حقوق الإنسان
عناصر الخطبة:
الانهزام سبب لتلقي أفكار الغالب.
مفهوم حقوق الإنسان.
حرية العقيدة في ميزان الشرع.
بيان تناقض الغرب في ادعائه الرحمة بالناس.
لقد كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن حقوق الإنسان، وضرورتها للمجتمعات الإسلامية، وكثر الزعم بأن هذا الأمر لا يتعارض مع الإسلام، بل وصل الحال إلى أن يقول البعض: إن الإسلام يدعو إلى حقوق الإنسان، وأنه أسَّسَ لها. فما صحة هذا الزعم؟ وهل من يقول هذا يقولُه دفاعا عن الإسلام ونشرا لمحاسنه؟ أم يقوله خنوعا وانهزاما واستحياء بدينه؟
عباد الله! لنعلمِ ابتداءً أن كل أمة مهزومة فإنه ينبت فيها حب التقليد والتبعية للأمم الأكثرِ قوةً؛ ولما كنا أمة قوية وكان الغرب في ظلام وانحطاط، كانوا يحرصون على التبعية لنا، فكانوا يحرصون على تعلمِ اللغة العربية، وكانوا يرسلون صفوة أبنائهم إلى الأندلس ليأخذوا منها العلوم…واليوم انقلبت الصورة، فصرنا نحن تبعا لهم، وصرنا حريصين على التشبه بهم في لباسهم وكلامهم وأعيادهم، بل في أفكارهم واعتقاداتهم، كما هو الحال فيما نتكلم عنه، وهو حقوق الإنسان. اعلموا عباد الله! أن هذا المصطلح الذي وضعه الغرب، هو ككثير من المصطلحات التي وُضِعتْ بخبث، بحيث تكون واسعةً تحتمل الحقَّ والباطل، وبحيث يَكُونُ فيها أمور تخالف الشريعة، وأمور توافقها، لكنّ أساسَ هذا الفكرِ قائمٌ على الانحلال من تطبيق أي دين في حياة الناس، وهذا أمر يهدم ما فيه من الخير، فما وافق الإسلامَ منه فنحن أولى به، ولسنا بحاجة إلى أن نأخذ منه شيئا ففي ديننا كفاية، ولسنا بحاجة إلى أن نطوع ديننا ونلوي أعناق النصوص الشرعية حتى تكون موافقة لمبادئ حقوق الإنسان خيرِها وشرِّها.
عباد الله! إن مبادئَ حقوقِ الإنسانِ التي يتحدث عنها العلمانيون فيها أمور كثيرة تناقض أصل دين الإسلام؛ ولنقف وَقفة قصيرةً مع واحد من تلك الأمور التي هي من أسس حقوق الإنسان عند الكفار، هذا الأمر هو ما يسمونه بحرية الأديان والعقيدة…. دعوكم ممن يقول: إن الإسلام تكفَّل بحرية العقيدة، لأنه سمح لأهل الذمة من اليهود والنصارى بالعيش في ديار الإسلام وعاملهم معاملة حسنة؛ فليس هذا هو المرادَ بحرية الأديان والعقيدة عند من يروجون لهذا الأمر، بل معناه عندهم: أن لأي شخص الحقَّ في اعتناق الدين الذي يعجبه، وله الحق في اعتناق أيِّ فكرٍ شاء، دون تدخل من الدولة أو من أي أحد، فللإنسان عندهم أن يصبح مسلما ويمسي يهوديا، ويسمي نصرانيا ويصبح بوذيا، أو شيوعيا أو ملحدا، دون لَوْمٍ من أحد، ثم إن له الحقَّ بعد ذلك أن يجاهر بعقيدته تلك، وينشرَها بين الناس. هذا هو معنى حرية العقيدة الحقيقي عند أهله وعند من وضعوه. فهل هذا هو ما يدعو إليه الإسلام!
إن من يقول إن الإسلام يدعو إلى هذا الأمر أو يُقرُّه: إما أنه جاهل بالإسلام، لم يقرأ القرآن، ولا سنة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وإما أنه عدو خبيث يريد تحريف الإسلام كما حرف النصارى دينهم. عباد الله! إن أساس التفريق بين الناس في الإسلام هو الدين، وعلى هذا الأساس تُبنى الحقوق والواجبات، فليس المسلم فيه كغير المسلم، وكيف يكون المسلمُ الموحدُ المعظمُ لله تعالى، الذي يصف اللهَ بصفات الكمالِ والجلال والجمال، كيف يكون هذا كالكافر المشركِ بالله، المتنقصِ لجلاله وعظمته… في دين الإسلام هذان الصنفان لا يستويان لا في الدنيا ولا في الآخرة، وقد دلت على هذا نصوص القرآن والسنة، وهي نصوص واضحةٌ سهلةٌ يفهما أي أحد، إلا من طمس الله قلبه (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)؛ وقبل إن نذكر شيئا منها لا بد أن نعلم عباد الله! أن المعاملة الحسنة لأهل الذمة لا تعني التخليَ عن العقيدة، ولا تعني الانصهارَ والاندماجَ مع تلك الأفكار الزائفة، وليست سماحةُ الإسلام هي الذلَّ والمهانةَ التي يدعو إليها بعض الناس، واهمين أنها من دين الإسلام.
أما تلك النصوص التي تدل على بطلان حرية العقيدة في الإسلام… فانظروا بداية عباد الله! إلى السبب الداعي للقتال والجهاد، تجدوا أن النصوص قد نصت على أن سببَ القتال هو اختلافُ الدين، قال تعالى: ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسولُه ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزيةَ عن يد وهم صاغرون)، وقال تعالى: ( فإذا انسلخ الأشهرُ الحرمُ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوُا الزكاة فخلوا سبيلهم)، فانظروا كيف جعل سبب القتال هو الشركَ والكفر، فالمسلمون يقاتلون لإعلاء دينهم وإسلامهم، لا يقاتلون لعصبية ولا لقومية، قال تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكونَ الدين لله)، وقال: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكونَ الدين كلُّه لله)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله». انظروا كذلك عباد الله! إلى ما ذكر في القرآن من فرض الجزية على أهل الذمة، وذلك لاختلاف دينهم، فهل هذا يتوافق مع حرية العقيدة بالمعنى الذي يدعو إليه العلمانيون. ولما منع عمر رضي الله عنه النصارى من رفع صلبانهم، ودقِّ نواقيسِهم، هل كان متبعا لحقوق الإنسان، أم متمسكا بشريعة رب العالمين. وكيف تكون حرية العقيدة عندما ينزل عيسى ابن مريم في آخر الزمان، فيحكم الناس بالعدل، ويكسر الصليب، ولا يقبل دينا غير الإسلام، فقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى ينزل فيكمُ ابْنُ مريمَ حكما مقسطا، فيكسرُ الصليب، ويقتلُ الخنزير، ويضعُ الجزية، ويفيضُ المالُ حتى لا يقبلَه أحد»، ومعنى كسر الصليب ووضع الجزية كما قال أهل العلم: أنه لا يَقبل دينا غيرَ الإسلام، ويصيرُ الدين واحدا، فلا يأخذُ الجزية حينئذ من أحد. وكيف يمكن الجمع بين حرية ترك دين الإسلام وبين حكم قتل المرتد، الذي أجمعت عليه أمة الإسلام، وذكره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «من بدل دينه فاقتلوه». إلى غير ذلك من النصوص... فاللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه...
الثانية
كثيرا ما يتغنى الغرب بالإنسانية والسلام والحريات، ويزعمون أنهم أهل الأخلاق الفاضلة، وأن الإسلام دين إرهاب ووحشية، ولقد عملوا على إظهار تلك الصورة للناس من خلال إعلامهم، حتى تأثرَ بذلك بعض من المسلمين، وصدقوا تلك الكذبة الكبيرة، ثم راحوا يقارنون تلك الصورةَ الجميلة للغرب بما يظنونه تشددا في دين الإسلام، فأعْمَلَ أولئك المنهزمون الأذلةُ معاولَ التحريفِ والتبديل في الإسلام، وذلك بتفسير الآيات تفسيرا عجيبا مخالفا لسياقها ومخالفا لما فهمه المسلمون منها على مر العصور، وأما الأحاديث فمصيرها عندهم الرد والرفض رأسا، بشبهات واهية، كل ذلك لأنهم لم يفهموا الإسلام، ولم يبصروا حقيقة ما عليه الغرب من وحشية ومخالفةٍ لما يدْعون إليه مما يسمونه بحقوق الإنسان... إن أمريكا التي تدعي أنها أمُ حقوقِ الإنسان قتلت مائة مليون من الهنود الحمر في أمريكا الشمالية، وقتلت مئات الآلاف في اليابان بقنبلتها النووية، وقتلت مثلهم في فيتنام، وقتلت ثلاثين ألفا في غزوها لأفغانستان، مات بسبب حصارها للعراق مليونُ طفل عراقي، وقتلت عشرات الآلاف من العراقيين في حرب الخليج الثانية، ألم تقتل فرنسا عشرات الآلاف في الجزائر والمغرب... وبعد كل ذلك يأتون إلينا ليقولوا لنا إن دين الإسلام لا جهاد فيه، بل هو دين مسالم حتى لو احتُلتِ الأرضُ وقُتِل الرجال واغتصبت النساء...أما حرية التعبير التي يزعمونها فإنها لا تتسع إلا لمهاجمة الإسلام، هل يقبل أولئك المتحضرون أن ينكر أحد محرقة اليهود... لا، فهذا الرأي عندهم جريمة يحاسب عليها القانون، أما إذا تعلق الأمر بالإساءة إلى الإسلام وإلى النبي صلى الله عليه وسلم فسوف تسمعهم هم وأذنابهم يقولون هي حرية تعبير وحق مقدس لا يجوز المساس به... عباد الله! أما آن لنا أن نعلم أن تلك المبادئ ما هي إلا وسائل لفرض ثقافة الكفر علينا، أما آن لنا أن نعلم أن تلك الصور الوردية التي يرسمونها لأذنابهم ما هي إلا خيالات وأوهام... ألا فلنعتز بديننا ولنتمسك به تاركين تلك السخافات والأوهام...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق