الأحد، 28 أغسطس 2016

تربية الأبناء

عناصر الخطبة:
نموذج من تربية أبناء الصحابة.
نموذج من عناية النبي صلى الله عليه وسلم بالأطفال.
حرص الكفار على إفساد أبناء المسلمين.

روى البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه أنه قال: إنى لفى الصف يوم بدر، أذ التفتُّ فأذا عن يمينى وعن يسارى فتيان حديثا السن، فكأنى لم آمن بمكانهما إذ قال لى أحدهما سرا من صاحبه: ياعم أرنى أبا جهل. فقلت: يا أبن أخى فما تصنع به؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: والذى نفسى بيده لئن رأيته لا يفارق سوادى سواده حتى يموت الأعجل منا. فتعجبت لذلك قال: وغمزنى الآخر فقال لى مثلها، فلم أنشب أن نظرت الى أبى جهل يجول فى الناس فقلت ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذى تسألانى عنه. قال: فابتدراه بسيفهما فضرباه حتى قتلاه ثم أنصرفا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
صورة مشرقة، ونموذج مشرف لما كان عليه أبناء وشباب المسلمين من تربية عظيمة، وعزيمة قوية.. وكيف لا يكون في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمثال هؤلاء وهم تربية محمد صلى الله عليه وسلم، كيف لا يكون فيهم أمثال هؤلاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يولي أهمية كبرى  للعناية بأبناء المسلمين... إنه كان يعلم أن الأطفال والشباب ليسوا إلا كنوزا، بل أغلى وأثمن من كنوز الدنيا، هم قيادة المستقبل، والجيل القادم، هم ذخر الأمة، بهم ينصر الدين، وترفع راية الإسلام، بهم تستقيم أمور الدنيا... ولأنه عليه الصلاة والسلام كان يعلم أن الأطفال والشباب كالأوعية، إذا ملأناها بالخير امتلأت خيرا، وأفاضت من ذلك الخير علينا، وإن ملأناها بالشر، امتلأت شرا، وأفاضت علينا من ذلك الشر... كان عليه الصلاة والسلام يحرص على تربية النشء الصغير، يعلمهم العقيدة، يرفع هممهم، يرفق بهم، يحاورهم ويتكلم معهم، يداعب أحلامهم ومشاعرهم... ها هو يردف   عبد الله بن عباس وهو غلام صغير، يردفه خلفه على دابة... ولكم أن تتخيلوا شعور طفل صغير لم يبلغ تسع سنين وهو يركب خلف سيد البشر، أي ثقة هذه التي زرعها النبي صلى الله عليه وسلم في قلب هذا الغلام.. لم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بذلك حتى وجه له وهو على تلك الحال كلمات ونصائح كفيلة بأن تحرك الجبال، يربيه على العقيدة، يربيه على التوكل على الله، يربيه على عدم الخوف من غير خالقه، يربيه على الصبر... يقول ابن عباس رضي الله عنهما: كُنْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، فَقَال: يَا غُلَامِ! إنِّي أُعَلِّمُك كَلِمَات: احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْك، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَك، إذَا سَأَلْت فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْت فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوك بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوك إلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَك، وَإِنْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوك بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوك إلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْك؛ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ، وَجَفَّتْ الصُّحُفُ". 
وَفِي رِوَايَةِ: "احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ أمامك، تَعَرَّفْ إلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفُك فِي الشِّدَّةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَخْطَأَك لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَك، وَمَا أَصَابَك لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَك، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنْ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا".
كلمات يسيرة، لها معاني عظيمة، نصائح يعجز كثير من الرجال عن حملها، فهل يحتملها ذلك القلب الصغير؟!... نعم يحتملها.. لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بالذي يستهين بقدرات وعقول الأطفال والشباب، إنه يعلم أن ذلك القلب الصغير إذا امتلأ بمعاني الإيمان والعقيدة يصير قلبا قويا، يصير شامخا كالجبال... يقول له: احفظ الله يحفظك، أي: أطع أمره واجتنب نهيه تجده حافظا لك، اجتنب الحرام، وصل وصم بر والديك تجده تعالى موفقا لك حافظا، أتراه يقول له أنت صغير، افعل ما بدا لك فأنت لا تفعل الحرام!... ثم وجهه إلى العناية بأصل هذا الدين وهو التوحيد، وأمره بأن يعلق قلبه بالله وحده لا بغيره، "إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله"، لا تطلب أمرا لا يقدر عليه إلا الله من غير الله، بيده العون والتوفيق، بيده الهداية والإضلال، بيده الإعزاز والإذلال... ثم قال له: "وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوك بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوك إلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَك، وَإِنْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوك بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوك إلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْك".. الله أكبر! أطفل صغير يقال له هذا الكلام... لعل واحدا من أولئك المفتونين يقول: كيف تربون الأطفال على مواجهة العالم الغربي، ربوهم على الذوبان والانحلال في ثقافة الغرب... يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم كيف يكون قلبه قويا، ثابتا على مبدئه ودينه، لا يخاف أحدا، ولو اجتمع من في الأرض جمعا عليه لما ضروه إلا بإذن ربه... علمه عليه الصلاة والسلام كيف يؤمن بالقدر بالشكل الصحيح، ثم علمه أن الصبر على مصائب الدنيا يفرجها، وأن الصبر على العسر يأتي باليسر، أن الصبر في القتال والجهاد يأتي بالنصر... هذا نموذج واحد فقط من عناية النبي صلى الله عليه وسلم بأبناء المسلمين، جولة صغيرة في الهواء الطلق على ظهر دابة، يُعلَّم فيها طفل ما تعجز مناهج الأرض عن زرعه في الناشئة... ولكن ما نتيجة هذه التربية، وما كان حال ابن عباس بعد ذلك.. إنه العالم الحبر، العابد البكاء من خشية الله، المجاهد في سبيله، دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" أي تفسير القرآن، وبالفعل لقد كان ابن عباس عالما فقيها مفسرا، حتى لقب بحبر هذه الأمة، بعثه علي رضي الله عنه ليناقش الخوارج، فذهب وناظرهم ورجع بألفين منهم، وها نحن إلى اليوم لا نفتح كتابا من كتب التفسير إلا ونطالع فيها اسم هذا العالم في كل موضع... وهذا نموذج واحد، ولو أردنا الاستقصاء لطال المقام، ولعلنا بعدما رأينا هذه التربية الحميدة التي كان يربيها رسول الله صلى الله عليه وسلم للأطفال، لعله يزول عجبنا ونفهم فعل الغلامين الذين قتلا أبا جهل لأنهما تربيا كغيرهما من أطفال الصحابة على حب الجهاد والشهادة... 
كما كنّا أمة عظيمة بقادتها وعلومها، فقد كنّا كذلك أمة عظيمة بأطفالها وشبابها، ولولا عناية الأمة بهم لما رأينا أولئك القادة العظام... خالد بن الوليد، صلاح الدين، محمد الفاتح، موسى بن عقبة... أتراهم تربوا على حب الكفار، أم تراهم تربوا على التسامح المزعوم، أم تراهم تربوا على الموسيقى ومد الخيوط والاختلاط المحرم... قد رأيتم علام تربوا... فالله الله في أبنائكم، كونوا لهم حضنا حانيا، حاورهم وكلموهم، ادخلوا إلى أحلامهم وآمالهم، لا تتركوهم لقمة سائغة للمفسدين والتغريبيين، فإن أبناءنا رأس مالنا... فاللهم قهم شر الأشرار وكيد الفجار...
٢ لما علم أعدؤنا بأهمية الشاب وأنهم إن سيطروا عليهم فقد أعادوا احتلال هذه الأمة وغزوها بصورة أشد فتكا من الغزو العسكري، لما علموا ذلك صوبوا سهامهم المسمومة إلى الأطفال والشباب في بلاد المسلمين، لكن هذه السهام ليس بالضرورة أن تكون رصاصات تخرق القلوب، أو قنابل تفتت الأجساد... هم يفعلون ذلك.. لكن الأنكى من أن تُقتل فلذة الكبد، أن يرى الأب ابنه عاقا له متمردا على الدين، أن ترى الأمة قلوب أبنائها تيمم شطر الأعداء، وتنصر ثقافتهم على الإسلام، وتحاول بث قيم الغرب بين المسلمين... هذا والله أشد من القتل (والفتنة أكبر من القتل)، لقد عملوا وبجد وبمختلف الوسائل لغسل عقول الناشئة، عبر وسائل الإعلام، وعبر التلاعب بالمناهج، وعبر الدخول إلى المدارس بحجة النشاطات والترفيه، حتى إذا تعلقت قلوب أبنائنا بهم، راحوا يبثون فيهم تلك الثقافة الغالبة، من حرية العقيدة والتدين، إلى مسخ الولاء والبراء تحت مسميات عدة كالتسامح وقبول الآخر .. وركزوا أكثر ما يمكنهم على بنات المسلمين، فعملوا على نزع الحياء منهن عبر تسهيل اختلاطهن بالرجال، وأفسدوا عقل المرأة وفطرتها بإقناعها بأنها كالرجل تماما في الحقوق والواجبات، حتى تجرأ بعضهم مطالبا بتسوية المرأة بالرجل في الميراث، وعملوا على نزع الحجاب عبر إقناع الفتيات أن الحجاب مسألة حرية شخصية، وأنه لا أحد يحق له أن يجبرها عليه... لقد عاثوا فسادا في مجتمعنا، ولم يعد فسادهم وأجنداتهم الخارجية خافية على أحد... وأهم عامل في رد كيد هؤلاء هو التنبه لأساليبهم الماكرة المخادعة، وبعدم طاعتهم إلى ما يدعون إليه، فوالله ما هم بنَصَحَةٍ لكم، ما هم إلا أدوات من أدوات الغزو الفكري الاستعماري، فتنبهوا... إذا فقدنا الأمل في أنفسنا فهذا لا يعني أن نضيع أبناءنا، فلنربِّهم على العزة، فلنربهم على التمسك بكل الدين، فلنربهم على الاقتداء بالصحابة لعل الله ينصر بهم دينه، ويرفع بهم راية الإسلام، والله إنه لوعد صادق لا يتخلف عمن التزم بشروطه (وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا) 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق