سب الله تعالى
عناصر الخطبة:
خطورة الاستهزاء بالدين.
سب الله تعالى كفر أكبر.
“الثقافة” والاستهزاء بالدين.
فإن قلب المؤمن ينعم بنعمة لا يضاهيه فيها أحد... هي نعمة محبة الله تعالى وتعظيمه وإجلاله، يعيش المؤمن في كنف هذه النعمة فيرق قلبه، وتسمو روحه، ويطيب عيشه، وتيسر له سبل الهدى والاستقامة، ولا يزال تعظيم الله تعالى وإجلاله من أهم صفات الأنبياء وأتباعهم.
وإن قلوب أولياء الشيطان قلوب منكوسة خالية من ذكر الله، ليس فيها تعظيم لله تبارك وتعالى، ولذلك فإنهم كذبوا بآيات الله وعادوا رسله وأتباعهم على مر العصور، ولو أن تلك القلوب فيها تعظيم لله جل وعلا لما وقعت في الإشراك والكفر، (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون)، ولو أنهم عظموا الله لما كذبوا رسله، (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء)، وقال نوح لقومه لما كذبوه: (ما لكم لا ترجون لله وقارا).
وإن من أهم صور عدم تعظيم الله تعالى الاستهزاء بالله سبحانه، أو برسله وأنبيائه، أو بالشرائع التي جاؤوا بها، ولا زالت صفة الاستهزاء بالله وبالرسول وبالشريعة لا زالت صفة الكفار والمنافقين منذ القدم، هاهم عاد قوم نبي الله هود، كذبوه ووصفوه بالسفاهة، (قال الذين كفروا من قومه إنَّا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين)، بل قد حكى الله ذلك عن كل من كذب الرسل، فقال تعالى: (يا حسرة على العباد ما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزءون )، وقال تعالى: (وكم أرسلنا من نبي في الأولين. وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزءون).
وهاهم المنافقون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يصفون المؤمنين بالسفهاء (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء)، بل إنهم صرحوا باستهزائهم بالمؤمنين أمام أسيادهم (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنَّا معكم إنما نحن مستهزءون).
ولا زالت هذه الصفة هي صفة المنافقين والكفار إلى هذا الزمان، فها نحن نرى الغرب الكافر كيف يستهزؤ ويسخر من نبينا عليه الصلاة والسلام، وذلك بالرسوم المسيئة تارة، وبالكتابات تارة، وبالأفلام تارة، فإذا ثارت الحمية في قلوب المسلمين قالوا لهم: هذه حرية التعبير المقدسة، حرية التعبير التي سقفها السماء، وحرية التعبير من أهم حقوق الإنسان، أما المؤمنون فلا تنطلي عليهم هذه الحجج، وأما المنافقون فيعجبهم هذا الكلام، فيتقبلون الأمر بصدر رحب، وعقل منفتح، وقلب واسع، أحرق الله قلوبهم وعقولهم وصدورهم في نار جهنم.
ولماذا نبتعد ونذهب للشرق والغرب وقد نبتت هذه النبتة الخبيثة في مجتمعات المسلمين، فصرنا نسمع ونرى بين الحين والآخر من يستهزئ بالله تعالى ويسخر من رسوله باسم الأسلوب الأدبي تارة، وباسم الثقافة تارة، ونرى من يسخر من الشريعة وأحكام الدين باسم التطور والحداثة وعمق الفهم، بل باسم الغيرة على الدين في بعض الأحيان.
عباد الله! لقد تعامل الإسلام تعاملا حاسما وصارما مع كل من يستهزؤ بالله أو برسوله أو بدين الإسلام، وذلك لأن الاستهزاء سب وانتقاص بطريقة غير مباشرة، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً قال في غزوة تبوك: ما رَأَينا مثل قرّائنا هؤلاء أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء -يعني رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه-. فقال له عوف بن مالك: كذبت ولكنك منافق. فذهب عَوْفٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره؛ فوجد القرآن قد سبقه، ونزل قوله تعالى: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنّا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كُنتُم تستهزؤون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين). فجاء ذلك الرجلُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونتحدث حديثَ الركْبِ نقطع به عنا الطريق.
قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقا بنِسْعَةِ ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الحجارة تَنْكُبُ رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أَبِالله وءَايَاتِهِ ورَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ما يَلتفت إليه، وما يَزيده عليه.
فهؤلاء الذين استهزؤوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا في الظاهر مسلمين، وتكلموا بهذا الكلام الباطل الذي وصفوا فيه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة بأنهم يأكلون كثيرا، وبأنهم يكذبون، وبأنهم جبناء في الحرب والقتال، وقد كذبوا في ذلك كله، فالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا أكثر الناس اقتصادا وتقللا من الحياة الدنيا، وكانوا أصدق الناس، وكانوا أشجع الناس في ساحات الجهاد والقتال... قالوا ذلك الكلام، ولما جاؤوا يعتذرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ادعوا أنهم لم يقصدوا الكفر والانتقاص حقيقة وإنما هو كلام يتسلون به ويقطعون به عناء الطريق، مع ذلك لم يقبل الله تعالى عذرهم وكفرهم وقرعهم أشد تقريع... ويلاحظ أيضا من هذه القصة أنهم هؤلاء الناس لم يكونوا يعلمون أن ذلك الكلام المحرم يصل إلى الكفر، ومع ذلك لم يقبل الله عذرهم، ولم يعذرهم بجهلهم في هذا الأمر، لأن تعظيم الله تعالى، واحترام نبيه، ودين الإسلام أمر لا يجهله أحد، بل هو مركوز في كل قلب يؤمن بالله واليوم الآخر.
فدل هذا على أن من استهزأ بالله أو برسوله أو بالإسلام فإنه يكون كافرا مرتدا، سواء كان جادا أو مازحا.
والسب عباد الله أعظم جرما وأكثر خطرا من الاستهزاء، فإذا كان الاستهزاء كفرا لأنه سب بطريقة غير مباشرة، فما بالنا بالسب الصريح لله تعالى أو لرسوله أو لدين الإسلام.. تلك الجريمة التي انتشرت بيننا في هذه البلاد المحتلة... كيف نرجو نصرا من الله تعالى ونحن نسبه ونشتمه ليل نهار.
عباد الله! لقد أجمع علماء الإسلام على أن من سب الله تعالى أو سب رسوله أو سب الإسلام أنه يكون بذلك كافرا مرتدا عن الإسلام، وأنه لا تنفعه صلاة ولا صيام ولا حج ولا زكاة حتى يتوب إلى الله ويدخل في الإسلام من جديد، ولا يعذر في ذلك إلا المكره الذي يجبر على النطق بكلمة الكفر تحت التهديد بالقتل، ويدخل كذلك في العذر إذا سبَّ اللهَ تعالى وهو مغلَقٌ على قلبه كمن تكلّم بكلمة الكفر وهو على غضبٍ شديد، لا يدري ما يقول ولا يَعِي ما يخرج من فمه، وإذا ذُكِّرَ لا يتذكّر ولا يستحضره، أو صدرت منه كلمة الكفر وهو في حالة جنون أو إغماء أو غيبوبة أو نطق بها خطأ لم يقصدها، لأنّ جميع الأقوال والتصرّفات مشروطة بوجود التمييز والعقل، فمن لا تمييز له ولا عقل ليس لكلامه في الشرع اعتبار.
عباد الله! إن الله ناصر دينه لا محالة، بِنَا أو بغيرنا، وإن الله تعالى إذا وجد قوما ليسوا أهلا لنصره استبدل بهم غيرهم فنصر بهم دينه، ولا يضر من تنكب طريق الهداية إلا نفسه.
(يأيها الذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكفرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم).
الثانية
فإن لهذه الظاهرة القبيحة في العالم العربي وجها آخر، وجه يختفي خلف المكاتب وربطات العنق، ويحمل الأقلام ويدعي التحضر، يعمل من خلال الصحف الصفراء، ومن خلال الإعلام المشبوه، همهم زعزعة ثوابت الإيمان، وإزالة تعظيم الله وهيبة الإسلام من قلوب المسلمين، يستهزؤون بالنبي صلى الله عليه وسلم عبر مقالات وكلمات يصفونها بالجريئة، وهي فعلا جريئة لكنها جريئة على الكفر والطغيان... يسيرون في ذلك على طريقة أسيادهم في الغرب، ويسترون حقدهم على الإسلام بستار حرية التعبير، والغريب أن حرية التعبير عند هؤلاء لا تتسع إلا لمهاجمة الإسلام، والانتقاص من رسوله عليه الصلاة والسلام، فليدخر أولئك المأجورون جرأتهم وحرية تعبيرهم وليذهبوا إلى أوروبا ولينكروا هناك ما يسمى بمحرقة اليهود، عندها سيعلمهم بنو الأصفر المعنى الحقيقي لحرية الرأي والتعبير.
وإن الله تعالى لمنتقم لدينه وشرعه ونبيه عليه الصلاة والسلام، وَهَذَا هُوَ التَّارِيخُ بِعِبَرِهِ وَأَحْدَاثِهِ، وَهُوَ شَاهِدٌ لاَ يَكْذِبُ، فَإِنَّهُ مَا تَظَاهَرَ أَحَدٌ بِمُعَادَاةِ رَسُولِ الهُدَى-صلى الله عليه وسلم-، وَالاسْتِهْزَاءِ بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَهْلَكَهُ اللهُ تَعَالَى، وَأَذَلَّهُ، وَخَذَلَهُ، وَأَمَاتَهُ شَرَّ مِيتَةٍ، وَبَتَرَ نَسْلَهُ وَقَطَعَهُ. أَينَ أَبُو لَهَبٍ، وَأَبُو جَهْلٍ، وَالوَلِيدُ بنُ المُغِيرَةِ، وَالعَاصِي بنُ وَائِلٍ، وَصَنَادِيدُ الكُفْرِ وَالشِّرْكِ الذِينَ بُعِثَ فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَاسْتَهْزَؤُوا بِهِ، وَنَاصَبُوهُ العِدَاءَ؟! وَأَينَ المُنَافِقُونَ الذِينَ حَارَبُوهُ -صلى الله عليه وسلم-، وَكَذَّبُوهُ، وَطَعَنُوا فِي عِرْضِهِ وَأَهْلِهِ، وَاسْتَهْزَؤُوا بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ وَدِينِهِ؟! بَلْ أَينَ الأَكَاسِرَةُ وَالقَيَاصِرَةُ وَأَعْدَاؤُهُ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى مَرِّ العُصُورِ؟! هَلْ بَقِي لَهُمْ نَسْلٌ وَعَقِبٌ وَذِكْرٌ؟! كَلاَّ وَاللهِ، لَقَدْ هَلَكُوا جَمِيعًا، وَقُتِلُوا شَرَّ قِتْلَةٍ، وَقَطَعَ اللهُ نَسْلَهُمْ، وَطَمَرَتْهُمُ الأَرْضُ، وَلَحِقَتْهُمُ اللَّعْنَةُ، وَبَاؤُوا بِثِقْلِ التَّبِعَاتِ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ.
(يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون. هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق