الولاء والبراء
عناصر الخطبة:
معنى الولاء والبراء.
النهي عن مولاة الكفار.
المعاملة الوسطية لأهل الذمة.
قال تعالى: ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) لقد نص الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة على أن المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، والموالاة "هي التقرب وإظهار الود بالأقوال والأفعال والنوايا"، فالمؤمنون يحبون بعضهم ويتقربون من بعضهم، لكن لماذا يحبون بعضهم؟ السبب في ذلك يا عباد الله هو اشتراكهم في وصف الإيمان والإسلام، فهذا أساس حبهم لبعضهم ونصرتهم لبعضهم، وهو سبب عظيم جعله الله تعالى محور الحب والبغض بين الناس، ومحور الولاء والبراء، مهما تباعدت بلدانهم، ومهما اختلفت أعراقهم ولغاتهم، فالمسلم يحب المسلم وينصره ويتقرب منه وإن كان من غير بلده أو غير عرقه، والمسلم يبغض الكافر ويتبرؤ منه ولو كان من بلده أو من عرقه، بل ولو كان أباه أو أخاه، قال تعالى: ( يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون) وقد نفى الله الولاية والمحبة الدينية بين المؤمنين والكافرين في آيات كثيرة، فمن ذلك قوله تعالى: ( يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض) وقال تعالى: ( يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين ) وقال جل وعلا: ( بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا) ومعنى البراءة من الكافر، هو أن يبغضه المسلم لأجل دينه الباطل، وألا يناصره على المسلمين، وأن يعتقد أن دين الكافر باطل، وأن كل دين غير دين الإسلام باطل، وأن الله تعالى لا يقبل إلا الإسلام، وأن من مات على غيره دخل النار، قال تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) وقال تعالى: ( إن الدين عند الله الإسلام) وقال : ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها) وقد ذكر الله تعالى في هذه الآية أمرين لا بد منها حتى يكون الإنسان مسلما ناجيا يوم القيامة، الأول أن يكفر بكل ما يعبد من دون الله، من صنم أو حجر أو نبي أو ولي، وثانيا أن يؤمن بالله وحده معبودا مطاعا، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، فمعنى (لا إله) هو الكفر بكل ما يعبد من دون الله، ومعنى ( إلا الله) إثبات العبادة الخالصة لله وحده، فإذا عبد الله وعبد غيره معه لم يكن مسلما، وإذا صرف أي صفة صفات الألوهية أو الربوبية لغير الله فقد كفر، لذلك فقد أجمع العلماء على أن من نواقض الإسلام أن لا يكفِّر الإنسانُ الكفار، أو أن يشك في بطلان دينهم، أو أن يصحح مذهبهم، كأن يقول: إن اليهود والنصارى ليسوا كفارا، أو أنهم قد يدخلون الجنة، فهذا من نواقض الإسلام، لأن من قال هذا فقد ساوى بين الإسلام وبين غيره من الأديان الباطلة، وكذب صريح القرآن، وقد قال تعالى: ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).
عباد الله! إن الكافر عدو لله تعالى، لأنه يصف الله بصفات النقص، ولأنه يصرف العبادة لغيره، ولأنه يطعن في دينه، وقد أمرنا الله تعالى باتخاذهم أعداء، قال تعالى: ( يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق)، وأي عداوة لله أعظم من أن يقول المرء إن الله ثالث ثلاثة، أو أن يقول إن عيسى إله، أو أنه ابن الله، أو أن يقول إن العزير ابن الله، أو أن يقول إن عليا إله، أو أن يكفِّر أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أن يقول إن القرآن محرف، إلى غير ذلك من العقائد الكفرية.
عباد الله! إن البراءة من الكفار ودينهم هو منهج الأنبياء والمرسلين جميعا، فقد جعل الله تعالى لنا من إبراهيم عليه الصلاة والسلام ومن معه قدوة حسنة لأنهم تبرؤوا من قومهم لما كفروا، قال تعالى: ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منك ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء حتى تؤمنوا بالله وحده) وقال تعالى: ( وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) وقال: ( وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين )وقال هود عليه الصلاة والسلام لقومه: (قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه) وهذا ما أمر الله به سيدَ الأولين والآخرين نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم، فقال تعالى ( وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون) وقال ( قل إنما هو إله واحد وإنني بريء مما تشركون). عباد الله! لقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن «الحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان» فحب الإنسان وبغضه لأي أحد ينبغي أنت يكون الأساس فيه هو مدى البعد أو القرب من دين الله تعالى.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن سورة الكافرون براءة من الشرك (قل يأيها الكافرون. لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد. ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد. لكم دينكم ولي دين)
الثانية
* فقد علمنا عباد الله ما ينبغي أن يكون عليه المسلم في عقيدته وقلبه تجاه الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم، وكما أمرنا الإسلام بما ينبغي أن يكون في قلب المسلم في هذا الأمر، فقد أمرنا بما يجب علينا تجاه الكفار في المعاملة الظاهرة، سواء على مستوى الدولة أو المجتمع، أما معاملة دولة الإسلام لغيرها فإنها تخيرهم ما بين الجزية أو الإسلام والحرب، إذا كانت قوية قادرة على ذلك، وأما على صعيد المجتمع، فقد أعطى الإسلام الأمان لأهل الكتاب إذا عاشوا في دولة الإسلام ملتزمين بما يفرض عليهم من دفع الجزية وغيرها، وجعل دماءهم لذلك معصومة، لا يجوز التعدي عليهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم : « من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة»، والله تعالى لم ينهنا عن الإحسان إليهم في المعاملة حتى يحبوا دين الإسلام، قال تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين )، واعلموا عباد الله أن هذا البر والإحسان لا يلزم منه أن نحبهم لأجل دينهم، فالمسلم مأمور مع بره وإحسانه إليهم أن يبغضهم لأجل دينهم، وأن يعتقد كفرهم، وأما أن نعتقد أنهم على دين صحيح، أو أنهم قد يدخلون الجنة، أو أن نحتفل بأعيادهم، فليس هذا من البر والإحسان بل من الكفر والطغيان، فالعلاقة بين المسلم والذمي علاقة متوازنة ليس فيها ظلم ولا قتل ولا غش، وليس فيها نفاق ودهان وبيع للأديان، إنما هو التحيبب في دين الإسلام، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما زار ابنَ جارِه اليهودي وكان يحتضر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : قل لا إله إلا الله، فقال الأب اليهودي لابنه: يا بني أطع أبا القاسم، فأسلم ثم مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي أنقذه بي من النار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق