الصبر طريق النصر، سوريا
عناصر الخطبة:
منزلة الصبر في الإسلام.
التمسك بالدين من أهم معالم الصبر.
سوريا وحقوق الإنسان!
خطورة الهزيمة النفسية.
(ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم).
(يأيها الذين ءامنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) لقد جعل الله سبحانه للصبر منزلة عالية في الإسلام، وسببا مهما في النصر على الأعداء، فالنصر والصبر قرينان.. ولأهمية ومنزلة الصبر في الإسلام ذكره الله تعالى في كتابه أكثر من مائة مرة، وحث عليه النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، منها قوله عليه الصلاة والسلام: "وما أعطي أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر". وقال علي رضي الله عنه: ألا إنَّ الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس باد الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له.
عباد الله! كما أن للصبر فوائد تعود على العبد في آخرته، فإن له كذلك فوائدَ تعود عليه في دنياه، ومن أهم هذه الفوائد أن الصبر على جهاد الأعداء من أهم أسباب النصر والظفر، وهذه سنة من سَنَن الله الكونية لا تتخلف..لقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم كفار قريش إلى الإسلام عشر سنين، ولاقى منهم ما لاقى من أصناف الأذى، سبوه ونكذبوه واتهموه بالجنون والسحر، وضعوا عليه سلا الجزور وأدموا قدميه... “ولا زال الله تعالى يأمره بالصبر وبالتمسك بهذا الدين مرة بعد مرة خلال تلك السنوات العصيبة: {فاصبر صبراً جميلاً}، {فاصبر إن وعد الله حق}، {فاصبر على ما يقولون}، {واصبر حتى يحكم الله}، {فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت}، {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل}… ثم بين الله تعالى الحكمة من ذلك، وقرّر القاعدةَ التي تربط النصر بالصبر فقال: {ولقد كُذّبت رسلٌ من قبلك، فصبروا على ما كُذّبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا}، فإنهم صبروا فنُصروا. ثم جاءت تتمة الآية لتؤكد تلك القاعدة وتقررها سنّةً من سنن الدنيا الدائمة: {ولا مُبدّلَ لكلمات الله}، فإنها سنة باقية في الوجود إلى آخر الزمان…" لكن على ماذا يكون الصبر؟ ولماذا يتحمل المسلم الأذى والجوع والقتل؟ أيصبر على البلاء حتى إذا عرضت عليه الدنيا سارع إليها ونسي دينه؟ لقد عرضت الدنيا على محمد صلى الله عليه وسلم فرفضها؟ فلأي شيء إذا تحمل كل ذلك الأذى؟ تحمله لأجل الدين، تحمله ليبقى ثابتا على ذلك المبدأ العظيم الذي هو دين التوحيد.
عباد الله! إذا نظرنا إلى واقع المسلمين اليوم وجدناه واقعا مريرا... مسلمون يقتلون ويحرقون ويجوعون في شتى بقاع الأرض... هاهم اليهود قد عاثوا في بلادنا فسادا، وأمعنوا فينا تضييقا وإذلالا، في كل يوم يسفكون منا الدماء، ويأسرون منا الأشلاء...وإذا تحدثنا عن جراح الأمة فلا بد لنا من أن نيمم وجوهنا إلى جرح الأمة النازف في سوريا، ذلك الجرح الذي ينبغي أن يوجه بوصلتنا إلى الاتجاه الصحيح لنعرف عدونا من صديقنا، أربع سنوات اختصر فيها أعداء الله ما فعله غيرهم في عشرات السنين، رصاص ونار تحرق الأخضر واليابس، براميل متفجرة، مملوءة بالحقد المجوسي على أمة الإسلام، وحشية لا تفرق بين الصغير والكبير، ولا تميز الحجر عن بني البشر.. ومن أقذر تلك الأسلحة التي استخدموها ويستخدمونها سلاح تجويع المدنيين العزل، مدينة مضايا هي إحدى تلك المدن التي اشتد حصارها، الذي تفرضه عليها قوات الكفر والرِّدة من النظام النصيري، وحزب اللات اللبناني، حتى أكل المسلمون هناك القطط والميتات وأوراق الأشجار، لقد ظل خبرها طَي الكتمان، حتى تسربت تلك الصور المرعبة، هياكل عظمية تحمل رمقا من روح، جماجم بشرية تنظر إلى العالم نظرة استعطاف، صور تلخص كذب ما يسمونه بالإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان. عباد الله! إن هذه المآسي ليس بأول ما يُفجع به المسلمون، فالتاريخ بل والحاضر مليء بتلك الابتلاءات التي يطهر الله تعالى بها عباده المؤمنين، فهذه قضية فلسطين المنسية منذ عشرات السنين، قتل وتهجير وتشريد، إلى أن آل حالنا إلى أن صرنا قضية مربحة للتجارة واستدرار الأموال، وهذه مأساة بورما التي لم تعط حقها من قبل الإعلام الرخيص المأجور الذي يدعي النزاهة والحياد، أناس مسلمون يموتون ويحرقون في حفلات الموت الجماعي، من قبل البوذيين الوثنيين، وتلك العراق قد رزحت تحت سطوة الرافضة، الصومال، مالي، السودان، مستضعفون في الصين يمنعون حتى من الصيام في شهر رمضان... عباد الله! كل هذه المأسي والمصائب يجب أن تكون حافزا لنا للتمسك بهذا الدين، فإننا لم نحارب إلا لأجله، حري بِنَا في هذه المواقف الصعبة أن نتذكر الأحداث العصيبة التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومع ذلك ظلوا صابرين ثابتين على دينهم حتى جاء وعد الله، وصاروا سادة العالم بلا نزاع... وإنه مما يؤسف أن بعض المسلمين امتدت الهزيمة إلى نفوسهم وقلوبهم، فصاروا يَرَوْن في الغرب مثلهم الأعلى في الأخلاق والقيم والتقدم، ويرون في دينهم أو فيمن يمثل دينهم كما يزعمون التخلف والرجعية بل والوحشية، تلك النفوس المهزومة صارت كل همها أن تطوع دين الإسلام للمفاهيم العلمانية والليبرالية، فتراهم يحاولون تحريف ثوابت من دين الإسلام، قد اتفق عليها المسلمون على مر العصور، كالولاء والبراء، وتكفير اليهود والنصارى، والجهاد، وتحكيم الشريعة، وحجاب المرأة، واختلاطها بالرجال، وما تركيزهم على هذه المسائل إلا بدافع الهزيمة النفسية والخجل من دينهم... هل يعقل في ظل كل تلك المآسي التي نشهدها أن تخرج مجموعة من الشباب والفتيات في إحدى جامعاتنا، يمسكون بأيدي بعضهم ويتراقصون من غير خجل ولا حياء... والمصيبة الأكبر هي أن نشهد احتفال بعض المسلمين بأعياد النصارى بحجة التسامح الديني، وما هو إلا الذل والانكسار أمام ثقافة العدو الغالب، وإذا كانت نفوسهم قد امتلأت بالتسامح إلى ذلك الحد فليوجهوه إلى المسلمين، الذين لم يحظوا منهم إلا بالخذلان والتجويع.
الثانية
عباد الله! إن الناظر في هذه المآسي يرى أنها تقع في هذا العالم، الذي تحكمه الأنظمة الغربية العلمانية الليبرالية، التي تزعم أنها تسعى لإنهاء الحروب والصراعات، وإحلال السلام، وهي تسعى لحل أي أزمة تقع في العالم، إلا إذا تعلق الأمر بقضية يقتل فيها المسلمون، فإنهم يقفون موقف المتفرج المراقب، بل إنهم يذكون تلك الحروب لتكون أشد فتكا بالمسلمين، ثم يخدرون المغفلين بالوعود الكاذبة، والتصريحات الزئبقية، وذلك لأنهم يريدون استئصال شأفة المسلمين، إن لم يقوموا هم بذلك تَرَكُوا غيرهم ليقوم به، وهذا ليس بغريب، فعداوة اليهود والنصارى للمسليمن مسطرة في كتاب الله، منذ مئات السنين (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) والتاريخ مليء بحقدهم وعدوانهم، ولا يجب أن يغيب عن بال مسلم ما فعلوه بالمسلمين بعد سقوط الأندلس من قتل وحرق وسلخ وتعذيب، وإجبار لهم على الدخول في النصرانية، وهل ينسى أحد الحروب الصليبية، والحملات الاستعمارية، وهل سلم فلسطين لليهود إلا بريطانيا، ومن الذي سلح اليهود بالسلاح النووي أليست فرنسا، ألا يستزؤون بنبينا صلى الله عليه وسلم ويسخرون منه علنا... إلا أن بعض الناس يتوهم أنهم أصدقاء بسبب بعض القرارات الباهتة، وبسبب الدعم الذي يعطونه لنا... عباد الله! إذا كانوا يعطوننا دينارا فإنهم يعطون في مقابله لليهود مائة دينار، ثم إن هذا الدينار الذي يمنون به علينا هم على يقين أنه سيعود بالنفع على اليهود، فكيف إذا علمت أخي المسلم -وهذه النقطة الأهم- أنهم يفرضون علينا كثيرا من الشروط في مقابل ذلك الدينار، ومن هذه الأمور فرضهم لمبادئ العلمانية في حياتنا، بدءا عبثهم بالمناهج الدراسية التي تدرس لفلذات أكبادنا، ومرورا بإفساد المرأة ونشر التبرج والاختلاط تحت شعار تحرير المرأة وتمكينها، وانتهاء بدعم جمعيات ومؤسسات لتنفيذ أجنداتها الخاصة عن طريق الأنشطة والدورات والرحلات، إنهم يقتلوننا لكن بعد أن يعطونا المخدر، إنهم يتبعون طريقة الحروب الناعمة المخملية، وإنها - لو علمتم- لأشد فتكا بالأديان والقيم والمبادئ من حروب النار والرصاص، إنها حروب تشترى فيها الضمائر والأقلام، وتسخر لها وسائل الإعلام، فلنكن عباد الله على بصيرة وانتباه، ولنتمسك بديننا، وإن الضعف وقلة الحيلة والنصير لا يعني الذل، ولا تغيير أفكار الأجيال القادمة لتوافق أفكار أعدائنا... (يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق