حقوق المرأة
عناصر الخطبة:
المرأة قبل الإسلام وبعده.
حقيقة دعوات تحرير المرأة.
فإنه وبعد أيام قليلة، وتحديدا في الثامن من آذار تحل علينا مناسبة مقدسة عند أهل الشهوات في هذا الزمان، يوم يطول انتظارهم له، ويتعطشون للقائه، ولقد بلغ من حفاوة استقبالهم لهذا اليوم أن رغبوا في أن تتحدث عنه المنابر، وتسال له المحابر، وتسود له القوانين الدفاتر... إنه يوم المرأة... في كل عام يحتفي الغرب الكافر وأذنابهم من المسلمين بهذا اليوم... ندوات ومحاضرات، دورات وورشات، مطالبات بسن المزيد من القوانين التي تحمي المرأة كما يزعمون... تحميها من ماذا؟ لا أحد يعلم، عطل رسمية، وتغطيات إعلامية... نحن أمام موسم من مواسم الزُّور، تهوي إليه أفئدة المفسدين في كل عام...
عباد الله! على مر التاريخ، وتعاقُب الأمم والحضارات، كانتِ المرأةُ ممسوخةَ الهُوية، فاقِدة الأهلية، منزوعة الحريَّة، لا قِيمةَ لها تُذكر، أو شأن يُعتبر، بل كانتْ تُقاسي في عامَّة أحوالها - باستثناء عصور الرِّسالات الإلهيَّة - ألوانًا من الظُّلم والقهْر، والشَّقاء والذُّل، صاغتْها أهواءٌ ضالَّة، أو عقائدُ فاسِدة.
ولا جرمَ أنَّ الناظر في وضْع المرأة قبلَ الإسلام لن يجدَ ما يسرُّه؛ إذ يرى نفسَه أمامَ إجماع عالَمي على تجريدِ هذه المخلوقة مِن جميع الحقوق الإنسانية.. كانت المرأة في الجاهلية تورث كما يورث المال، فإذا مات الرجل جاء أخوه فرمى عليها ثوبا، فإن شاء بعد تزوجها وإن شاء أمسكهما حتى تموت..
جاءالإسلام وأبطل هذا كله، كرم المرأة ورفع منزلتها، وأزال الظلم عنها، أعطاها من الميراث، وملكها المال، وحرم ظلمها والتعدي عليها، وأمر ببرها أما، وبالإحسان إليها زوجة وبنتا، وأحاطها بسوار العفاف والطهارة.
جاء الإسلام ليعلن على الملأ أن أصل الخليقة واحد: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )
جاء الإسلام العظيم ليعلن أن المعيار معيار التقوى، والعمل الصالح وحده الذي يرتب عليه الجزاء في الآخرة: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَن ما كانوا يعملون)
وفي خطبة حجة الوداع التي ذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم محكمات الشريعة أكد على التوصية بالنساء فقال: "ألا فاستوصوا بالنساء خيرا، فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله".
وكان صلى الله عليه وسلم القدوة الأسمى في ذلك، كان المثل الأعلى في هذه الرعاية والإحسان، يقول صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي".
فهل عرفت الدنيا كلها نظاما أعطى للمرأة هذه الحقوق، وبوأها هذه المنزلة الرفيعة، والرتبة المنيفة؟
هل شهدت الدنيا كلها حرية حقيقية للمرأة كما شهدتها في رحاب الإسلام وشريعة القرآن والسنة؟
“ليست القضية قضية متاجرة أو مزايدة، وليست القضية تهويشا إعلاميا، أو تهريجا سياسيا في زمن التهريج والتهويش، لكنها الحقيقة الناصعة التي لا يمكن لأي منصف أن يتجاهلها أو ينكرها”.
وإذا عرفنا تلك المكانة العظيمة التي أعطاها الإسلام للمرأة، وأنه هو من رفع الظلم عنها، فماذا يريد دعاة تحرير المرأة، ولماذا يركزون جهودهم في بلاد المسلمين، هل يريدون إرجاع المسلمين إلى الدين، أم يريدون إبعادهم عنه، أم هي محاولة لنشر العهر باسم الحرية.
عباد الله! إن أهل الباطل يزينون باطلهم بالشعارات البراقة، والعناوين الإسلامية ليحببوا باطلهم إلى الناس... ومن ذلك أن دعاة إفساد المرأة يتمسحون بتكريم الإسلام للمرأة، فيحاولون إدخال باطلهم للمسلمين تحت هذا الشعار.. والواقع أن تكريم الإسلام للمرأة لا علاقة له بالنظرة العلمانية الليبرالية للمرأة، بل هما فكران متضادان لا يجتمعان في قلب واحد.
فالإسلام نظر إلى طبيعة الرجل والمرأة، وإلى التكوين الجسدي والعقلي لكل منهما، فشرع لكل منهما من الأحكام ما بناسب طبيعته، فعدل بأعطاء كل ما يناسبه، ولم يسو بينهما مساواة تامة في كل الأمور، فليس العدل دائما في المساواة، بل قد تكون المساواة المطلقة هي عين الظلم في بعض الأحيان.
وأما دعاة إفساد المرأة فأرادوا مساواة المرأة بالرجل في كل شيء، فأثقلوا عليها الأحمال، وحملوها ما لا تحتمل.. ظنوا أنهم أعلم بالخلق من خالقهم، فَلَو تراهم تائهين، في كل يوم تشريع، وفي كل حين حلول، وفي كل وقت مناقشات للمصائب التي جنوها على أنفسهم، ولو أنهم اهتدوا بهدى الله لما ضاعوا..
... شتان بين تعاليم الإسلام وبين تعاليم دعاة انحلال المرأة
الإسلام فرض الحجاب على المرأة صيانة لها.. ودعاة إفساد المرأة يرونه تمييزا وإهانة للمرأة.
الإسلام حرم الزنا على الرجل والمرأة.. والليبرالية ترى أن الزنا حرية شخصية، لا يجوز الاعتداء عليها.
الإسلام جعل المرأة في ولاية الرجل منذ ولادتها إلى موتها، حفاظا عليها وتسهيلا لأمور حياتها.. والعلمانيون يَرَوْن هذا الأمر ظلما وتجبرا على المرأة.
الإسلام أمر الرجل أن ينفق على زوجته ولو كان هو فقيرا وكانت هي تملك الملايين.. وأما أولئك فقالوا كل ينفق على نفسه، فعلى المرأة أن تكد وتكافح لتنفق على نفسها.
الإسلام أمر المرأة بالقرار في بيتها.. وهم يرونه سجنا وحبسا.
الإسلام جعل للمرأة نصف نصيب الرجل من الميراث.. وهم يَرَوْن ذلك هضما لحق المرأة.
الإسلام حرم الاختلاط سدا للتقارب المحرم بين الرجل والمرأة.. ودعاة الفساد يرونه دليلا على التحضر والانفتاح وسببا لتفريغ الكبت، يحرصون على الاختلاط في التعليم والمهرجانات.. حتى سرى هذا الداء لأهل الدين فصاروا يقيمون الاحتفالات الدينية التي تختلط فيها النساء بالرجال بدعوى تكريم أهل القرآن.
الإسلام ربى المسلمية على الحياء.. ودعاة السوء يريدون نزعه من قلبها
الإسلام أمر المرأة بحفظ عورتها وعدم إبدائها.. ودعاها شياطين الإنس لكشف عورتها ليوقدوا الشهوات، وينفقوا البضائع... إذا أردت أن تعلم قيمة المرأة عند الغرب فما عليك إلا أن تنظر إلى عبوات مواد التنظيف، وإعلانات الاتصالات والأدوات الكربائية وغيرها لتعلم أنها مجرد وسيلة تجارية، تدر المال على أصحابها.
فماذا جنت المرأة في الغرب من ذلك التحرير المزعوم، غير الشقاء والممهانة والاغتصاب والتحرش..
إن السعادة في الدنيا والآخرة لا تكون إلا بالاستقامة على أمر الله تعالى كما نزل، من غير تحريف ليوافق شهواتنا ورغباتنا (فإما يأتينكم مني هدى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق