عقيدة النصارى في المسيح
عناصر الخطبة:
بيان كفر النصارى.
بيان حرمة الاحتفال والتهنئة بهذه بمناسبة بداية العام الميلادي.
التسامح الذي يدعو إليه الإسلام.
فإننا نشهد في هذه الأيام نهاية ما يعرف عند النصارى بالعام الميلادي، ونشهد دخول عام آخر، واعلموا عباد الله أن للنصارى عقيدةً في هذه الأيام، هي من أشد العقائد طغيانا وكفرا، حيث إنهم يعتقدون أن الله تعالى وُلد له ولد في هذه الأيام، وهذا الولد في اعتقادهم هو عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، ولا يقتصر اعتقادهم على ذلك، بل يزيدون في الكفر والضلال فيعتقدون أن هذا الولد المزعوم قد تقاسم صفات الألوهية والربوبية مع الله تعالى، فينسبون إلى عيسى ابن مريم صفات الألوهية، ويعتقدون أنه إله يعبد مع الله تعالى، ولقد حكى الله تعالى عقائدهم الكفرية فقال جل وعلا: (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهؤون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون)، لم يقتصروا على ذلك، بل إنهم زادوا كفرا فاتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا، يطيعونهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال، قال تعالى عنهم: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم)، ثم بين الله جل وعلا أن دين المسيح ابن مريم بعيد عن آرائهم الكفرية كلَّ البعد، فقال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) هذا هو دين عيسى ودين إخوانه الأنبياء جميعا، دين التوحيد، دين عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، لا شريك له في ملكه، ولا شريك له في صفاته، ولا شريك له في العبادة، هذا هو دين الإسلام الذين دان به الأنبياء جميعا، لكن بعض الضالين حرفوا دينهم من بعدهم، قال تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) وقال: ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة)...
ولقد كان النصارى ممن حقت عليهم الضلالة، بل ممن توغلوا في الضلال والكفر، فحرفوا دين التوحيد الذي أوحى الله به إلى عيسى ابن مريم، ولذلك كفَّرهم الله تعالى من فوق سبع سماوات، فقال تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) وقال: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة)، وقال: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان دَاوُدَ وعيسى ابن مريم)، إذا علمنا هذا عباد الله! إذا علمنا أن هذه الأيام التي يحتفل بها النصارى هي محل لتلك العقائد الكفرية، والآراء الوثنية، علمنا أن مشاركتهم بهذه الاحتفالات من الأمور المحرمة أشد تحريم في دين الله... واعلموا عباد الله أن الله تعالى جعل لكل أمة منهجا وشريعة، والعيدُ من أظهر ما تتميز به كل أمة عن الأمم الأخرى، وهذا العيد مرتبط بعقيدة من أشد عقائد النصارى كفرا وإجراما، وهي أنهم يعتقدون أن الله وُلد له وَلدٌ في هذا اليوم، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، قال تعالى: (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا. لقد جئتم شيئا إدا. تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا. أن دعوا للرحمن ولدا) فإذا كان هذا حال السماوات والأرض من شدة وفظاعة هذا القول، فما بالنا نحتفل معهم، ونشاركهم في باطلهم.
اعلموا عباد الله أنه لا خلاف بين العلماء في تحريم مشاركة المشركين في أعيادهم، ولا خلاف في تحريم تعمد إظهار أي مظهر من مظاهر الفرح أو الزينة، أو فرض عطلة رسمية على المسلمين في هذه الأيام، بل قد يصل الضلال ببعضهم إلى أن يدخلوا الكنائس في هذه الليالي، بزعم التسامح والمحبة، وما هو إلا الكفر والضلال والذل والنفسية المهزومة. وليس بعيدا عن ذلك ما نراه من تغطية إعلامية لتلكم الشعائر الكفرية من قبل الإعلام المشبوه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم، لا من طعام، ولا لباس ولا اغتسال، ولا إيقاد نيران، ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة، وغير ذلك . ولا يحل فعل وليمة ولا الإهداء، ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك... وبالجملة ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم، بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام، لا يخصه المسلمون بشيء من خصائصهم ..وأما تخصيصه بما تقدم ذكره: فلا نزاع فيه بين العلماء. قال عبد الله بن عمرو بن العاص: من تأسى ببلاد الأعاجم وصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك: حشر معهم يوم القيامة . وعن ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها من وثن يعبد من دون الله من أوثان الجاهلية؟ قال: لا. قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ قال: لا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم». فلم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل أن يوفي بنذره، مع أن الأصل في الوفاء أن يكون واجبا، حتى أخبره أنه لم يكن بها عيد من أعياد الكفار، وقال : «لا وفاء لنذر في معصية الله»؛ فإذا كان الذبح بمكان كان فيه عيدهم معصية، فكيف بمشاركتهم في نفس العيد؟ بل قد شرط عليهم أمير المومنين عمر بن الخطاب والصحابة وسائر أئمة المسلمين أن لا يظهروا أعيادهم في دار المسلمين، وإنما يعملونها سرا في مساكنهم، فكيف إذا أظهرها المسلمون أنفسهم؟ حتى قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخط ينزل عليهم. وإذا كان الداخل لفرجة أو غيرها منهيا عن ذلك؛ لأن السخط ينزل عليهم، فكيف بمن يفعل ما يسخط الله به عليهم، مما هي من شعائر دينهم ؟! وقد قال غير واحد من السلف في قوله تعالى : (والذين لا يشهدون الزور) . قالوا أعياد الكفار، فإذا كان هذا في شهودها من غير فعل، فكيف بالأفعال التي هي من خصائصها.
واعلموا عباد الله! أن تهنأتهم بهذه المناسبة من المحرمات كذلك، نهنئهم على ماذا؟ أعلى عقائد الشرك والضلال التي تكاد تزول منها الجبال؟ أم على دماء المسلمين التي يسفكونها في شتى بقاع الأرض؟ أم على دعمهم المطلق لليهود في احتلالهم لأرضنا ومقدساتنا؟ قال ابن القيم: وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد، ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب… فمن هنأ عبدا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه.
*عباد الله! يحجتج بعض الناس على مشاركة النصارى في أعيادهم بأن الإسلام دين متسامح... لقد أصموا آذاننا بهذه الألفاظ، التي لا نسمعها إلا في جانب الكفار، وأما المسلمون فلا سماحة في التعامل معهم، بل البطش والقتل والتجويع.... واعلموا عباد الله! أن معنى التسامح الصحيح الذي جاء في الدين هو شيء آخر، يختلف عن الذل والمهانة والضعف، التي يسمونها بالتسامح، التسامح في دين الإسلام في معاملة النصارى غير المحاربين معاملة حسنة من باب تحبيبهم في الإسلام، واستجلاب قلوبهم للدخول في هذا الدين، قال تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من ديارهم أن تبروهم وتقسطوا إليهم)، لكن هذه المعاملة الحسنة لا تعني تمييع العقيدة الإسلامية، ولا تعني التنازل عن ثوابت الدين، بل نحن نعتقد كفرهم ومع ذلك نعاملهم المعاملة الحسنة شفقة عليهم وإحسانا إليهم، وهذه هي قمة التسامح الإنساني الحق، هذا التسامح في المعاملة الذي جعل رجلا يهوديا يأمر ابنه بالدخول في الإسلام، فقد روى البخاري عن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ !! فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ». هذا هو تسامح النبي صلى الله عليه وسلم الذي يدخل الناس في الدين، وليس ذلك التسامح الذي يخرج الناس منه (يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق