الثلاثاء، 23 أغسطس 2016

منكرات عظام في رمضان

عناصر الخطبة:
طبع الله على قلوب الفاسقين.
من وسائل الفاسقين في صرف الناس عن العبادة في رمضان.
شروط الحجاب.

رمضان موسم الخيرات والبركات، تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، وما زال رمضان موسما للصالحين للتزود من الخيرات، وموسما للمذنبين للمبادرة إلى التوبة والأوبة، وباب التوبة مفتوح في كل حين...
وإن من الناس من يبتلى في دينه فيطبع على قلبه، وذلك بسبب تتابع ارتكابه للذنوب دون توبة، وبسبب تشبعه من الضلالات والشبهات الفكرية، ومع كثرة نعم الله عليه، ورؤيته للحق إلا أنه يغمض ويتغافل حتى يقسو قلبه ويسودَّ ويطبعَ عليه، قال عليه الصلاة والسلام: «إنَّ المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر، صقل قلبه، وإن زاد زادت، حتَّى يعلو قلبه ذاك الرَّان الذي ذكر الله عزَّ وجلَّ في القرآن: (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُون)».
ولقد تتابعت نعم الله تعالى على بني إسرائيل، ورأوا الآيات العظام فكفروا وعصوا فَقَسَت قلوبهم، فلم تعد تؤثر فيهم المواعظ ولا البينات، وصارت قلوبهم أشد قسوة من الحجارة، فلا تنفعهم موعظة ولا يستجيبون لداعي الخير..وهكذا المجرم المطبوع على قلبه، وهكذا أئمة الضلال والدعاة إلى الرذيلة لا تزيدهم الآيات ومواسم الخيرات إلا إجراما.. إلا أن يتداركه الله برحمة منه ويمن عليه بتوبة
وإن رمضان قد صار عند تلك الفئة المنحرفة موسما لبث الرذيلة ومعاداة الملة والشريعة، يضلون الناس، ويوقدون الشهوات ويتبعون في ذلك وسائل متعددة، مما نراه ونسمعه في وسائل الإعلام العربية..
إن من وسائل المبطلين في محاربة الدين في رمضان: إقامة الحفلات الغنائية، والسهرات الرمضانية، والعجب كل العجب كيف تقبل عقولهم، بل كيف تستسيغ فطرتهم أن يحاربوا الله تعالى في رمضان بالرقص والغناء.. في أي دين يكون شهر الرحمة والعبادة شهرا للهو والعبث، فضلا عن أن يكون شهرا للعصيان.. لكنه الشيطان قد أوصى جنده، وأعد نوابه، قبل أن يغل في رمضان..
ومن وسائلهم في صرف الناس عن العبادة في رمضان: إنشاء بعض التجمعات أو البازارات التجارية بزعم إنعاش الاقتصاد، والواقع أن هذه النشاطات لا تخلو من الموسيقى والتبرج والاختلاط، ولا تخلو من تسلل بعض الفئات الساقطة التي تعبث بالنظام، بل تعبث بالعفة والحياء.. إن الذي ينشئ هذه التجمعات، ويسهل اختلاط الشباب بالفتيات في مكان محصور كهذا، ثم يشكو من المشاكل والتعديات، كمثل من يجمع الزيت مع النار ثم يتعجب لماذا تشتعل النار.. يداك أوكتا وفوك نفخ، ولو أنهم اتقوا ربهم لكانوا سببا في حفظ المجتمع من الفساد.
ومن أساليب تلك الوسائل الإعلامية الخبيثة في محاربة الدين الاستهزاء بالدِّين وأحكامِه، من خلال الأفلام والمسلسلات التي يبثونها، يحرصون فيها على إظهار أهل الدين بصورة تضحك الناس، ويستهزؤون ببعض الأحكام الشرعية.. ويحرصون كذلك على تشويه صورة المسلم المتلزم بدينه، وإظهاره بمظهر المتوحش الجاهل المتخلف.. وهدفهم من هذا كله إرهاب الناس فكريا، بحيث إذا خطر في بال المسلم أن يلتزم، جاءت في مخيلته تلك الصورة المشوهة التي رآها على التلفاز، فيرجع بسبب ذلك عن الاستقامة. وإذا أراد المسلم أن يطبق حكما شرعيا، كأن يأمر أهله بالحجاب، أو أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر، تبادر إلى ذهنه صورة ذلك المتشدد الذي كره صفحة وجهه في التلفاز.. 
إن أولئك المجرمين يتدرجون في نشر الباطل بين الناس، ويدخلون من خلال الترفيه والترويح عن النفس، فإذا أحبهم الناس بثوا سمومهم فيهم.. لقد كانوا قديما يستهزؤون باللحية والثوب والسواك، أما الآن فيسخرون من أصول الدين وثوابته، وذلك كتشويههم لعقيدة الولاء والبراء، ليبثوا بين الناس أنه لا فرق بين مسلم ولا يهودي ولا نصراني.. يشوهون صورة الحجاب، بإظهار المحجبة بمظهر المتخلفة.. يظهرون الفاجرة الزانية بصورة المسكينة المظلومة... يحببون الباطل إلى الناس بطرق خبيثة.. (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا)
عباد الله! هذا ليس فنا ولا ترفيها ولا ترويحا عن النفس، هذه محادة لله ورسوله، ومعاداة صريحة للدين، هؤلاء هم أعداؤكم، هؤلاء أولياء الشيطان.. فلا تحبوهم، ولا تشاهدوهم.. أيربى أبناء المسلمين على الاقتداء بأمثال أولئك الساقطين، أما لنا قدوات نقتدي بهم، أترجون أن يحرر الأقصى على يد الممثلين والممثلات، هل سيدافع أولئك المجرمون عن أعراض المسلمات.. والله ما هم إلا خناجر تطعن في شرف هذه الأمة.. والله ما هم إلا معاول تهدم ولا تبني، وتفسد ولا تصلح...
ومن وسائلهم بث برامج فيها الشبه الفكرية، التي تحرف الإسلام، ليوافق مبادئ الغرب العلمانية، تحت شعارات الصحوة والتجديد الديني.. وما هم إلا أبواق للغرب، منهزمون نفسيا، خجلون من دينهم، قد خضعوا لثقافة العدو الغالب، فأرادوا إسلاما يوافقها.. والله حافظ دينه
فدَعوكم -عباد الله- منهم، ولتحرصوا على ما ينفعكم في آخرتكم..
عباد الله! ها هي أيام رمضان قد بدأت بالانقضاء، حاملة معها ما عملنا من خير أو شر، وها نحن نقف على بعد مسافة قصيرة من العشر الأواخر من رمضان.. تلك العشر التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على العبادة فيها، فكان كما قالت عنه عائشة رضي الله عنها إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد مئزره. 
في هذه العشر ليلة خير من ألف شهر، هي ليلة القدر، ليلة السعد والهناء لمن ظفر بها.. أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى طلبها وتحريها في العشر الأواخر من رمضان، وقال: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".

٢عباد الله! في هذه الليالي من ليالي رمضان المباركة، وفي أيام العيد كذلك، تمتلئ الأسواق بالناس طلبا لحاجاتهم، وإن الناظر في أسواق المسلمين في هذه البلد وغيرها ليرى العجب في هذه الأسواق، بداية من الشباب الذين يسرحون ويحرثون الأسواق بلا هدف ولا وجهة، إلا النظر إلى هذه وتلك، وهذا أمر منكر لا يجوز.. وإن الجريمة الأعظم التي تفوق هذا الذنب وتغذيه: هي خروج كثير من النساء إلى الأسواق على أحسن هيئة وأكمل زينة، وعدم التزامهن بالحجاب الشرعي الكامل.. وإن المسلمة الموفقة تجتنب الخروج إلى الأسواق في ظل تلك الأجواء، ولكن للناس حاجاتهم وظروفهم، فإذا خرجت المرأة إلى السوق أو إلى أي مكان آخر، فيجب عليها أن تلتزم ما أمرها الله تعالى به من فوق سبع سماوات، وهو الحجاب الشرعي، فرضه الله تعالى حفظا للمرأة وصونا لها (يأيها النبي قل لأزواجك وبَنَاتِك ونساء المؤمنين يُدْنِين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أي يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما)، الحجاب الشرعي، وليس حجاب الموضة.. لقد أمر الله تعالى بالحجاب لحكمة عظيمة وهي حماية المرأة، ومنع فتنتها للرجال، وكثير من نسائنا.. يفرغن هذا الحجاب من مضمونه، فيلبسن من الثياب ما يشوه صورة الحجاب، وما يثير الغرائز، ولقد جاءت النصوص الشرعية بشروط للحجاب، لا تكون المرأة محجبة بحق إلا إذا التزمت بها.. فلبس البنطال سواء كان ضيقا أو واسعا يخالف صفة الحجاب الشرعي، وكذلك لبس الجلباب الضيق الذي يفصل بعض معالم الجسم، لأن من شروط الجلباب التي تعرفونها جميعا: ألا يكون مفصلا لمعالم الجسم أو بعضها، ولبس العباءات الرقيقة كذلك لا يجوز، لأنها تصف ما تحتها وهذا يتنافى مع شروط الحجاب، وقد جاء في مسند الإمام أحمد في عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَال: كَسَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قُبْطِيَّةً كَثِيفَةً مِمَّا أَهْدَاهَا لَهُ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، فَكَسَوْتُهَا امْرَأَتِي فَقَالَ: «مَا لَكَ لَمْ تَلْبَسِ الْقُبْطِيَّةَ؟» قُلْتُ: كَسَوْتُهَا امْرَأَتِي. فَقَالَ: «مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلَالَةً، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ عِظَامَهَا»
وقال صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: نساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة، و لا يجدن ريحها، و إن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا».

وإن مما يؤسف له أن التبرج تحول عند فئة من الناس إلى ثقافة وتحضر، فيرون أن الحجاب ليس بلازم للمرأة، وأنها حرة، إن شاءت تحجبت وإن شاءت تبرجت.. وهذا من الضلال والكفر، فالله تعالى فرض الحجاب في كتابه، وأجمع على ذلك المسلمون على مر العصور، فلا مكان بين المسلمين لمن ينكر أن الحجاب فريضة، فضلا عمن يقول عن الحجاب إنه تخلف أو ظلامية.. بل مكانهم بين أعداء الأمة من الكفار والمنافقين.. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق