رمضان شهر النصر
عناصر الخطبة:
انتصارات المسلمين في رمضان.
العبرة من هذه الانتصارات.
انتصارات الفاسقين في رمضان.
فإن شهر رمضان شهر مبارك كثير الخير.. خير في دين الناس برجوعهم إلى الله تعالى، وإقبالهم على العبادة.. شهر مضاعفة الحسنات ورفع الدرجات.. وهو شهر خير كذلك فيما يتعلق بأمور الدنيا.. شهر تنزل فيه نصر الله تعالى على المسلمين، وكبت فيه أعداء الدين.. لما أخذ المسلمون بأسباب النصر كان النصر حليفهم في هذا الشهر في عدة مواقع عبر التاريخ.
فَلْنُشِح وجوهنا، ولنغمض أعيننا قليلا عن أولئك المخذولين، الذين سلبوا من هذا الشهر كل معاني العبادة والتقوى والعزة، وحولوه إلى لعب وَلَهْو، ولنعد إلى أيام العزة والتمكين، علنا نأخذ منها الدروس، ونجد فيها ما يرفع الهمة، ويقوي العزيمة.
معشر الصائمين: لقد كان “رمضان موسم نصر للمسلمين على امتداد التاريخ، حين شهدت أيامه الخالدة معارك خاضها المسلمون مع الأعداء على تنوع دياناتهم، واختلاف أقطارهم، وتفاوت عَددهم وعُدَّتهم، أكرَمَ الله فيها أولياءه بالنصر المبين، فكانت تلك المواقع الرمضانية فيصلاً في تاريخ الأمة، ونقطة تحوُّل في مسيرتها واتساع رقعتها، وشامة في جبين عزها وهامة هيبتها”.
ففي رمضان من السنة الثانية كانت غزوة بدر الكبرى، تلك الوقعة الفاصلة في تاريخ الأمة.. سماها الله تعالى بيوم الفرقان، فرق الله في هذا اليوم بين المشرك والموحد، فرق بين من خرج بطرا ورآء الناس وصدا عن سبيل الله، وبين من خرج مؤمنا صابرا يبتغي رضى مولاه، نصر الله عباده المؤمنين، وأيدهم بمدد من عنده، فنصر بهم دينه، وأعلى بهم كلمته، ونالوا شرف الدنيا والآخرة (ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين. ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون).
وفي رمضان من السنة الثامنة كان فتح مكة على يد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بعدما نقضت قريش صلح الحديبية، دخلها النبي صلى الله عليه وسلم عزيزا قويا، متواضعا لله جل وعلا، عفا عن جملة قريش، ودخلوا ومعهم العرب في دين الله أفواجا، ثم حطم الأصنام، وحرق بعضها، ولم يترك واحدا منها، إقامة لمعالم التوحيد، ونبذا لمعالم الشرك إلى الأبد، ولو كره الكافرون.
ومن المعارك الأخرى التي وقعت في رمضان: موقعة البويب، وكانت في السنة الثالثة عشرة من الهجرة، كانت مع الفرس على يد الصحابي المثنى بن حارثة -رضي الله عنه-.
وفي رمضان من السنة الخامسة عشرة كانت معركة القادسية الشهيرة بقيادة الصحابي سعد بن أبي وقاص.
وفي رمضان عام ثلاث وخمسين استعاد المسلمون جزيرة رودس على يد القائد جنادة بن أبي أمية، بأمر الخليفة الصحابي معاوية بن أبي سفيان.
وفي رمضان من عام ثلاثة وتسعين فتحت الأندلس على يد القائد طارق بن زياد.
وفي رمضان من السنة الرابعة والتسعين افتتحت بلاد الهند والسند على يد القائد الشاب محمد بن القاسم.
وفي رمضان من عام ( ٢٢٣) كان فتح عمورية المشهور.
وفي رمضان من عام ( ٢٦٤) فتحت مدينة سرقوسة في جزيرة صقلية الأوربية.
وفي رمضان من عام ( ٥٨٣) كان تحرير مدينة صفد من قبضة الروم على يد القائد صلاح الدين الأيوبي.
وفي رمضان من عام ( ٦٥٨) كانت هزيمة المغول في معركة عين جالوت.
وفي رمضان من عام (٦٦٦) كان فتح أنطاكية.
وفي رمضان من عام (٦٧٣) افتتحت أرمينيا الصغرى.
وفي رمضان من عام ( ٧٠٢) كُسرت شوكة المغول في معركة شقحب.
وفي رمضان من عام (٧٩١) فتحت بلاد البوسنة والهرسك على يد القائد العثماني السلطان مراد.
وفي رمضان من عام (٨٨٩) فُلّ حدُّ الروس على يد العثمانيين في واقعة القرم.
هذا هو تاريخنا المشرق في رمضان، هؤلاء هم أجدادكم يا أحفاد المثنى، لقد شغلوا أنفسهم بتحصيل ما يرضي الله تعالى، لقد شغلوا أنفسهم بطلب المعالي.. وبعضنا يكد ويجتهد لغرس ثقافة الذل بين المسلمين، يسعى لتربية جيل مسالم متسامح بزعمهم، جيل يسلم منه الأعداء.. نعم قد نكون ضعفاء ماديا، لكن هذا الضعف أبدا لا يسوغ تغيير الأفكار والثقافات، لا يسوغ ترك الإعداد الإيماني والمادي، لا يسوغ أن يستحي بعض الناس من تاريخه المشرق.. كيف يطلب النصر من لا يميز بين العدو والصديق الولي، أي نصر ذاك الذي يكون بالارتماء في حضن الأعداء.
لا تظنوا أن فرح الغرب بهلاك المسلمين وتجويعهم، يفوق فرحهم برؤيتنا ونحن نحتفل بيوم المرأة أو ننحن ندعو إلى التسامح، والله إن فرحهم بتركنا لديننا لا يقل عن فرحهم بقتلنا، (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) ( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق).
إن انتشار ثقافة الذل هذه ليس حديثا، بل هو من جملة الحروب الثقافية، في كل فترة من الزمن ينشؤون فينا فئة تبتلع ثقافة الغرب بكل ما فيها من كفر وقذارة، وتجتر شبه المستشرقين البالية، ثم تخرج لنا بدين يناسب الأعداء باسم التجديد الديني، والثورة على الثوابت.. لقد كانوا بردا وسلاما على الأعداء، حربا ونارا وشؤما على دينهم وأبناء جلدتهم، ووالله ما يضرون إلا أنفسهم لو كانوا يعلمون ( يأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم)
الثانية
فقد علمنا عباد الله أن هذا الشهر الفضيل كان عند المسلمين الصادقين شهرا للنصر والعز والتمكين، والمتأمل في واقعنا اليوم يرى أن المفسدين في الأرض كذلك جعلوا هذا الشهر شهرا للنصر، لكنهم جعلوه شهر انتصارات من نوع آخر، جعلوه شهر انتصار على الفضيلة والأخلاق، جعلوه شهر إبادة للعفاف والقيم، أناس يريدون للمؤمن الخسارة، وإذا كانت شياطين الجن تصفد وتغل في رمضان، فإن شياطين الإنس يسرحون ويمرحون، ويمكرون ويخططون، تراهم يكثرون من الإعداد الخلاب للأفلام والمسلسلات، وبرامج المسابقات، والسهرات الرمضانية، التي يعصى الله سبحانه وتعالى فيها...
"يتفننون في كيفية إهدارِ أوقاتِ المُسلمينَ الثَّمينةِ .. فوازيرُ ومُسلسلاتُ .. وحفلات غنائية وتفاهاتُ .. ولقاءاتُ نُجومِ العَفنِ الفني من فاسقينَ وفاسقاتِ .. موسيقى وسفورٌ .. واختلاطٌ مُحرمٌ وفُجورٌ .. والعجبُ كلَّ العجبِ .. وهم يُحَادُّونَ اللهَ تعالى في حكمتِه .. فهو سبحانَه جعلَ رمضانَ لمغفرةِ الذُّنوبِ وعِتقِ الرِّقابِ من النَّارِ .. وأوصى فيه بأنواعٍ كثيرةٍ من الطَّاعاتِ .. وفرضَ صومَه للتَّقوى والتَّخلُّصِ فيه من الشَّهواتِ .. وهم جعلوه شهرَ هَزَلٍ ومُجونٍ وسَخافاتٍ .. (أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ والمغفرة بإذنه)
يا أهلَ الإسلامِ .. إذا كانَ مَنْ قبلَكم يتركونَ كثيراً من المُباحاتِ بل وبعضِ الطَّاعاتِ ليتفرغوا لقراءةِ القرآنِ في رمضانَ .. فكيفَ بمن يُضيُّعُ أوقاتَ رمضانَ الغاليةَ بما فيه سَخطُ الرحمنِ؟! "
وإن بلادنا كغيرها من البلاد، قد نالها شيء كثير من عبث أولئك المفسدين ومكر أولئك المجرمين... فإياكم ودُعاةَ الشَّرِ .. الذينَ يَسرقونَ منكم أغلى أوقاتِكم .. ( وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق