النهي عن التفرق
عناصر الخطبة:
النصوص الآمرة بالاعتصام بالدين، الناهية عن التفرق فيه.
ما المراد بالتفرق؟
من صور الفرقة في العصر الحاضر.
(واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)… لقد أمر الله تعالى في هذه الآية الكريمة وفي غيرها من الآيات بالاعتصام بحبل الله تعالى، وهو دينه وشرعه وكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ونهى عن التفرق في هذا الدين، ولقد جاءت النصوص كثيرة في التحذير من التفرق وذمه وذم أهله، فمن هذه النصوص قوله تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون). وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا ثم قال: «هذا سبيل الله»، ثم خط خطوطا عن يمينه وشماله، ثم قال: «هذه سبل» أي: متفرقة، «على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه»، ثم قرأ (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله). وقال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية: أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والتفرقة.
ولقد برأ الله تعالى نبيَّه محمدا صلى الله عليه وسلم ممن اتصفوا بهذا الوصف، فقال: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء). وحذرنا الله سبحانه من التفرق في الدين وذكر أنه من صفات أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فقال: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم)، وقال تعالى: (ولا تكونوا من المشركين. من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون). ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التفرق والتشرذم والاختلاف، فمن هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا: فيرضى لكم أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال»، بل إنه عليه الصلاة والسلام أرشد في وقت الفتن وكثرة اختلاف الناس، وكثرة فرقهم… أرشد إلى اعتزال الفرق والاختلاف، وحث على الاعتصام بالدين، فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: «نعم»، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: «نعم، وفيه دَخَن»، قلت: وما دَخَنُه؟ قال: «قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر»، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: «نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها»، قلت: يا رسول الله: صفهم لنا، فقال: «هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا»، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم». قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك». أفبعد هذا البيان النبوي الشافي، والمنهل الرباني الصافي…أفيلتمس طالب الحق الصادقُ الهدى من غير هذه النصوص الهادية.
عباد الله! إن الله تعالى أمرنا أن نجتمع ولا نتفرق، وأن نتحد ولا نتشرذم… ولكن نجتمع على ماذا؟ هل أمرنا أن نجتمع على القومية والوطنية؟ هل أمرنا أن نجتمع على دين محرف يمزج بين الإسلام والعلمانية؟ هل أمرنا أن نجتمع على الكفر والضلال؟… لا والله! بل أمرنا أن نجتمع على دينه، دين الإسلام والتوحيد، دين الكفر بالأصنام والطواغيت، قال تعالى: (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها)، وقال تعالى: (ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى)، وقال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (فاستمسك بالذي أوحي إليك). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي»، والمراد بالتمسك بالدين عباد الله! هو الالتزام بالدين كما نزل من عند الله، وعدم التغيير والتبديل، وعدم تحريف معاني النصوص لتوافق أهواء هذا الشخص أو ذلك الحزب، أو لتوافق التطور والحداثة والمدنية، وغير ذلك من الشعارات البائسة.
عباد الله! إن أصل الفُرقة هي الفرقة والاختلاف في فهم أصول الدين وقواعده، فإذا حصل خلاف من بعض الناس في فهم هذه الأمور، وحصل منهم تحريف لأصول الدين وثوابته ومسلماته، فقد وقعوا في الفرقة والاختلاف الذي ذمه الله تعالى، كما قال تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء)، وانظروا كيف ذم الله تعالى أهل الكتاب لأنهم اختلفوا وتفرقوا، وحرفوا دينهم، بل ذكر أنهم تفرقوا بعدما جاءهم العلم، زيادة في ذمهم، لأنهم لم ينتفعوا بذلك العلم، إنما جعلوه وسيلة لتحريف الدين وتبديله، فاختلفوا وتفرقوا واستحقوا غضب الله، قال تعالى عنهم: (وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم)، وقال تعالى: (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة)، وقال عنهم: (…ولكن اختلفوا فنهم من آمن ومنهم من كفر).
ولقد حذى كثير من المسلمين حذوهم، واقتفوا أثرهم، واتبعوا سبيلهم حذو القذة بالقذة، كما أخبرنا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لتتبعن سنن من كان قبلكم حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه»، قالوا: يا رسول الله! آليهود والنصارى؟ قال: «فمن!؟»، أي: فمن إن لم يكونوا هم!… سلكوا سبيل أحبار أهل الكتاب، فحرفوا الدين وبدلوه، وغيره وشوهوه، كل بحسب هواه، وبحسب مصلحته… فمنهم من جعله قتلا للمسلمين واستحلالا لدمائهم، ومنمه من جعله وسيلة للوصول إلى المصالح الدنيوية، ومنهم من جعله دينا أمريكيا مسخا، ليظهره بالمظهر الحضاري، ليرضي به أسياده من المنافقين والكفار، جاؤوا إلى عقيدة التوحيد فطمسوها بحجة أنها تفرق الناس، وألغوا الولاء والبراء وتكفيرَ الكافر وسموه تمييزا وتشددا، وألغوا الجهاد وسموه إرهابا، ألغوا الحكم بالشريعة وسموه تخلفا ورجعية وظلامية، وأتوا إلى المرأة فجردوها من حجابها وأخلاقها وحيائها، بحجة تحرير المرأة، وتمكين المرأة، فنشروا الرذيلة وطمسوا معالم العفاف الفضيلة…. كبتهم الله وكفى المسلمين شرهم… (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا...)
الثانية
فإننا في هذا الزمان نشهد صورا مختلفة من محولات تحريف دين الإسلام وتطويعه، مما يؤدي إلى تفرق المسلمين في فهم أساسيات دينهم... وإن هذه الدعوات الآثمة الضالة التي تنادي بتحريف دين الإسلام تستغل بعض الحوادث والوقائع لتلصق التهم والفظاعات بدين الإسلام، وإن من خبث هذه الفئة المنحرفة أنها تدعي الإسلام، وتدعي الحرقة والخوف على الإسلام، وتدعو إلى تحريف دين الإسلام تحت شعارات براقة، كتجديد الخطاب الديني، وكالثورة على الموروث الفقهي، وربما جعلوا أصول دين الإسلام من جملة العادات والتقاليد البالية... وحقيقة أمر هؤلاء لا يخرج عن محاولة لتطويع دين الإسلام ليوافق حضارة الكفر والشهوات والضلالة، وذلك لأحد سببين: إما أنهم منبهرون بما أعطاه الله تعالى لأولئك الكفار من الدنيا، خجلون من دينهم، خجلون من واقع المسلمين المرير، مع أنهم كانوا من أهم أسباب تخلف المسلمين... وإما أنهم أعداء متربصون بالإسلام وأهله، يتظاهرون بالإسلام لخديعة المسلمين... وإن من أساليب تلك الفئة الباغية على دين الإسلام أنهم يحاولون الطعن في أئمة الإسلام وتشويه صورتهم والتهوين من شأنهم كالطعن في البخاري ومسلم والأئمة الأربعة وشيخ الإسلام ابن تيمية، يطعنون فيهم وينسفون جهودهم تحت شعار عدم التقليد والتعصب، ويتناسون -بخبث- أن أمثال هؤلاء الأعلام ما جاؤوا إلا بما اجتمعت عليه أمة الإسلام، لكنهم يريدون من الطعن بهؤلاء الأعلام الوصول إلى ثوابت الدين ليغيروها، وليجعلوا دين الإسلام دينا محرفا كدين اليهود والنصارى، وهيهات لهم ذلك... فاللهم اكفنا شرهم وجنبنا سبيلهم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق