الأربعاء، 31 أغسطس 2016

استقبال رمضان

عناصر الخطبة:
منة الله تعالى على هذه الأمة.
التبشير بقدوم رمضان.
كيف نستقبل شهر رمضان.
التحذير من الإفطار في نهار رمضان.

(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)
يعيش الإنسان في هذه الحياة الدنيا سائرا إلى الله سبحانه، سائرا سيرًا حثيثا إلى أجله ونهايته، وإن العاقل الموفق هو الذي يعمر هذه الفترة القصيرة التي يعيشها في الدنيا، ويجعلها ساعات للطاعة، تكون سببا لينال مغفرة الله جل وعلا، ويفوز برضوانه وبجنات النعيم.
وإن الله سبحانه لما جعل أعمار هذه الأمة قصيرة محدودة، أبدلها عن ذلك بمواسم الخير والطاعات، حتى تحصل المزيد من الأجور، وحتى تكون خير الأمم، يضاعف الله سبحانه حسناتها، فضلا منه ورحمة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وإن من أعظم هذه المواسم الخيّرة المباركة، شهرَ رمضان، الذي قد أظلتنا نفحاته، وباتت نسائمه على مقربة منا، شهر عظمه الله سبحانه، وعظمه رسوله صلى الله عليه وسلم، وعظمه المسلمون، شهر الطاعة والإخلاص، شهر التوبة والإنابة، شهر سلامة الصدور وطهارة القلوب، شهر النصر والفتوحات والتمكين.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يفرح بقدوم هذا الشهر.. يستبشر به، يبشر به أصحابه فيقول: «أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله -عزّ وجلّ- صيامه، تفتّح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم».
ياله من خير يسر المؤمنين، وياله من ثواب يحرك النفوس الخاملة، وياله من فضل يُلِين القلوب القاسية.
إنه مناد ينادي الجميع، ينادي الطائع المستقيم: أن قد جاءك موسم مضاعفة الثواب والحسنات فَجِدَّ واجتهد، وينادي العاصيَ المفرِّط: أن قد جاءك موسم الرحمة فتب إلى ربك، وأقصر عن عصيانك وغيك.
إنه شهر تصفَّد فيه مردة الشياطين، فيسهل على الصالح الاجتهاد في العمل الصالح، وتسهل التوبة على المذنب المفرط،  قال عليه الصلاة والسلام: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير: أقبل، ويا باغي الشر: أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة».
عباد الله! إذا أردنا أن نوفَّق في شهر رمضان فعلينا أن نحسن استقباله، فإنه ضيف عزيز، لا يمكث طويلا، فإذا دخل رمضان فليس هناك وقت لتفكر ماذا تفعل، فإن أيامه سريعة، وإن النفس الأمارة بالسوء ستُمَنِّيك بطول الأمل، ولن يتركك أهل الفساد، ومروجو الرذيلة وشأنك في هذا الشهر..
فمن أهم الأمور التي ينبغي أن تَستقبل بها شهر رمضان: أن تفرح بقدومه، وتستبشر به، وتنوي صيامه إيمانا واحتسابا، إيمانا بوجوب صيامه على المكلفين من المسلمين، واحتسابا للأجر العظيم والثواب الجزيل عند الله سبحانه. قال عليه الصلاة والسلام: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه». وقال: «من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا». فاطلب مغفرة ذنوبك بصيامك، واقصد العتق من النيران بجوعك وعطشك، كن محتسبا متذكرًا للأجر، إذا أحسست بتعب فقل هذا لترضى يا رب، لا تنظر إلى رمضان على أنه شهر جوع وعطش وحرمان، بل انظر إليه على أنه شهر توبة وطاعة وغفران...
ومن أهم الأمور التي ينبغي أن يُستقبل بها شهر رمضان كذلك: أن تعلم يا عبد الله كيف تستغل شهر رمضان، بماذا تملأ وقتك؟ ماذا يريد الله سبحانه منا أن نفعل في هذا الشهر؟.. إن المؤمن الموفق يعلم أن رمضان هو موسم عبادة، موسم مضاعفة الحسنات، موسم التسابق والمسارعة إلى الخيرات، موسم إطعام الطعام، موسم الصدقات، موسم القرآن والقيام، موسم تفتح فيه أبواب الجنة.. أيام معدودة، وساعات قليلة، إن أحسن المسلم استغلالها فاز وحظي بالخير العظيم، لذلك فالموفق في رمضان وقته ضيق، لأنه معمور بذكر الله وقراءة القرآن، تراه يتمنى لو وجد مزيدا من الوقت ليتقرب إلى الله سبحانه.. هذه هي النظرة الصحيحة لرمضان، هذه هي نظرة الصحابة لرمضان، هذه هي نظرة أصحاب الهمة العالية لرمضان... أما تلك النظرة الشائعة بين بعض المسلمين، والتي غذتها وسائل الإعلام الهابطة.. التي جعلت شهر رمضان موسما للمسلسلات، موسما للمسابقات والاحتفالات والبازارات، موسما للتبرج والاختلاط والسهرات الغنائية، موسما للبذخ والإسراف.. هؤلاء ليسوا إلا قطاع طرق، يقطعون عليك طريق المغفرة، يأخذونك إلى الاتجاه الخاطئ، ويضيعون عليك أوقاتك الغالية، فإياك وإياهم.. اقصد إلى ما تريد ودع عنك أولئك المفسدين..
عباد الله! ها نحن على أعتاب شهر رمضان، قد أوشك أن يحط رحاله بيننا، ويوشك أن يرتحل سريعا، ألا فلتعلموا عباد الله! أن إدراك هذا الشهر منحة عظيمة، واعلموا أن من أحسن ما يُستقبل به هذا الشهر: أن يُستقبل بالتوبة النصوح، وإذا كانت التوبة مرغبا فيها في كل وقت، فهي في رمضان أشدُّ تأكيدا، وباب التوبة مفتوح فأقبلوا على الله بقلوبكم، (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر لذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم. وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون. واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب يغتة وأنتم لا تشعرون. أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين. أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين. أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين). فَيَا أيها المقيم على العصيان قد أتاك شهر الغفران، تدارك نفسك، واشتر سعادتك، قبل أن يدركك الأجل، لا تعتمد على قوتك، فإنها تذهب في لمحة عين، ولا تؤمل بشبابك، فإنك ترى الموت يخطف الشباب كما يخطف الشيوخ، لن ينفعك مالك ولا جاهك ولا صديقك، ستموت وحدك وتحاسب وحدك، فأقبل على من بيده القلوب، واسأله توبة صادقة، ومغفرة تذهب بخطاياك. 
واعلموا عباد الله! أن التوبة لا تكون صادقة إلا بالإقلاع عن الذنوب، وبالندم على ارتكابها، وبالعزم على عدم العودة لها.. وإذا كانت هناك حقوق مالية لأحد عليك فتوبتك غير صادقة حتى تعيد الحق إلى أهله
(سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم).

الثانية
عباد الله! صيام شهر رمضان فريضة ربانية على كل مسلم مكلف بالصيام، فرضه الله تعالى في كتابه فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آَمَنُوْا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ). 
وهو ركن من أركان الإسلام العظيمة، من ترك صيام يوم متعمدا من غير عذر فقد أتى كبيرة من كبائر الذنوب، وتعرض للعقوبة من الله سبحانه، وقد أطْلَع الله سبحانه نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم على عذاب بعض أهل العصيان فكان ممن رأى: أولئك الذين يفطرون في نهار رمضان، فقال عليه الصلاة والسلام: «.. ثم انطلقا بي، فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشقّقة أشداقهم، تسيل أشداقهم دمًا، فقلت: من هؤلاء؟! قالا: الذين يفطرون قبل تحلّه صومهم». معلقون من أرجلهم وتسيل أفواههم دما. 
وكيف لا يكون ذلك وقد خالفوا أمرا عظيما من أوامر الله سبحانه، لم يراعوا حرمة الشهر.
وإن ضعف الإيمان، وقلة العلم سبب لذلك التفريط العظيم، فضعيف الإيمان يلتمس أي فرصة ليفطر، ويعتبر مجرد الجوع والعطش سببا مبيحا للفطر، ويتذرع بأي ذريعة ليتملص من الصيام.. وهل يريدون الجنان بلا تعب ولا مشقة، أم يريدون الفلاح وهم مقيمون على شهواتهم وملذاتهم، إنهم يعرضون أنفسهم لعقوبة عظيمة لو كانوا يعلمون. 

وفئة أخرى قد ضاقت ذرعا بالإسلام وأحكامه، لا يَرَوْن في فرائضه وأركانه إلا كبتا للحريات، وكبحا للشهوات، قد غرقوا في مستنقعات العلمانية، فلا يَرَوْن وجوب صيام ولا صلاة ولا غيرها، قد يخافون من التصريح بهذا، ولكن يبدوا ذلك على صفحات وجوههم وفلتات ألسنتهم، (ولتعرفنهم في لحن القول).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق