خطورة تحريف الدين
عناصر الخطبة:
العلم بين الإحسان والإساءة.
انحراف بني إسرائيل.
اتباع بعض هذه الأمة لبني إسرائيل في التحريف.
(قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب) لقد كثرت نصوص الكتاب والسنة التي تحض على طلب علم الشريعة والتبصر فيه، لما للدين من أهمية في صلاح دنيا الناس وآخرتهم، ولقد رفع الله تعالى شأن العلماء المخلصين عندما قرنهم في الشهادة على أعظم مشهود، وهي شهادة لا إله إلا الله، فقال تعالى : (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وإلى العلم قائما بالقسط ) فياله من شرف ما أعظمه، حيث أقام الله تعالى حجته على خلقه بأنه تعالى شهد ألا إله إلا هو، وشهدت الملائكة بذلك، وشهد العلماء كذلك، فأنعم به من شرف وأكرم بها من فضيلة.
والعلم في الدين عباد الله! نعمة عظيمة، وهو كغيره من النعم، إذا أحسن الإنسان استعمالها كانت له خيرا وثوابا، وإن أساء إليها كانت عليه شرا ووبالا، لذلك فقد عظمت عند الله عقوبة العالم الذي لا يعمل يعلمه، لأن العالم إذا فسد فسدت معه أمم، وإن صلح صلحت معه أمم، والناظر في أحوال الأمم الغابرة، وفي الواقع يرى هذا جليا أمام عينيه...أمم وأقوام لم يرعوا حق العلم الذي من الله عليهم به، أساؤوا إليه ولم يصونوه فكانت العاقبة خسرا
وهذه حكاية أمة من تلك الأمم ... قد قصها الله علينا في كتابه، وأعادها وكررها في مواضع كثيرة لعل الأمة تعتبر، إنها قصة أهل الكتاب... قصة فيها من العبر الكثير، وفيها من المواعظ ما يزلزل القلوب... لعل سؤالا قد جال في خاطر كل واحد منا وهو يقرأ القرآن... ما الحكمة من ذكر قصة أهل الكتاب بالتفصيل في سورة البقرة والمائدة والأعراف وغيرها من السور، وما الحكمة من كون قصة نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام مع بني إسرائيل هي أكثر قصص القرآن طولا وتكرارا... والإجابة تأتينا من سيد الأنبياء عليه الصلاة والسلام حيث يقول "لتتبعن سنن من كان قبلكم حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " ولأن الصحابة قد فهموا كتاب الله حق الفهم بادروا بالسؤال : آليهود والنصارى؟ قال: "فمن". إن الله تعالى يعلم أن كل خلل في دين هذه الأمة إنما هو من متابعة اليهود والنصارى في الكفر والضلال.
عباد الله! لقد ذم الله سبحانه أهل الكتاب ذما شديدا لأنهم اختلفوا في دينهم بعدما جاءهم العلم وبعدما جاءهم وحي السماء، لأن العلم والوحي سبب اجتماع لا افتراق، سبب ائتلاف لا اختلاف، لكنه يكون كذلك إذا ورد على نفوس طيبة وقلوب سليمة، أما إذا ورد على قلوب مريضة بالشهوات والملهيات، ونفوس مستعبدة للدينار والدرهم والسلطة والجاه كان سببا للفرقة، لأنه حينئذ كل سيحاول تغيير وتكييف الدين على حسب مبتغاه، وهذا كان حال أهل الكتاب، وقد ذكر الله تعالى تفرقهم هذا فقال: ( وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ إلى غير ذلك من الآيات.
ومن أعظم الأمور التي ذم الله تعالى أهل الكتاب بسببها أنهم حرفوا ذلك العلم الذي أنزل إليهم، وغيروا دين التوحيد الذي أنزله الله على موسى وعيسى وسائر أنبيائهم، حرفوه إلى الشرك واتخاذ الأنداد المعبودين مع الله تعالى. ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ عبدوا رهبانهم فصرفوا لهم أنواع الطاعات والقربات، وعبدوا أحبارهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال وتغيير وتبديل أحكام الدين طبقا لشهواتهم ورغبات ساداتهم وزعمائهم.
ولقد سار كثير من المسلمين قديما وحديثا في هذا السبيل الممقوت، فغيروا وبدلوا أصولا راسخة في دين الله تعالى، بحجة عدم وضوح أو صراحة النص، مع أن الدين الذي مات عليه النبي صلى الله عليه وسلم وترك عليه أصحابه واضح بين فيما يتعلق بأصول الدين ومسلماته، مما يزيل ما في النصوص من الغموض المزعوم، قال عليه الصلاة والسلام: "تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك".
ومن أجلى صور تحريف للدين ما نراه في هذا الزمان، جرأة على أصول الدين ومسلماته بحجة أنها مجرد اجتهادات لعلماء قضوا وغبروا، حتى صار دين الإسلام عند كثير من المنحرفين دين لا معالم له ولا ملامح، لا يعدو أن يكون كلمة تكتب في الهوية... يوم أن كان الدين يكتب فيها
فكيف لمحب للدين أن يرضى بهذا وهو يرى معالم الدين تغير أمام عينيه، وأصول الدين تنقض أمام ناظريه.
كأني بذلك الليبرالي العلماني قد لبس ثوب الواعظين، وتقمص قميص الحريص على الدين من أيدي العابثين، يقوم فيقول للناس إن دين الإسلام دين سماحة لا يكفر أهل الأديان المحرفة ولا يأمر بجهاد، حتى بلغت سماحة الإسلام عندهم أن يسمع شتيمة نبيه عليه الصلاة والسلام فيعرض عن ذلك، ويقولَ - بكل بلادة - : هذه حرية تعبير.... كأني به يدعو إلى تنحية الشريعة عن الحكم بل عن الحياة، لأنها عنده لا تصلح للحكم، وقد يتلطف بالعبارة فيقول يجب أن ننزه الإسلام عن قذارة السياسة والحكم، مع أنه لا ينزه العلمانية عن ذلك القذر
يمشي العلماني في الطريق فإذا رآى امرأة مسلمة قد ازدانت بثياب العفاف والحياء ضاق صدره، وانشغل فكره، كيف أنزع ذلك الجلباب وأجعلها متبرجة سافرة، كيف أجردها من حيائها، كيف أجعلها تختلط بالرجال، كيف أخرجها من بيتها، فينادي بأعلا صوته ...حقوق المرأة، حقها في التبرج، حقها في ألا يكون عليها ولي مسؤول عنها، حقها في أن تكون في مواقع اتخاذ القرار، حقها في أن تصاحب الشباب وتخرج معهم...
يتبعون في سبيل الوصول إلى ذلك أخبث الأساليب، يغدقون الأموال، يعقدون الدورات التعليمية، ينفذون البرامج الصحية، يقيمون المخيمات الصيفية، يستغلون حاجة العاطلين عن العمل، هم مستعدون للتازل عن بعض الأمور في البداية حتى يصلوا بالتدرج والنفس الطويل إلى ما يريدون.... (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها...)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق