب الصحابة هو إزالة الأوثان في أي بلد تمكنوا منه، مقتدين في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم، وها هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لأبي الهياج الأسدي: أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تدع قبرا مشرفا إلا سويته، ولا ثمثالا إلا طمسته.
أما زعمهم بأن الأصنام من التراث الإنساني والإرث الحضاري فيجب الحفاظ عليها، فزعم باطل.. لا كرامة ولا حفظ لمظاهر الشرك مهما كانت موغلة في القدم، لقد حطم النبي صلى الله عليه وسلم أصنام المشركين بمكة مع أنها كانت قديمة جدا، لم يحترمها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحترم دينهم الباطل، لأنه كان على يقين أن دينه هو الحق وأن ما سواه باطل، لم يكن عليه الصلاة والسلام في حيرة من أمره، ولم يكن مفتونا متشربا لثقافة الأعداء حكال بعض الناس في هذه الأيام...
الثانية
القدوة الحسنة من أهم ما يعين الأمم على الارتقاء إلى المعالي، وكل شخص وكل أمة بحاجة إلى أناس عظماء تحتفي بهم وتقتدي بهم، وهذا الأمر تابع لما يعتقده المرء من دين وما يعتنقه من أفكار، فإن كان مستقيما اتخذ قدوة حسنة مستقيمة، وإن كان غير ذلك ساءت قدوته وساء اختياره، وضل عن الصواب في الشخص الذي يختاره ليكون قدوته... لقد ضرب لنا الصحابة أروع الأمثلة في الصبر على الأذى واحتمال العذاب، والشجاعة والبسالة وشدة البأس في القتال، وما علي بن أبي طالب، وبلال بن رباح، وخالد بن الوليد، والمثنى بن حارثة، وموسى بن نصير، وطارق بن زياد، وصلاح الدين ومحمد الفاتح إلا نماذج يسيرة من تلك الأعداد الغفيرة من العظماء الذين ولدتهم هذه الأمة، فمن أراد قدوة في التحرر من الظلم، أو في الشجاعة، أو في القوة في قول الحق، أو في الزهد في الدنيا، ففي تاريخنا عشرات الأمثلة لذلك... ولا يترك أحد عظماء الإسلام ليبحث عن قدوة له من الكفار إلا لأنه لا يعلم تاريخه العظيم، أو لأنه مفتون متابع للغرب في كل شيء، فإذا عظم الغرب شخصا ورفعه تابعهم على ذلك، من دون بحث وتحقق... هل يسوغ أن نربي أمتنا وأبناءنا على الاقتداء بأمثلة سلكت طريقا غير دين الإسلام، هل يسوغ أن نقيم التماثيل لمن روجوا لطريقة ناعمة في التحرر من الظلم، طريقة يحبها الغرب، لأنها قائمة على السلمية في مقاومة الظلم والاحتلال، وطلب المساعدة من دول الغرب لرفع الظلم ومن ثم تقديم التنازلات في سبيل ذلك، وهذا ما يراد ترويجه في هذه البلاد، وأول ما يتنازل عنه في سبيل ذلك هو ثوابت الإسلام، وتمكين التغريبيين من العبث بعقول الناس، والغريب أنه مع كل تلك التنازلات التي قدمت لم يزدد اليهود إلا بطشا وقتلا وهمجية، ولم يزدد الغرب إلا دعما لليهود، إلا من بعض المشاهد التمثيلية التي يخدرون بها عقول بعض الناس.. هناك فرق بين أن يكون الإنسان ضعيفا ذليلا لكنه لا يرضى بذلك ويعمل على رفع الذل عن نفسه بقدر ما يستطيع، وقد لا يستطيع! فرق بين هذا وبين من يستمرئ الذل ويحبه، ويشرعنه ويجعله ثقافة لأبناء المسلمين
فتنبهوا عباد الله...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق