الأربعاء، 31 أغسطس 2016

خطورة تحريف الدين

عناصر الخطبة:
العلم بين الإحسان والإساءة.
انحراف بني إسرائيل.
اتباع بعض هذه الأمة لبني إسرائيل في التحريف.

(قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب) لقد كثرت نصوص الكتاب والسنة التي تحض على طلب علم الشريعة والتبصر فيه، لما للدين من أهمية في صلاح دنيا  الناس وآخرتهم، ولقد رفع الله تعالى شأن العلماء المخلصين عندما قرنهم في الشهادة على  أعظم مشهود، وهي شهادة لا إله إلا الله،  فقال تعالى : (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وإلى العلم قائما بالقسط ) فياله من شرف ما أعظمه، حيث أقام الله تعالى حجته  على خلقه بأنه تعالى شهد ألا إله إلا هو، وشهدت الملائكة بذلك، وشهد العلماء كذلك، فأنعم به من شرف وأكرم بها من فضيلة.
والعلم في الدين عباد الله!  نعمة عظيمة، وهو كغيره من النعم، إذا أحسن الإنسان استعمالها كانت له خيرا وثوابا، وإن أساء إليها كانت عليه شرا ووبالا، لذلك فقد عظمت عند الله عقوبة العالم الذي لا يعمل يعلمه، لأن العالم إذا فسد فسدت معه أمم، وإن صلح صلحت معه أمم، والناظر في أحوال الأمم الغابرة، وفي الواقع يرى هذا جليا أمام عينيه...أمم وأقوام لم يرعوا حق العلم الذي من الله عليهم به، أساؤوا إليه ولم يصونوه فكانت العاقبة خسرا
وهذه حكاية أمة من تلك الأمم ... قد قصها الله علينا في كتابه، وأعادها وكررها في مواضع كثيرة لعل الأمة تعتبر، إنها قصة أهل الكتاب... قصة فيها من العبر الكثير، وفيها من المواعظ ما يزلزل القلوب... لعل سؤالا قد جال في خاطر كل واحد منا وهو يقرأ القرآن... ما الحكمة من ذكر قصة أهل الكتاب بالتفصيل في سورة البقرة والمائدة والأعراف وغيرها من السور،  وما الحكمة من كون قصة نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام مع بني إسرائيل هي أكثر قصص القرآن طولا وتكرارا... والإجابة تأتينا من سيد الأنبياء عليه الصلاة والسلام حيث يقول "لتتبعن سنن من كان قبلكم حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه " ولأن الصحابة قد فهموا كتاب الله حق الفهم بادروا بالسؤال : آليهود والنصارى؟  قال: "فمن".  إن الله تعالى يعلم أن كل خلل في دين هذه الأمة إنما هو من متابعة اليهود والنصارى في الكفر والضلال.
عباد الله! لقد ذم الله سبحانه أهل الكتاب ذما شديدا لأنهم اختلفوا في دينهم بعدما جاءهم العلم وبعدما جاءهم وحي السماء، لأن العلم والوحي سبب اجتماع لا افتراق، سبب ائتلاف لا اختلاف،  لكنه يكون كذلك إذا ورد على نفوس طيبة وقلوب سليمة، أما إذا ورد على قلوب مريضة بالشهوات والملهيات، ونفوس مستعبدة للدينار والدرهم والسلطة والجاه كان سببا للفرقة، لأنه حينئذ كل سيحاول تغيير وتكييف الدين على حسب مبتغاه، وهذا كان حال أهل الكتاب، وقد ذكر الله تعالى تفرقهم هذا فقال: ( وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ إلى غير ذلك من الآيات.
ومن أعظم الأمور التي ذم الله تعالى أهل الكتاب بسببها أنهم حرفوا ذلك العلم الذي أنزل إليهم،  وغيروا دين التوحيد الذي أنزله الله على موسى وعيسى وسائر أنبيائهم، حرفوه إلى الشرك واتخاذ الأنداد المعبودين مع الله تعالى. ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ عبدوا رهبانهم فصرفوا لهم أنواع الطاعات والقربات، وعبدوا أحبارهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال وتغيير وتبديل أحكام الدين طبقا لشهواتهم ورغبات ساداتهم وزعمائهم.
ولقد سار كثير من المسلمين قديما وحديثا في هذا السبيل الممقوت، فغيروا وبدلوا أصولا راسخة في دين الله تعالى، بحجة عدم وضوح أو صراحة النص، مع أن الدين الذي مات عليه النبي صلى الله عليه وسلم وترك عليه أصحابه واضح بين فيما يتعلق بأصول الدين ومسلماته، مما يزيل ما في النصوص من الغموض المزعوم، قال عليه الصلاة والسلام: "تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك".
ومن أجلى صور تحريف للدين ما نراه في هذا الزمان، جرأة على أصول الدين ومسلماته بحجة أنها مجرد اجتهادات لعلماء قضوا وغبروا، حتى صار دين الإسلام عند كثير من المنحرفين دين لا معالم له ولا ملامح، لا يعدو أن يكون كلمة تكتب في الهوية... يوم أن كان الدين يكتب فيها
فكيف لمحب للدين أن يرضى بهذا وهو يرى معالم الدين تغير أمام عينيه، وأصول الدين تنقض أمام ناظريه.
كأني بذلك الليبرالي العلماني قد لبس ثوب الواعظين، وتقمص قميص الحريص على الدين من أيدي العابثين، يقوم فيقول للناس إن دين الإسلام دين سماحة لا يكفر أهل الأديان المحرفة ولا يأمر بجهاد، حتى بلغت سماحة الإسلام عندهم أن يسمع شتيمة  نبيه عليه الصلاة والسلام فيعرض عن ذلك، ويقولَ - بكل بلادة - : هذه حرية تعبير.... كأني به يدعو إلى تنحية الشريعة عن الحكم بل عن الحياة، لأنها عنده لا تصلح للحكم، وقد يتلطف بالعبارة فيقول يجب أن ننزه الإسلام عن قذارة السياسة والحكم، مع أنه لا ينزه العلمانية عن ذلك القذر
يمشي العلماني في الطريق فإذا رآى امرأة مسلمة قد ازدانت بثياب العفاف والحياء ضاق صدره، وانشغل فكره، كيف أنزع ذلك الجلباب وأجعلها متبرجة سافرة، كيف أجردها من حيائها، كيف أجعلها تختلط بالرجال، كيف أخرجها من بيتها، فينادي بأعلا صوته ...حقوق المرأة، حقها في التبرج، حقها في ألا يكون عليها ولي مسؤول عنها، حقها في أن تكون في مواقع اتخاذ القرار، حقها في أن تصاحب الشباب وتخرج معهم...  

يتبعون في سبيل الوصول إلى ذلك أخبث الأساليب، يغدقون  الأموال، يعقدون الدورات التعليمية، ينفذون البرامج الصحية،   يقيمون المخيمات الصيفية، يستغلون حاجة العاطلين عن العمل،  هم مستعدون للتازل عن بعض الأمور في البداية حتى يصلوا بالتدرج والنفس الطويل إلى ما يريدون.... (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها...)
الحجاب، تحرير المرأة

عناصر الخطبة:
سد الشريعة للأبواب الموصلة إلى الزنا.
أدلة فرض الحجاب.
التحايل على الحجاب.
مدرسة تحرير المرأة.

(يأيها النبي قل لأزواجك وبَنَاتِك ونساء المؤمنين يُدْنِين عليهم من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما)... إن حفظ العرض من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية، وإن من سمات الشريعة الغراء أنه كلما كانت المعصية عظيمة وكبيرة وذات خطر على المجتمع كلما زادت الشريعة من الحواجز المانعة من الوصول إليها، وهذا من كمال وحسن هذا الدين العظيم... وإن الزنا ذنب عظيم من أكبر الكبائر، حتى إن الله تعالى قرنه بالذكر مع الشرك والقتل في قوله: ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا)، ولقد نهى الله سبحانه عن مجرد الاقتراب منه بقوله: (ولا تقربوا الزنا) فكيف بالوقوع به... 
ومن باب تحريم الوسائل الموصلة إلى هذا الذنب العظيم فقد حرمت الشريعة أمورا هي طريق لخدش العفاف، فحرمت على الرجال النظر إلى النساء، وأمرت المرأة بالستر الكامل، وحرمت عليها إبداء مفاتنها، في تشريع من حكيم خبير، عليمٍ بالفطرة الإنسانية، والميل الغريزي لكلا الجنسين... 
ولا مكان هنا لتلك الدعوات التي يرددها العلمانيون التي تنادي بفتح باب الشهوات وكشف العورات، لأن ذلك يؤدي بزعمهم لأن يعتاد الناس رؤية العورات، فينطفؤ ما في النفوس من الكبت الجنسي، فعندها إذا رأى الشاب امرأة في كامل زينتها فكأنه رآى رجلا قبيح المنظر... وهذا الكلام عباد الله! لا يعدو أن يكون مغالطة ومكابرة للفطرة التي فطر الله عليها البشر؛ هاهو الرجل يتزوج المرأة السنوات الطويلة فتبقى نفسه تميل إليها.. ولو كان هذا الكلام صحيحا فما تفسير النِّسَب الخيالية من الاغتصاب والتحرش في بلاد الغرب مع أنها بلاد التبرج والسفور...!  
عباد الله! لقد فرض الله الحجاب على المرأة من فوق سبع سماوات في آيات بينات واضحات، لا تضيق بها إلا نفوس المنافقين الداعين إلى الفواحش. فمن هذه الأدلة قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ}. قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: رحم الله تعالى نساء الأنصار، لما نزلت: ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك... ) شَقَقن مُرُوطهن، فاعتجرن بها، فصَلَّين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسهن الغربان. وقال تعالى: (وقل للمؤمنات يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتهن....). فقوله تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) نص صريح واضح في وجوب الحجاب، حيث أمر الله تعالى المؤمناتِ بتغطية الجيب - وهو مدخل الرأس في الثوب- بالخمار وهو غطاء الرأس، ونهى نهيا واضحا عن إبداء مواضع الزينة لغير المحارم المذكورين في الآية... وهذه النصوص الشرعية تفيد وجوب الحجاب على المرأة المسلمة، وهي نصوص واضحة صريحة لا تحتمل تفسيرا آخر. 
عباد الله! إن وجوب الحجاب هو من الأحكام الشرعية القطعية التي أجمع عليها المسلمون عبر العصور على اختلاف مذاهبهم الفقهية ومشاربهم الفكرية، ولم يشذ عن ذلك أحد من علماء المسلمين سلفًا ولا خلفًا، والقول بأن الحجاب ليس بفريضة أو أنه حرية شخصية هو كلام مخالف لِمَا عُلِم بالضرورة من دين المسلمين، وهو قولٌ مبتدَعٌ منحرف لم يُسبَقْ صاحبُه إليه، ولا يجوز نسبة هذا القول الباطل للإسلام بحال من الأحوال. 
أيها المسلمون! إن شياطين الإنس والجن لا يألون جهدا في إيقاع الناس في المعاصي، ولما علموا تمسك الناس بالحجاب لجؤوا إلى طرق فيها الالتفاف والتحايل على الحجاب، وذلك بالتلاعب بالحجاب والجلباب الشرعي بحيث يفرغ من مضمونه وغايته ويصيرُ مجردَ مظهر، فتصير المرأة متبرجة من حيث لا تشعر، ولقد انتشرت في هذه البلاد وغيرها صور كثيرة للتلاعب بالحجاب، ومن ذلك لبس البنطال - سواء كان ضيقا أو واسعا- فهو أمر مناف لحقيقة الحجاب لأنه يتنافى مع الستر... وَمِمَّا عم به البلاء كذلك تلك الجلابيب والعباءات الضيقة التي تفصل معالم الجسم، وبعضها يكون مفتوحا من الأسفل، والعباءات الرقيقة كذلك مخالفة لأنها تَصِف معالم الجسم... وهذا كله ليس لباسا شرعيا. فإن من شروط الجلباب أن يكون واسعا فضفاضا لا يُقسّم ولا يصف معالم الجسم. عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: كَسَانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبْطِيَّةً كَثِيفَةً مِمَّا أَهْدَاهَا لَهُ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ، فَكَسَوْتُهَا امْرَأَتِي فَقَالَ: «مَا لَكَ لَمْ تَلْبَسِ الْقُبْطِيَّةَ؟» قُلْتُ: كَسَوْتُهَا امْرَأَتِي. فَقَالَ: «مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلَالَةً، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ عِظَامَهَا». وإن من الأمور المخالفة كذلك ما يعرف بمريول المدرسة الخاص بالبنات في المدراس، ولا يخفى ما فيه من المخالفة الكبيرة للحجاب، وإن مما يدمي القلب أن تربى الفتاة في مقتبل عمرها على لبس لباس لا يسترها، وإن فرض هذا اللباس على البنات هو من إشاعة التبرج بين المسلمين... لا يجوز لبس هذا اللباس للفتاة البالغة أو التي قاربت البلوغ.. وإن من المؤسف أن بعض المدارس تجبر البنات على لبس مريول المدرسة، ولا تسمح لهن بالدخول إلى المدرسة إلا به، بحجة أنه اللباس الرسمي المقرر من التربية... تصرفات وقرارات لا يمكن فهمها إلا أنها محاربة للحجاب الشرعي، فليذهب لباسهم الرسمي المقرر إلى الجحيم... أتترك المسلمة اللباس الذي أمرها الله به من فوق سبع سماوات، وتطيع عبيدا لا يفهمون من الحضارة والتطور إلا التبرج ونشر الاختلاط... فبئس ما يشترون... انظروا عباد الله كيف جعل النبي صلى الله عليه وسلم التي تلبس لباسا لا يسترها، جعلها وكأنها لم تلبس شيئا، لأن النتيجة واحدة، بل لربما فتنت تلك المحجبة بحجاب الموضة ربما فتنت أكثر مما تفتن المتبرجة التي تكشف شعرها ولا تلبس الملابس الضيقة، قال صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: رجال بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة، و لا يجدن ريحها، و إن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا". وتأملوا كيف قرن الله أولئك النسوة بالظلمة الذين يضربون ظهور الناس بالسياط، وذلك لعظم خطرهن على المجتمع... إن المرأة إذا لم تلبس الزِّي الشرعي فإنها لا ترتكب معصية شخصية فقط، بل إن أذاها وفتنتها تصيب كل من يراها ويفتتن بها.. عباد الله! كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، ألا فلنتق الله في بناتنا وزوجاتنا، ألا إننا سنسأل عنهن، ولن تنفعنا طاعة غير الله تبارك وتعالى. (يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون).

الثانية

إن المرأة لها أهمية كبيرة في بناء المجتمعات المتينة، كيف لا؟ وهي أساس بيوت المسلمين، ولطالما رضع الأبطال في هذه الأمة منهن لبان العزة والكرامة، ويكفي في بيان أهمية دورها قوله عليه الصلاة والسلام: "والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها"... لكنها في المقابل قد يكون لها أثر عكسي تماما، وذلك إذا خرجت عن الدور العظيم الذي أعطاه الله إياه... ولما علم المنافقون خطورة دور المرأة في بناء المجتمع أو هدمه ركزوا عليها جهودهم، وكرسوا لها خططهم، حتى أنتجوا لنا مدرسة تسمى بمدرسة تحرير المرأة، هذه المدرسة التي نشأت في أحضان الاستعمار قد اتخذت اسما براقا جميلا، هو تحرير المرأة... يزعم دعاة تحرير المرأة أن هدفهم السامي هو رفع الظلم الاجتماعي الواقع على المرأة... نعم هناك صور تتعرض فيها المرأة للظلم كما يتعرض الرجل تماما، لكن أهذا كل ما يدعون إليه؟ ولماذا لا نرى نشاطهم المحموم إلا في بلاد المسلمين؟ إذا نظرت يا عبد الله إلى الأصل الاستعماري لنشأة هذه المدرسة انجلت لك الصورة الحقيقة، وزال عنك العشى... إن من فطنة المسلم وحكمته ألا يتلقى الشعارات الرنانة، والكلام المزخرف من غير أن يعرف مقصد صاحبها منها... وإذا رجعت إلى مؤسسي هذه المدرسة وحاملي لوائها فإنك لن ترى فيها إلا أنها معول لهدم الإسلام ... فالحجاب عندهم صورة من صور التمييز ضد المرأة، وولاية الزوج على زوجته عندهم من صور ظلم المرأة، الاختلاط عندهم من أهم حقوق المرأة، وإعطاء المرأة نصف الذكر في الميراث عندهم ظلم للمرأة، لا بأس عندهم أن تكون المرأة رئيسة دولة أو قاضية أو مأذونة شرعية، لا سلطان للرجل على المرأة أبدا حتى لو كان زوجا أو أبا، من أراد أن يرى بعينه فليطالع اتفاقية سيداو.. فلتخرج ولتتبرج كما شاءت، ولتصاحب من الشباب من شاءت، فإن تحرك شيء من الغيرة في نفس الزوج أو الأب فمنعها أو ضربها فالسجن مصيره.. أتسبعدون هذا... هذا هو الهدف الذي يهدفون إليه، وأول الطريق خطوة، ولقد ساروا بِنَا خطى فكونوا على حذر..إنهم يعملون في المدراس، ويدسون في المناهج..نشاطات ودورات..مهرجانات ومسابقات..قد وصلوا إلى أفكار كثير من البنات فلوثوها، وإلى غيرة كثير من الشباب فقتلوها.(إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون)
عقيدة النصارى في المسيح

عناصر الخطبة:
بيان كفر النصارى.
بيان حرمة الاحتفال والتهنئة بهذه بمناسبة بداية العام الميلادي.
التسامح الذي يدعو إليه الإسلام.

فإننا نشهد في هذه الأيام نهاية ما يعرف عند النصارى بالعام الميلادي، ونشهد دخول عام آخر، واعلموا عباد الله أن للنصارى عقيدةً في هذه الأيام، هي من أشد العقائد طغيانا وكفرا، حيث إنهم يعتقدون أن الله تعالى وُلد له ولد في هذه الأيام، وهذا الولد في اعتقادهم هو عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، ولا يقتصر اعتقادهم على ذلك، بل يزيدون في الكفر والضلال فيعتقدون أن هذا الولد المزعوم قد تقاسم صفات الألوهية والربوبية مع الله تعالى، فينسبون إلى عيسى ابن مريم صفات الألوهية، ويعتقدون أنه إله يعبد مع الله تعالى، ولقد حكى الله تعالى عقائدهم الكفرية فقال جل وعلا: (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهؤون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون)، لم يقتصروا على ذلك، بل إنهم زادوا كفرا فاتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا، يطيعونهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال، قال تعالى عنهم: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم)، ثم بين الله جل وعلا أن دين المسيح ابن مريم بعيد عن آرائهم الكفرية كلَّ البعد، فقال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) هذا هو دين عيسى ودين إخوانه الأنبياء جميعا، دين التوحيد، دين عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، لا شريك له في ملكه، ولا شريك له في صفاته، ولا شريك له في العبادة، هذا هو دين الإسلام الذين دان به الأنبياء جميعا، لكن بعض الضالين حرفوا دينهم من بعدهم، قال تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) وقال: ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة)... 
ولقد كان النصارى ممن حقت عليهم الضلالة، بل ممن توغلوا في الضلال والكفر، فحرفوا دين التوحيد الذي أوحى الله به إلى عيسى ابن مريم، ولذلك كفَّرهم الله تعالى من فوق سبع سماوات، فقال تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) وقال: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة)، وقال: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان دَاوُدَ وعيسى ابن مريم)، إذا علمنا هذا عباد الله! إذا علمنا أن هذه الأيام التي يحتفل بها النصارى هي محل لتلك العقائد الكفرية، والآراء الوثنية، علمنا أن مشاركتهم بهذه الاحتفالات من الأمور المحرمة أشد تحريم في دين الله... واعلموا عباد الله أن الله تعالى جعل لكل أمة منهجا وشريعة، والعيدُ من أظهر ما تتميز به كل أمة عن الأمم الأخرى، وهذا العيد مرتبط بعقيدة من أشد عقائد النصارى كفرا وإجراما، وهي أنهم يعتقدون أن الله وُلد له وَلدٌ في هذا اليوم، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، قال تعالى: (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا. لقد جئتم شيئا إدا. تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا. أن دعوا للرحمن ولدا) فإذا كان هذا حال السماوات والأرض من شدة وفظاعة هذا القول، فما بالنا نحتفل معهم، ونشاركهم في باطلهم. 
اعلموا عباد الله أنه لا خلاف بين العلماء في تحريم مشاركة المشركين في أعيادهم، ولا خلاف في تحريم تعمد إظهار أي مظهر من مظاهر الفرح أو الزينة، أو فرض عطلة رسمية على المسلمين في هذه الأيام، بل قد يصل الضلال ببعضهم إلى أن يدخلوا الكنائس في هذه الليالي، بزعم التسامح والمحبة، وما هو إلا الكفر والضلال والذل والنفسية المهزومة. وليس بعيدا عن ذلك ما نراه من تغطية إعلامية لتلكم الشعائر الكفرية من قبل الإعلام المشبوه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم، لا من طعام، ولا لباس ولا اغتسال، ولا إيقاد نيران، ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة، وغير ذلك . ولا يحل فعل وليمة ولا الإهداء، ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك... وبالجملة ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم، بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام، لا يخصه المسلمون بشيء من خصائصهم ..وأما تخصيصه بما تقدم ذكره: فلا نزاع فيه بين العلماء.  قال عبد الله بن عمرو بن العاص: من تأسى ببلاد الأعاجم وصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك: حشر معهم يوم القيامة . وعن ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلا ببوانة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها من وثن يعبد من دون الله من أوثان الجاهلية؟ قال: لا. قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ قال: لا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم». فلم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل أن يوفي بنذره، مع أن الأصل في الوفاء أن يكون واجبا، حتى أخبره أنه لم يكن بها عيد من أعياد الكفار، وقال : «لا وفاء لنذر في معصية الله»؛ فإذا كان الذبح بمكان كان فيه عيدهم معصية، فكيف بمشاركتهم في نفس العيد؟ بل قد شرط عليهم أمير المومنين عمر بن الخطاب والصحابة وسائر أئمة المسلمين أن لا يظهروا أعيادهم في دار المسلمين، وإنما يعملونها سرا في مساكنهم، فكيف إذا أظهرها المسلمون أنفسهم؟ حتى قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخط ينزل عليهم. وإذا كان الداخل لفرجة أو غيرها منهيا عن ذلك؛ لأن السخط ينزل عليهم، فكيف بمن يفعل ما يسخط الله به عليهم، مما هي من شعائر دينهم ؟! وقد قال غير واحد من السلف في قوله تعالى : (والذين لا يشهدون الزور) . قالوا أعياد الكفار، فإذا كان هذا في شهودها من غير فعل، فكيف بالأفعال التي هي من خصائصها. 
واعلموا عباد الله! أن تهنأتهم بهذه المناسبة من المحرمات كذلك، نهنئهم على ماذا؟ أعلى عقائد الشرك والضلال التي تكاد تزول منها الجبال؟ أم على دماء المسلمين التي يسفكونها في شتى بقاع الأرض؟ أم على دعمهم المطلق لليهود في احتلالهم لأرضنا ومقدساتنا؟ قال ابن القيم: وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد، ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب… فمن هنأ عبدا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه. 

*عباد الله! يحجتج بعض الناس على مشاركة النصارى في أعيادهم بأن الإسلام دين متسامح... لقد أصموا آذاننا بهذه الألفاظ، التي لا نسمعها إلا في جانب الكفار، وأما المسلمون فلا سماحة في التعامل معهم، بل البطش والقتل والتجويع.... واعلموا عباد الله! أن معنى التسامح الصحيح الذي جاء في الدين هو شيء آخر، يختلف عن الذل والمهانة والضعف، التي يسمونها بالتسامح، التسامح في دين الإسلام في معاملة النصارى غير المحاربين معاملة حسنة من باب تحبيبهم في الإسلام، واستجلاب قلوبهم للدخول في هذا الدين، قال تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من ديارهم أن تبروهم وتقسطوا إليهم)، لكن هذه المعاملة الحسنة لا تعني تمييع العقيدة الإسلامية، ولا تعني التنازل عن ثوابت الدين، بل نحن نعتقد كفرهم ومع ذلك نعاملهم المعاملة الحسنة شفقة عليهم وإحسانا إليهم، وهذه هي قمة التسامح الإنساني الحق، هذا التسامح في المعاملة الذي جعل رجلا يهوديا يأمر ابنه بالدخول في الإسلام، فقد روى البخاري عن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ !! فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ». هذا هو تسامح النبي صلى الله عليه وسلم  الذي يدخل الناس في الدين، وليس ذلك التسامح الذي يخرج الناس منه (يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون)
حقوق المرأة

عناصر الخطبة:
المرأة قبل الإسلام وبعده.
حقيقة دعوات تحرير المرأة.

فإنه وبعد أيام قليلة، وتحديدا في الثامن من آذار تحل علينا مناسبة مقدسة عند أهل الشهوات في هذا الزمان، يوم يطول انتظارهم له، ويتعطشون للقائه، ولقد بلغ من حفاوة استقبالهم لهذا اليوم أن رغبوا في أن تتحدث عنه المنابر، وتسال له المحابر، وتسود له القوانين الدفاتر... إنه يوم المرأة... في كل عام يحتفي الغرب الكافر وأذنابهم من المسلمين بهذا اليوم... ندوات ومحاضرات، دورات وورشات، مطالبات بسن المزيد من القوانين التي تحمي المرأة كما يزعمون... تحميها من ماذا؟ لا أحد يعلم، عطل رسمية، وتغطيات إعلامية... نحن أمام موسم من مواسم الزُّور، تهوي إليه أفئدة المفسدين في كل عام...
عباد الله! على مر التاريخ، وتعاقُب الأمم والحضارات، كانتِ المرأةُ ممسوخةَ الهُوية، فاقِدة الأهلية، منزوعة الحريَّة، لا قِيمةَ لها تُذكر، أو شأن يُعتبر، بل كانتْ تُقاسي في عامَّة أحوالها - باستثناء عصور الرِّسالات الإلهيَّة - ألوانًا من الظُّلم والقهْر، والشَّقاء والذُّل، صاغتْها أهواءٌ ضالَّة، أو عقائدُ فاسِدة. 
ولا جرمَ أنَّ الناظر في وضْع المرأة قبلَ الإسلام لن يجدَ ما يسرُّه؛ إذ يرى نفسَه أمامَ إجماع عالَمي على تجريدِ هذه المخلوقة مِن جميع الحقوق الإنسانية.. كانت المرأة في الجاهلية تورث كما يورث المال، فإذا مات الرجل جاء أخوه فرمى عليها ثوبا، فإن شاء بعد تزوجها وإن شاء أمسكهما حتى تموت..
جاءالإسلام وأبطل هذا كله، كرم المرأة ورفع منزلتها، وأزال الظلم عنها، أعطاها من الميراث، وملكها المال، وحرم ظلمها والتعدي عليها، وأمر ببرها أما، وبالإحسان إليها زوجة وبنتا، وأحاطها بسوار العفاف والطهارة.
جاء الإسلام ليعلن على الملأ أن أصل الخليقة واحد: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) 
جاء الإسلام العظيم ليعلن أن المعيار معيار التقوى، والعمل الصالح وحده الذي يرتب عليه الجزاء في الآخرة: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَن ما كانوا يعملون)
وفي خطبة حجة الوداع التي ذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم محكمات الشريعة أكد على التوصية بالنساء فقال: "ألا فاستوصوا بالنساء خيرا، فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله". 
وكان صلى الله عليه وسلم القدوة الأسمى في ذلك، كان المثل الأعلى في هذه الرعاية والإحسان، يقول صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي". 
فهل عرفت الدنيا كلها نظاما أعطى للمرأة هذه الحقوق، وبوأها هذه المنزلة الرفيعة، والرتبة المنيفة؟
هل شهدت الدنيا كلها حرية حقيقية للمرأة كما شهدتها في رحاب الإسلام وشريعة القرآن والسنة؟
“ليست القضية قضية متاجرة أو مزايدة، وليست القضية تهويشا إعلاميا، أو تهريجا سياسيا في زمن التهريج والتهويش، لكنها الحقيقة الناصعة التي لا يمكن لأي منصف أن يتجاهلها أو ينكرها”. 
وإذا عرفنا تلك المكانة العظيمة التي أعطاها الإسلام للمرأة، وأنه هو من رفع الظلم عنها، فماذا يريد دعاة تحرير المرأة، ولماذا يركزون جهودهم في بلاد المسلمين، هل يريدون إرجاع المسلمين إلى الدين، أم يريدون إبعادهم عنه، أم هي محاولة لنشر العهر باسم الحرية.
عباد الله! إن أهل الباطل يزينون باطلهم بالشعارات البراقة، والعناوين الإسلامية ليحببوا باطلهم إلى الناس... ومن ذلك أن دعاة إفساد المرأة يتمسحون بتكريم الإسلام للمرأة، فيحاولون إدخال باطلهم للمسلمين تحت هذا الشعار.. والواقع أن تكريم الإسلام للمرأة لا علاقة له بالنظرة العلمانية الليبرالية للمرأة، بل هما فكران متضادان لا يجتمعان في قلب واحد.
فالإسلام نظر إلى طبيعة الرجل والمرأة، وإلى التكوين الجسدي والعقلي لكل منهما، فشرع لكل منهما من الأحكام ما بناسب طبيعته، فعدل بأعطاء كل ما يناسبه، ولم يسو بينهما مساواة تامة في كل الأمور، فليس العدل دائما في المساواة، بل قد تكون المساواة المطلقة هي عين الظلم في بعض الأحيان.
وأما دعاة إفساد المرأة فأرادوا مساواة المرأة بالرجل في كل شيء، فأثقلوا عليها الأحمال، وحملوها ما لا تحتمل.. ظنوا أنهم أعلم بالخلق من خالقهم، فَلَو تراهم تائهين، في كل يوم تشريع، وفي كل حين حلول، وفي كل وقت مناقشات للمصائب التي جنوها على أنفسهم، ولو أنهم اهتدوا بهدى الله لما ضاعوا..
... شتان بين تعاليم الإسلام وبين تعاليم دعاة انحلال المرأة
الإسلام فرض الحجاب على المرأة صيانة لها.. ودعاة إفساد المرأة يرونه تمييزا وإهانة للمرأة.
الإسلام حرم الزنا على الرجل والمرأة.. والليبرالية ترى أن الزنا حرية شخصية، لا يجوز الاعتداء عليها.
الإسلام جعل المرأة في ولاية الرجل منذ ولادتها إلى موتها، حفاظا عليها وتسهيلا لأمور حياتها.. والعلمانيون يَرَوْن هذا الأمر ظلما وتجبرا على المرأة.
الإسلام أمر الرجل أن ينفق على زوجته ولو كان هو فقيرا وكانت هي تملك الملايين.. وأما أولئك فقالوا كل ينفق على نفسه، فعلى المرأة أن تكد وتكافح لتنفق على نفسها.
الإسلام أمر المرأة بالقرار في بيتها.. وهم يرونه سجنا وحبسا.
الإسلام جعل للمرأة نصف نصيب الرجل من الميراث.. وهم يَرَوْن ذلك هضما لحق المرأة.
الإسلام حرم الاختلاط سدا للتقارب المحرم بين الرجل والمرأة.. ودعاة الفساد يرونه دليلا على التحضر والانفتاح وسببا لتفريغ الكبت، يحرصون على الاختلاط في التعليم والمهرجانات.. حتى سرى هذا الداء لأهل الدين فصاروا يقيمون الاحتفالات الدينية التي تختلط فيها النساء بالرجال بدعوى تكريم أهل القرآن.
الإسلام ربى المسلمية على الحياء.. ودعاة السوء يريدون نزعه من قلبها
الإسلام أمر المرأة بحفظ عورتها وعدم إبدائها.. ودعاها شياطين الإنس لكشف عورتها ليوقدوا الشهوات، وينفقوا البضائع... إذا أردت أن تعلم قيمة المرأة عند الغرب فما عليك إلا أن تنظر إلى عبوات مواد التنظيف، وإعلانات الاتصالات والأدوات الكربائية وغيرها لتعلم أنها مجرد وسيلة تجارية، تدر المال على أصحابها.
فماذا جنت المرأة في الغرب من ذلك التحرير المزعوم، غير الشقاء والممهانة والاغتصاب والتحرش.. 
إن السعادة في الدنيا والآخرة لا تكون إلا بالاستقامة على أمر الله تعالى كما نزل، من غير تحريف ليوافق شهواتنا ورغباتنا (فإما يأتينكم مني هدى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى).


سب الله تعالى

عناصر الخطبة:
خطورة الاستهزاء بالدين.
سب الله تعالى كفر أكبر.
“الثقافة” والاستهزاء بالدين. 

فإن قلب المؤمن ينعم بنعمة لا يضاهيه فيها أحد... هي نعمة محبة الله تعالى وتعظيمه وإجلاله، يعيش المؤمن في كنف هذه النعمة فيرق قلبه، وتسمو روحه، ويطيب عيشه، وتيسر له سبل الهدى والاستقامة، ولا يزال تعظيم الله تعالى وإجلاله من أهم صفات الأنبياء وأتباعهم.
وإن قلوب أولياء الشيطان قلوب منكوسة خالية من ذكر الله، ليس فيها تعظيم لله تبارك وتعالى، ولذلك فإنهم كذبوا بآيات الله وعادوا رسله وأتباعهم على مر العصور، ولو أن تلك القلوب فيها تعظيم لله جل وعلا لما وقعت في الإشراك والكفر، (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون)، ولو أنهم عظموا الله لما كذبوا رسله، (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء)، وقال نوح لقومه لما كذبوه: (ما لكم لا ترجون لله وقارا).
وإن من أهم صور عدم تعظيم الله تعالى الاستهزاء بالله سبحانه، أو برسله وأنبيائه، أو بالشرائع التي جاؤوا بها، ولا زالت صفة الاستهزاء بالله وبالرسول وبالشريعة لا زالت صفة الكفار والمنافقين منذ القدم، هاهم عاد قوم نبي الله هود، كذبوه ووصفوه بالسفاهة، (قال الذين كفروا من قومه إنَّا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين)، بل قد حكى الله ذلك عن كل من كذب الرسل، فقال تعالى: (يا حسرة على العباد ما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزءون )، وقال تعالى: (وكم أرسلنا من نبي في الأولين. وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزءون).
وهاهم المنافقون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يصفون المؤمنين بالسفهاء (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء)، بل إنهم صرحوا باستهزائهم بالمؤمنين أمام أسيادهم (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنَّا معكم إنما نحن مستهزءون).
ولا زالت هذه الصفة هي صفة المنافقين والكفار إلى هذا الزمان، فها نحن نرى الغرب الكافر كيف يستهزؤ ويسخر من نبينا عليه الصلاة والسلام، وذلك بالرسوم المسيئة تارة، وبالكتابات تارة، وبالأفلام تارة، فإذا ثارت الحمية في قلوب المسلمين قالوا لهم: هذه حرية التعبير المقدسة، حرية التعبير التي سقفها السماء، وحرية التعبير من أهم حقوق الإنسان، أما المؤمنون فلا تنطلي عليهم هذه الحجج، وأما المنافقون فيعجبهم هذا الكلام، فيتقبلون الأمر بصدر رحب، وعقل منفتح، وقلب واسع، أحرق الله قلوبهم وعقولهم وصدورهم في نار جهنم.
ولماذا نبتعد ونذهب للشرق والغرب وقد نبتت هذه النبتة الخبيثة في مجتمعات المسلمين، فصرنا نسمع ونرى بين الحين والآخر من يستهزئ بالله تعالى ويسخر من رسوله باسم الأسلوب الأدبي تارة، وباسم الثقافة تارة، ونرى من يسخر من الشريعة وأحكام الدين باسم التطور والحداثة وعمق الفهم، بل باسم الغيرة على الدين في بعض الأحيان.
عباد الله! لقد تعامل الإسلام تعاملا حاسما وصارما مع كل من يستهزؤ بالله أو برسوله أو بدين الإسلام، وذلك لأن الاستهزاء سب وانتقاص بطريقة غير مباشرة، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً قال في غزوة تبوك: ما رَأَينا مثل قرّائنا هؤلاء أرغب بطونا، ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء -يعني رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه-. فقال له عوف بن مالك: كذبت ولكنك منافق. فذهب عَوْفٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره؛ فوجد القرآن قد سبقه، ونزل قوله تعالى: (ولئن سألتهم ليقولن إنما كنّا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كُنتُم تستهزؤون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين). فجاء ذلك الرجلُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله، إنما كنا نخوض ونتحدث حديثَ الركْبِ نقطع به عنا الطريق.
قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقا بنِسْعَةِ ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الحجارة تَنْكُبُ رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أَبِالله وءَايَاتِهِ ورَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ما يَلتفت إليه، وما يَزيده عليه.
فهؤلاء الذين استهزؤوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا في الظاهر مسلمين، وتكلموا بهذا الكلام الباطل الذي وصفوا فيه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة بأنهم يأكلون كثيرا، وبأنهم يكذبون، وبأنهم جبناء في الحرب والقتال، وقد كذبوا في ذلك كله، فالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا أكثر الناس اقتصادا وتقللا من الحياة الدنيا، وكانوا أصدق الناس، وكانوا أشجع الناس في ساحات الجهاد والقتال... قالوا ذلك الكلام، ولما جاؤوا يعتذرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ادعوا أنهم لم يقصدوا الكفر والانتقاص حقيقة وإنما هو كلام يتسلون به ويقطعون به عناء الطريق، مع ذلك لم يقبل الله تعالى عذرهم وكفرهم وقرعهم أشد تقريع... ويلاحظ أيضا من هذه القصة أنهم هؤلاء الناس لم يكونوا يعلمون أن ذلك الكلام المحرم يصل إلى الكفر، ومع ذلك لم يقبل الله عذرهم، ولم يعذرهم بجهلهم في هذا الأمر، لأن تعظيم الله تعالى، واحترام نبيه، ودين الإسلام أمر لا يجهله أحد، بل هو مركوز في كل قلب يؤمن بالله واليوم الآخر.
فدل هذا على أن من استهزأ بالله أو برسوله أو بالإسلام فإنه يكون كافرا مرتدا، سواء كان جادا أو مازحا.
والسب عباد الله أعظم جرما وأكثر خطرا من الاستهزاء، فإذا كان الاستهزاء كفرا لأنه سب بطريقة غير مباشرة، فما بالنا بالسب الصريح لله تعالى أو لرسوله أو لدين الإسلام.. تلك الجريمة التي انتشرت بيننا في هذه البلاد المحتلة... كيف نرجو نصرا من الله تعالى ونحن نسبه ونشتمه ليل نهار.
عباد الله! لقد أجمع علماء الإسلام على أن من سب الله تعالى أو سب رسوله أو سب الإسلام أنه يكون بذلك كافرا مرتدا عن الإسلام، وأنه لا تنفعه صلاة ولا صيام ولا حج ولا زكاة حتى يتوب إلى الله ويدخل في الإسلام من جديد، ولا يعذر في ذلك إلا المكره الذي يجبر على النطق بكلمة الكفر تحت التهديد بالقتل، ويدخل كذلك في العذر إذا سبَّ اللهَ تعالى وهو مغلَقٌ على قلبه كمن تكلّم بكلمة الكفر وهو على غضبٍ شديد، لا يدري ما يقول ولا يَعِي ما يخرج من فمه، وإذا ذُكِّرَ لا يتذكّر ولا يستحضره، أو صدرت منه كلمة الكفر وهو في حالة جنون أو إغماء أو غيبوبة أو نطق بها خطأ لم يقصدها، لأنّ جميع الأقوال والتصرّفات مشروطة بوجود التمييز والعقل، فمن لا تمييز له ولا عقل ليس لكلامه في الشرع اعتبار.
عباد الله! إن الله ناصر دينه لا محالة، بِنَا أو بغيرنا، وإن الله تعالى إذا وجد قوما ليسوا أهلا لنصره استبدل بهم غيرهم فنصر بهم دينه، ولا يضر من تنكب طريق الهداية إلا نفسه.
(يأيها الذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكفرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم).

الثانية
فإن لهذه الظاهرة القبيحة في العالم العربي وجها آخر، وجه يختفي خلف المكاتب وربطات العنق، ويحمل الأقلام ويدعي التحضر، يعمل من خلال الصحف الصفراء، ومن خلال الإعلام المشبوه، همهم زعزعة ثوابت الإيمان، وإزالة تعظيم الله وهيبة الإسلام من قلوب المسلمين، يستهزؤون بالنبي صلى الله عليه وسلم عبر مقالات وكلمات يصفونها بالجريئة، وهي فعلا جريئة لكنها جريئة على الكفر والطغيان... يسيرون في ذلك على طريقة أسيادهم في الغرب، ويسترون حقدهم على الإسلام بستار حرية التعبير، والغريب أن حرية التعبير عند هؤلاء لا تتسع إلا لمهاجمة الإسلام، والانتقاص من رسوله عليه الصلاة والسلام، فليدخر أولئك المأجورون جرأتهم وحرية تعبيرهم وليذهبوا إلى أوروبا ولينكروا هناك ما يسمى بمحرقة اليهود، عندها سيعلمهم بنو الأصفر المعنى الحقيقي لحرية الرأي والتعبير.
وإن الله تعالى لمنتقم لدينه وشرعه ونبيه عليه الصلاة والسلام،  وَهَذَا هُوَ التَّارِيخُ بِعِبَرِهِ وَأَحْدَاثِهِ، وَهُوَ شَاهِدٌ لاَ يَكْذِبُ، فَإِنَّهُ مَا تَظَاهَرَ أَحَدٌ بِمُعَادَاةِ رَسُولِ الهُدَى-صلى الله عليه وسلم-، وَالاسْتِهْزَاءِ بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَهْلَكَهُ اللهُ تَعَالَى، وَأَذَلَّهُ، وَخَذَلَهُ، وَأَمَاتَهُ شَرَّ مِيتَةٍ، وَبَتَرَ نَسْلَهُ وَقَطَعَهُ.  أَينَ أَبُو لَهَبٍ، وَأَبُو جَهْلٍ، وَالوَلِيدُ بنُ المُغِيرَةِ، وَالعَاصِي بنُ وَائِلٍ، وَصَنَادِيدُ الكُفْرِ وَالشِّرْكِ الذِينَ بُعِثَ فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَاسْتَهْزَؤُوا بِهِ، وَنَاصَبُوهُ العِدَاءَ؟! وَأَينَ المُنَافِقُونَ الذِينَ حَارَبُوهُ -صلى الله عليه وسلم-، وَكَذَّبُوهُ، وَطَعَنُوا فِي عِرْضِهِ وَأَهْلِهِ، وَاسْتَهْزَؤُوا بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ وَدِينِهِ؟! بَلْ أَينَ الأَكَاسِرَةُ وَالقَيَاصِرَةُ وَأَعْدَاؤُهُ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى مَرِّ العُصُورِ؟! هَلْ بَقِي لَهُمْ نَسْلٌ وَعَقِبٌ وَذِكْرٌ؟! كَلاَّ وَاللهِ، لَقَدْ هَلَكُوا جَمِيعًا، وَقُتِلُوا شَرَّ قِتْلَةٍ، وَقَطَعَ اللهُ نَسْلَهُمْ، وَطَمَرَتْهُمُ الأَرْضُ، وَلَحِقَتْهُمُ اللَّعْنَةُ، وَبَاؤُوا بِثِقْلِ التَّبِعَاتِ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ.
(يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون. هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)
الإسراء والمعراج

عناصر الخطبة:
أحداث الإسراء والمعراج.
أهمية التسليم لنصوص الشرع.

(سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آيَاتِنَا إنه هو السميع البصير) .. حدث عظيم من أحداث سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ومحطة مهمة جدا في تاريخ الأمة الإسلامية.. إنها معجزة الإسراء والمعراج.. إنه الحدث العظيم الذي تجلت فيه قدرة الله سبحانه وتعالى وعظمته، حدثٌ فيه من العبر الكثيرُ الكثير، وفيه من الدروس والمواعظ ما يرشد الأمة إلى عزها ومجدها.. 
في تلك الليلة من ليالي مكة.. التي كانت تعج بالأذى للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بسبب دعوتهم إلى دين التوحيد وكفرهم بكل دين سواه، وبعدما غيب الموت أبا طالب عمَّ النبي صلى الله عليه وسلم، الذي كان بمثابة الدرع الحامي له من كثير من مكائد المشركين.. وبعدما غيب الموت خديجة أمَّ المؤمنين، تلك المرأة المؤمنة الصالحة التي كانت أول من صدق النبي صلى الله عليه وسلم على الإطلاق.. تلك المرأة التي واست النبي صلى الله عليه وسلم بنفسها ومالها وحملت معه همومه... وبعدما ذهب عليه الصلاة والسلام إلى الطائف داعيا إلى الله تعالى، طالبا النصر لهذا الدين، ولكنهم قابلوه بالتكذيب والأذى الشديد... بعد كل تلك الهموم التي تدك الجبال الرواسي.. جاءت المواساة من فوق سبع سماوات، وجاء الفرج بعد الشدة لمن دعا إلى الحق، جاء التثبيت من قبل رب الناس جميعا، في رحلة التقى فيها النبي صلى الله عليه وسلم بإخوانه الأنبياء الذين أوذوا وكذبوا كما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن العاقبة كانت لهم، والنصرَ كان موعدهم (ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين)... 
في تلك الليلة انفرج سقف بيت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، ونزل جِبْرِيل وانطلق بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى زمزم وشق صدره وغسله بماء زمزم وملأه حكمة وإيمانا، كما حصل تماما معه عليه الصلاة والسلام وهو طفل صغير، ولكن هذه المرة يهيَّؤ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأمر عظيم، وهو رحلة الإسراء والمعراج.. انطلق جِبْرِيل والنبي صلى الله عليه وسلم وهو على البراق، انطلقا إلى مكان لم تصله بعد دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى التوحيد، لكنه ومنذ فجر التاريخ لم يزل على ارتباط وثيق بهذه الدعوة، ولم يزل على ارتباط وثيق برسالة رب العالمين إلى البشر، إنه المكان الطاهر المبارك.. إنه المسجد الأقصى.. صلى به النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين وخلفه الأنبياء.. وكيف لا يصلي بهم وهو إمامهم، وكيف لا يصلون معه ودينهم واحد، هو دين الإسلام، هو دين التوحيد، الذي أرسل رب العالمين رسله لأجل الدعوة إليه، ولأجل إقامته في الأرض، ولأجل أن يخرج به الناس من الظلمات إلى النور.. (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) (ولقد بعثنا في كل أمة نبيا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين).. هذه هي دعوة الأنبياء جميعا، لم يدع الأنبياء أقوامهم إلى عبادة الصلبان والأحبار والرهبان والأصنام، إنما دعوا إلى التوحيد، إلى هذا دعا موسى، ولكن اليهود حرفوا دينه من بعده، وإليه دعا عيسى ولكن النصارى حرفوا دينه وكتابه، وأدخلوا فيه التثليث، وطاعةَ الأحبار في تحريم الحلال وتحليل الحرام، فكفروا واستحقوا اللعنة والغضب (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان دَاوُدَ وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون )
صلى عليه الصلاة والسلام بالأنبياء ثم كان موعده مع العروج إلى السماء.. حان الوقت لنسيان أذى صناديد الكفر، حان الوقت لمغادرة هذه الأرض التي طالما عُصي الله فيها، حان الوقت للعروج إلى مكان الطهر، الذي يطاع فيه أمر الله ولا يعصى.. صعد جِبْرِيل بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء الدنيا فاستفتح بابا من أبوابها، فقال خازن السماء: من هذا؟ قال: جِبْرِيل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحبا به وأهلا به، فنعم المجيء جاء، ولا زال عليه الصلاة والسلام يصعد، وترحب به الملائكة، يرحب به الأنبياء، يستقبلونه بالمحبة والمودة والترحيب..... إذا طردك أهل الأرض يا محمد فأهل السماء يرحبون بك، إذا آذاك أهل الأرض فأهل السماء يفرحون بك.. وهكذا ينبغي أن يكون تفكير كل من دعا إلى الله ثم أوذي بسبب دعوته، إذا أغلقت أبواب الأرض فثمة أبواب مشرعة مفتوحة.. 
صعد به جِبْرِيل إلى السماء السابعة، وبلغ به سدرة المنتهى، ورأى الجنة وما فيها من نعيم، ورأى النار وجحيمها.. لقد رأى بعض الناس ممن حطوا رحالهم في الجنة بعدما عانوا في سبيل الثبات على الحق في وجه الطغاة.. هناك في الجنة مرَّ عليه الصلاة والسلام برائحةٍ طيبةٍ فقال: ما هذه الرائحةُ يا جبريل؟ قال: هذه رائحةُ ماشطةِ بنتِ فرعونَ وأولادِها، قال: وماشأنها؟ قال: بينا هي تمشط ابنةَ فرعونَ إذ سقطتْ المدري من يديها. فقالت: باسم الله. قالت لها بنتُ فرعونَ: أبي؟ قالت :لا. ولكن ربي وربُّك وربُّ أبيك. قالت: أَوَ لكِ ربٌّ غيرُ أبي؟ قالت: نعم، ربي وربك وربُّ أبيك الله. قالت: أقول له إذاً؟ قالت: قولي له. فدعاها فقال لها: يا فلانة.. أو لك رب غيري؟ قالت: نعم ربي وربك الله الذي في السماء. فأمر ببقرةٍ من نحاسٍ فأحميتْ ثم أمر بها لتلقى هي وأولادها فيها. فقالت: إن لي إليكَ حاجة. قال: وما هي؟ قالت : أن تجمعَ عظامي وعظامَ ولدي في ثوبٍ واحدٍ وتدفننا. قال: ذلك لكِ علينا لما لكِ علينا من الحق. فأمرَ بأولادِها فأُلقوا في البقرة بين يديها واحداً واحداً، إلى أن انتهى ذلك إلى صبيٍّ لها رضيع، وكأنها تقاعَسَتْ من أجله. فقال: يا أمَّهْ! قَعِي ولا تقاعسي، اصبري فإنك على الحق، اقتحمي فإن عذابَ الدنيا أهونُ من عذابِ الآخرة. ثم ألقيت مع ولدها. فكان هذا من الأربعة الذين تكلموا وهم صبيان.
يا لها من امرأة عظيمة.. قالت كلمة حق، ثم ثبتت عليها وتحملت تبعاتها، حتى ألقت بأولادها إلى الموت واحدا بعد الآخر، فرعون.. اسم ترتعد له القلوب إذا ذكر، قسوة قلب ووحشية وقتل وتعذيب، لكن هذا الاسم لم يرهب ذلك القلب الذي عمر بالإيمان، وكذلك الفراعنة الطغاة في كل زمان لا يرهبون قلوب المؤمنين.. ما أعظمها من مواساة للنبي صلى الله عليه وسلم، وما أجلها من موعظة لنا... 
اطّلع النبي صلى الله عليه وسلم كذلك إلى النار ورأى بعض أهلها، فكان مما رأى: أن رأى أناسا يأكلون الجِيَفَ فقال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحومَ الناس. وفي رواية أنه رأى قوما لهم أظفارٌ من نحاس يخمشون وجوهَهم وصدورَهم، فقال: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحومَ الناس ويقعون في أعراضهم... الغيبة عباد الله كبيرة من الكبائر، الغيبة التي صارت فاكهة المجالس عند كثير من الناس، تفسد العلاقات، وتشحن القلوب وتنشر البغضاء بين المسلمين، لا جرم أن تكون هذه هي العقوبة...
لقد صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى، ثم صعد حتى بلغ مبلغا لم يبلغه مخلوق قط... لقد وقف جِبْرِيل كالحلس البالي، خوفا وخشية لله تعالى.. وصعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام، لقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم نور الله تعالى.. وفي هذا الموقف الجليل بين يدي الله، هناك فوق السماوات السبع فرضت الصلاة على هذه الأمة.. كل الفرائض نزل بها جِبْرِيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أما الصلاة فقد صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء لتفرض عليه.. أفَيُضيُّعها ويتهاون في أدائها من في قلبه تعظيم لرب العزة والجلال، إنها العهد الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر".. لقد فرضت خمسين صلاة ثم خففت إلى خمس، ولها أجر الخمسين، فضلا من الله ونعمة وتخفيفا ورحمة بهذه الأمة... فالحمد لله على نعمائه...

الثانية
بعد هذه الرحلة العظيمة، عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة.. لقد كان في الليل في القدس، ثم عرج إلى السماء، وأصبح في مكة، إنه يعلم أن كثيرا من كفار قريش سيكذبونه ويستهزؤون به إذا أخبرهم، لكنه كان على يقين.. لم يتطرق الشك إلى قلبه.. لقد حُمِّل أمانة ولا بد من أدائها، إنها أمانة عظيمة، وحمل ثقيل.. هكذا نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسراء والمعراج، إنه ليس مناسبة ليقيم فيها الاحتفالات والمهرجانات ثم ينبذَ كتاب الله وراءه ظهريا كما يفعله بعض الناس... أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم الناسَ بما حدث، فاستهزأ به أناس، وراحوا يذيعون ذلك، لقد ظنوها فرصة لا تعوَّض لينالوا من هذا النبي ودعوته.. لم يكونوا يعلمون أن مثل هذا الحدث لا يزيد المؤمنين إلا إيمانا وثباتا.. لقد جاؤوا إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ظنوا أنهم قد أتوه بباقعة تزلزل إيمانه ويقينه، قالوا له إن صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس. قال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم. قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق. قالوا: أو تصدقه أنه ذهب الليلةَ إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوةٍ أو روحةٍ.. معادلة بسيطة سهلة.. إذا كنتُ أصدقه بأنه يأتيه الوحي من السماء، فلماذا لا أصدقه في هذه المسافة القصيرة.. أين أولئك الذين يزعمون العقلانية ويتسابقون إلى رد أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بأدنى شبهة تظهر لهم.. يحرفون الدين، ويطوعونه ليوافق حضارة العدو الغالب، ثم يزعمون أنهم يحمون الإسلام من سطوة المتخلفين، ووالله إن المتخلف حقا هو الذي يتخلف عن أمر الله ويكذّبه أو يحرفه... 

هذه بعض أحداث الإسراء والمعراج.. وهذا شيء قليل من فوائدها وعبرها.. نفعنا الله بها... وبصرنا بديننا
صنم مانديلا
(بمناسبة إقامة صنم لمانديلا في فلسطين)

عناصر الخطبة:
بيان حرمة الأصنام في الإسلام.
الرد على بعض الشبه التي تسوغ إقامة الأصنام.
أهمية القدوة الحسنة.


بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم خاتما للأنبياء في آخر الزمان، بعثه بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.. وأهم ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم هو الدعوة إلى التوحيد، ونبذ الشرك ووسائله وما يؤدي إليه، وإن من أهم ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا هو تحريم نحت الأصنام وتحريم نصبها وإقامتها.. روى مسلم عن عمرو بن عبسة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: وبأي شيء أرسلك؟ قال: " أرسلني بصلة الأرحام، وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء". وروى مسلم كذلك عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبراً مشرفا إلا سويته". وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن أشد الناس عذبا يوم القيامة المصورون، وهم الذين ينحتون الأصنام لتعبد من دون الله. 
فتحريم الأصنام من أسس دين الإسلام العظام، بل هو من أهم ما يميز هذا الدين عن غيره من الأديان المحرفة، ومن أهم ما يميز هذه الأمة عن ما سواها من الأمم.. وقد بقي المسلمون على هذا، لا يخالف في ذلك منهم أحد،  حتى غزيت بلاد المسلمين، وعمل الغرب على زعزعة ثوابت العقيدة في قلوب المسلمين، فراحوا يبثون الثقافة العلمانية التي تقوم على الانحلال من الأديان جميعا، وتعادي دين الإسلام على وجه الخصوص، فتأثر بذلك أقوام من المسلمين بسبب جهلهم، وبسبب نفوسهم الضعيفة المهزومة التي تخجل من دينها، وتحب الذوبان والاندماج مع الحضارة المزعومة.
عباد الله! يزعم بعض الناس أن تحريم إقامة الأصنام والتماثيل، كان قديما لما كان المشركون يعبدونها، أما اليوم فقد زال الشرك من قلوب الناس، ووعت قلوبهم التوحيد، فلا بأس إذا من نحت التماثيل وإقامتها، لأنها بزعمهم أحد مظاهر الحضارة في هذا العصر...
وهذا الكلام عباد الله باطل من وجوه، فإن تحريم التماثيل والأصنام تحريم أبدي، لا يزول ولا يتغير، هي محرمة لذاتها سواء عبدت أم لم تعبد.. والحكمة من تحريمها حتى لو لم تعبد، هي أن الزمان يتغير، وقلوب الناس تتغير، فإذا نصبنا نحن أنصابا ولَم نعبدها فلا يؤمن هذا على من يأتي بعدنا.. وهذا تماما هو ما حصل في قوم نوح لما أشركوا، وكان شركهم هو أول شرك يقع في الأرض، فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنها في تفسير قوله تعالى: (وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا)، قال ابن عباس: هذه أسماء قوم صالحين من قوم نوح، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، وأوحى الشيطان إليهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً وسموها بأسمائهم [أي إذا رأيتم تلك الأصنام لأولئك الصالحين كُنتُم أنشط على العبادة] ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت، أي: لما مات الآباء الذين نحتوا تلك الأصنام ولم يعبدوها، وجاء بعدهم جيل قل العلم فيهم عبدوا تلك الأصنام.
عباد الله! إن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة فاتحا منصورا بنصر الله، وبسط سلطان الإسلام عليها، أمر بتحطيم الأصنام في مكة وما حولها،  فلا يقول عاقل إن الأصنام كانت ستعبد بعد فتح النبي صلى الله عليه وسلم لمكة، ولو كان ذلك الزعم صحيحا، لأبقاها النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه أمر بهدمها وحرقها جميعا، وتتبعها وأرسل من الصحابة من يقوم بذلك.. ثم إن فتح مكة كان في السنة الثامنة من الهجرة، وقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك في مكة ١٣ عشر سنة، أي أنه عليه الصلاة والسلام حطم أصنام قريش بعد تسعة عشر عاما من بعثته، وقبل موته بثلاث سنوات فقط .. أليست هذه فترة لاستقرار التوحيد في قلوب الناس.. ألم يصف النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بأنهم خير الناس، فقال: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، وأول ما يدخل في هذا التفضيل وهذه الخيرية هو الخيرية في التمسك بالتوحيد والبعد عن الشرك، فوالله ما كان ولا يكون مثلهم، استقامة على التوحيد وجهادا في سبيل الله، أفيأتي عاقل بعد كل تلك القرون، وفي زمن كثرت فيه الفتن ويقول: نحن في مأمن من الشرك أكثر من الصحابة.
ها هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول: (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام).. إبراهيم الذي قال الله فيه: (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين ).. أفيأتي عاقل ويقول بعد ذلك: الناس اليوم قد فهموا الإسلام فلا بأس بإقامة الأصنام.. هذا لو كان قد فهموا الإسلام حقا، بل لا يحقق المرء التوحيد إلا إذا خاف الشرك على نفسه كما خافه إبراهيم عليه الصلاة والسلام.. فكيف إذا كان الحال حكال كثير من الناس هذا الزمان، في بعدهم عن الدين الحق، وتحريفهم لأصوله ومبادئه لتوافق الغرب، واستغراق كثير منهم في الشهوات، حتى تحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم: "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء"، فوصف النبي صلى الله عليه وسلم الصالحين المصلحين في آخر الزمان بأنهم قلة، غرباء، لا يسمع لهم.. أفيقال في زمان هذا حاله بأن أهله بعيدون عن الشرك..
ألا يرى ذلك القائل كم هي القبور والمشاهد التي تعبد من دون الله في العالم الإسلامي، تصرف لها النذور والدعاء والطواف، ألا يرى ذلك القائل كم هي الأصنام التي تعبد في العالم من قبل غير المسلمين، ألا يرى ذلك القائل موجة الإلحاد والعلمانية التي تجتاح بلاد المسلمين..
أما ما يزعمه البعض من أن الصحابة تَرَكُوا الأصنام في البلاد التي فتحوها مع قدرتهم على إزالتها فهذا من الظنون والأوهام، ما كان الصحابة ليتركوها مع القدرة عليها، أما ما بقي من تلك الأوثان فإما أنها لم تكن مكتشفة في أيامهم أو أنهم لم يستطيعوا هدمها لكبر حجمها، أما غير ذلك فلا زال دأب الصحابة هو إزالة الأوثان في أي بلد تمكنوا منه، مقتدين في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم، وها هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لأبي الهياج الأسدي: أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تدع قبرا مشرفا إلا سويته، ولا ثمثالا إلا طمسته.
أما زعمهم بأن الأصنام من التراث الإنساني والإرث الحضاري فيجب الحفاظ عليها، فزعم باطل.. لا كرامة ولا حفظ لمظاهر الشرك مهما كانت موغلة في القدم، لقد حطم النبي صلى الله عليه وسلم أصنام المشركين بمكة مع أنها كانت قديمة جدا، لم يحترمها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يحترم دينهم الباطل، لأنه كان على يقين أن دينه هو الحق وأن ما سواه باطل، لم يكن عليه الصلاة والسلام في حيرة من أمره، ولم يكن مفتونا متشربا لثقافة الأعداء حكال بعض الناس في هذه الأيام... 

الثانية
القدوة الحسنة من أهم ما يعين الأمم على الارتقاء إلى المعالي، وكل شخص وكل أمة بحاجة إلى أناس عظماء تحتفي بهم وتقتدي بهم، وهذا الأمر تابع لما يعتقده المرء من دين وما يعتنقه من أفكار، فإن كان مستقيما اتخذ قدوة حسنة مستقيمة، وإن كان غير ذلك ساءت قدوته وساء اختياره، وضل عن الصواب في الشخص الذي يختاره ليكون قدوته... لقد ضرب لنا الصحابة أروع الأمثلة في الصبر على الأذى واحتمال العذاب، والشجاعة والبسالة وشدة البأس في القتال، وما علي بن أبي طالب، وبلال بن رباح، وخالد بن الوليد،  والمثنى بن حارثة، وموسى بن نصير، وطارق بن زياد، وصلاح الدين ومحمد الفاتح إلا نماذج يسيرة من تلك الأعداد الغفيرة من العظماء الذين ولدتهم هذه الأمة، فمن أراد قدوة في التحرر من الظلم، أو في الشجاعة، أو في القوة في قول الحق، أو في الزهد في الدنيا، ففي تاريخنا عشرات الأمثلة لذلك... ولا يترك أحد عظماء الإسلام ليبحث عن قدوة له من الكفار إلا لأنه لا يعلم تاريخه العظيم، أو لأنه مفتون متابع للغرب في كل شيء، فإذا عظم الغرب شخصا ورفعه تابعهم على ذلك، من دون بحث وتحقق... هل يسوغ أن نربي أمتنا وأبناءنا على الاقتداء بأمثلة سلكت طريقا غير دين الإسلام، هل يسوغ أن نقيم التماثيل لمن روجوا لطريقة ناعمة في التحرر من الظلم، طريقة يحبها الغرب، لأنها قائمة على السلمية في مقاومة الظلم والاحتلال، وطلب المساعدة من دول الغرب لرفع الظلم ومن ثم تقديم التنازلات في سبيل ذلك، وهذا ما يراد ترويجه في هذه البلاد، وأول ما يتنازل عنه في سبيل ذلك هو ثوابت الإسلام، وتمكين التغريبيين من العبث بعقول الناس، والغريب أنه مع كل تلك التنازلات التي قدمت لم يزدد اليهود إلا بطشا وقتلا وهمجية، ولم يزدد الغرب إلا دعما لليهود، إلا من بعض المشاهد التمثيلية التي يخدرون بها عقول بعض الناس.. هناك فرق بين أن يكون الإنسان ضعيفا ذليلا لكنه لا يرضى بذلك ويعمل على رفع الذل عن نفسه بقدر ما يستطيع، وقد لا يستطيع! فرق بين هذا وبين من يستمرئ الذل ويحبه، ويشرعنه ويجعله ثقافة لأبناء المسلمين
فتنبهوا عباد الله...
الصبر طريق النصر، سوريا

عناصر الخطبة:
منزلة الصبر في الإسلام.
التمسك بالدين من أهم معالم الصبر.
سوريا وحقوق الإنسان!
خطورة الهزيمة النفسية.
(ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم).

(يأيها الذين ءامنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) لقد جعل الله سبحانه للصبر منزلة عالية في الإسلام، وسببا مهما في النصر على الأعداء، فالنصر والصبر قرينان.. ولأهمية ومنزلة الصبر في الإسلام ذكره الله تعالى في كتابه أكثر من مائة مرة، وحث عليه النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، منها قوله عليه الصلاة والسلام: "وما أعطي أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر". وقال علي رضي الله عنه: ألا إنَّ الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس باد الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له. 
عباد الله! كما أن للصبر فوائد تعود على العبد في آخرته، فإن له كذلك فوائدَ تعود عليه في دنياه، ومن أهم هذه الفوائد أن الصبر على جهاد الأعداء من أهم أسباب النصر والظفر، وهذه سنة من سَنَن الله الكونية لا تتخلف..لقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم كفار قريش إلى الإسلام عشر سنين، ولاقى منهم ما لاقى من أصناف الأذى، سبوه ونكذبوه واتهموه بالجنون والسحر، وضعوا عليه سلا الجزور وأدموا قدميه... “ولا زال الله تعالى يأمره بالصبر وبالتمسك بهذا الدين مرة بعد مرة خلال تلك السنوات العصيبة: {فاصبر صبراً جميلاً}، {فاصبر إن وعد الله حق}، {فاصبر على ما يقولون}، {واصبر حتى يحكم الله}، {فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت}، {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل}… ثم بين الله تعالى الحكمة من ذلك، وقرّر القاعدةَ التي تربط النصر بالصبر فقال: {ولقد كُذّبت رسلٌ من قبلك، فصبروا على ما كُذّبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا}، فإنهم صبروا فنُصروا. ثم جاءت تتمة الآية لتؤكد تلك القاعدة وتقررها سنّةً من سنن الدنيا الدائمة: {ولا مُبدّلَ لكلمات الله}، فإنها سنة باقية في الوجود إلى آخر الزمان…" لكن على ماذا يكون الصبر؟ ولماذا يتحمل المسلم الأذى والجوع والقتل؟ أيصبر على البلاء حتى إذا عرضت عليه الدنيا سارع إليها ونسي دينه؟ لقد عرضت الدنيا على محمد صلى الله عليه وسلم فرفضها؟ فلأي شيء إذا تحمل كل ذلك الأذى؟ تحمله لأجل الدين، تحمله ليبقى ثابتا على ذلك المبدأ العظيم الذي هو دين التوحيد.
عباد الله! إذا نظرنا إلى واقع المسلمين اليوم وجدناه واقعا مريرا... مسلمون يقتلون ويحرقون ويجوعون في شتى بقاع الأرض... هاهم اليهود قد عاثوا في بلادنا فسادا، وأمعنوا فينا تضييقا وإذلالا، في كل يوم يسفكون منا الدماء، ويأسرون منا الأشلاء...وإذا تحدثنا عن جراح الأمة فلا بد لنا من أن نيمم وجوهنا إلى جرح الأمة النازف في سوريا، ذلك الجرح الذي ينبغي أن يوجه بوصلتنا إلى الاتجاه الصحيح لنعرف عدونا من صديقنا، أربع سنوات اختصر فيها أعداء الله ما فعله غيرهم في عشرات السنين، رصاص ونار تحرق الأخضر واليابس، براميل متفجرة، مملوءة بالحقد المجوسي على أمة الإسلام، وحشية لا تفرق بين الصغير والكبير، ولا تميز الحجر عن بني البشر.. ومن أقذر تلك الأسلحة التي استخدموها ويستخدمونها سلاح تجويع المدنيين العزل، مدينة مضايا هي إحدى تلك المدن التي اشتد حصارها، الذي تفرضه عليها قوات الكفر والرِّدة من النظام النصيري، وحزب اللات اللبناني، حتى أكل المسلمون هناك القطط والميتات وأوراق الأشجار، لقد ظل خبرها طَي الكتمان، حتى تسربت تلك الصور المرعبة، هياكل عظمية تحمل رمقا من روح، جماجم بشرية تنظر إلى العالم نظرة استعطاف، صور تلخص كذب ما يسمونه بالإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان. عباد الله! إن هذه المآسي ليس بأول ما يُفجع به المسلمون، فالتاريخ بل والحاضر مليء بتلك الابتلاءات التي يطهر الله تعالى بها عباده المؤمنين، فهذه قضية فلسطين المنسية منذ عشرات السنين، قتل وتهجير وتشريد، إلى أن آل حالنا إلى أن صرنا قضية مربحة للتجارة واستدرار الأموال، وهذه مأساة بورما التي لم تعط حقها من قبل الإعلام الرخيص المأجور الذي يدعي النزاهة والحياد، أناس مسلمون يموتون ويحرقون في حفلات الموت الجماعي، من قبل البوذيين الوثنيين، وتلك العراق قد رزحت تحت سطوة الرافضة، الصومال، مالي، السودان، مستضعفون في الصين يمنعون حتى من الصيام في شهر رمضان... عباد الله! كل هذه المأسي والمصائب يجب أن تكون حافزا لنا للتمسك بهذا الدين، فإننا لم نحارب إلا لأجله، حري بِنَا في هذه المواقف الصعبة أن نتذكر الأحداث العصيبة التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومع ذلك ظلوا صابرين ثابتين على دينهم حتى جاء وعد الله، وصاروا سادة العالم بلا نزاع... وإنه مما يؤسف أن بعض المسلمين امتدت الهزيمة إلى نفوسهم وقلوبهم، فصاروا يَرَوْن في الغرب مثلهم الأعلى في الأخلاق والقيم والتقدم، ويرون في دينهم أو فيمن يمثل دينهم كما يزعمون التخلف والرجعية بل والوحشية، تلك النفوس المهزومة صارت كل همها أن تطوع دين الإسلام للمفاهيم العلمانية والليبرالية، فتراهم يحاولون تحريف ثوابت من دين الإسلام، قد اتفق عليها المسلمون على مر العصور، كالولاء والبراء، وتكفير اليهود والنصارى، والجهاد، وتحكيم الشريعة، وحجاب المرأة، واختلاطها بالرجال، وما تركيزهم على هذه المسائل إلا بدافع الهزيمة النفسية والخجل من دينهم... هل يعقل في ظل كل تلك المآسي التي نشهدها أن تخرج مجموعة من الشباب والفتيات في إحدى جامعاتنا، يمسكون بأيدي بعضهم ويتراقصون من غير خجل ولا حياء... والمصيبة الأكبر هي أن نشهد احتفال بعض المسلمين بأعياد النصارى بحجة التسامح الديني، وما هو إلا الذل والانكسار أمام ثقافة العدو الغالب، وإذا كانت نفوسهم قد امتلأت بالتسامح إلى ذلك الحد فليوجهوه إلى المسلمين، الذين لم يحظوا منهم إلا بالخذلان والتجويع.

الثانية
عباد الله! إن الناظر في هذه المآسي يرى أنها تقع في هذا العالم، الذي تحكمه الأنظمة الغربية العلمانية الليبرالية، التي تزعم أنها تسعى لإنهاء الحروب والصراعات، وإحلال السلام، وهي تسعى لحل أي أزمة تقع في العالم، إلا إذا تعلق الأمر بقضية يقتل فيها المسلمون، فإنهم يقفون موقف المتفرج المراقب، بل إنهم يذكون تلك الحروب لتكون أشد فتكا بالمسلمين، ثم يخدرون المغفلين بالوعود الكاذبة، والتصريحات الزئبقية، وذلك لأنهم يريدون استئصال شأفة المسلمين، إن لم يقوموا هم بذلك تَرَكُوا غيرهم ليقوم به، وهذا ليس بغريب، فعداوة اليهود والنصارى للمسليمن مسطرة في كتاب الله، منذ مئات السنين (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) والتاريخ مليء بحقدهم وعدوانهم، ولا يجب أن يغيب عن بال مسلم ما فعلوه بالمسلمين بعد سقوط الأندلس من قتل وحرق وسلخ وتعذيب، وإجبار لهم على الدخول في النصرانية، وهل ينسى أحد الحروب الصليبية، والحملات الاستعمارية، وهل سلم فلسطين لليهود إلا بريطانيا، ومن الذي سلح اليهود بالسلاح النووي أليست فرنسا، ألا يستزؤون بنبينا صلى الله عليه وسلم ويسخرون منه علنا... إلا أن بعض الناس يتوهم أنهم أصدقاء بسبب بعض القرارات الباهتة، وبسبب الدعم الذي يعطونه لنا... عباد الله! إذا كانوا يعطوننا دينارا فإنهم يعطون في مقابله لليهود مائة دينار، ثم إن هذا الدينار الذي يمنون به علينا هم على يقين أنه سيعود بالنفع على اليهود، فكيف إذا علمت أخي المسلم -وهذه النقطة الأهم- أنهم يفرضون علينا كثيرا من الشروط في مقابل ذلك الدينار، ومن هذه الأمور فرضهم لمبادئ العلمانية في حياتنا، بدءا عبثهم بالمناهج الدراسية التي تدرس لفلذات أكبادنا، ومرورا بإفساد المرأة ونشر التبرج والاختلاط تحت شعار تحرير المرأة وتمكينها، وانتهاء بدعم جمعيات ومؤسسات لتنفيذ أجنداتها الخاصة عن طريق الأنشطة والدورات والرحلات، إنهم يقتلوننا لكن بعد أن يعطونا المخدر، إنهم يتبعون طريقة الحروب الناعمة المخملية، وإنها - لو علمتم- لأشد فتكا بالأديان والقيم والمبادئ من حروب النار والرصاص، إنها حروب تشترى فيها الضمائر والأقلام، وتسخر لها وسائل الإعلام، فلنكن عباد الله على بصيرة وانتباه، ولنتمسك بديننا، وإن الضعف وقلة الحيلة والنصير لا يعني الذل، ولا تغيير أفكار الأجيال القادمة لتوافق أفكار أعدائنا... (يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون).

استقبال رمضان

عناصر الخطبة:
منة الله تعالى على هذه الأمة.
التبشير بقدوم رمضان.
كيف نستقبل شهر رمضان.
التحذير من الإفطار في نهار رمضان.

(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)
يعيش الإنسان في هذه الحياة الدنيا سائرا إلى الله سبحانه، سائرا سيرًا حثيثا إلى أجله ونهايته، وإن العاقل الموفق هو الذي يعمر هذه الفترة القصيرة التي يعيشها في الدنيا، ويجعلها ساعات للطاعة، تكون سببا لينال مغفرة الله جل وعلا، ويفوز برضوانه وبجنات النعيم.
وإن الله سبحانه لما جعل أعمار هذه الأمة قصيرة محدودة، أبدلها عن ذلك بمواسم الخير والطاعات، حتى تحصل المزيد من الأجور، وحتى تكون خير الأمم، يضاعف الله سبحانه حسناتها، فضلا منه ورحمة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وإن من أعظم هذه المواسم الخيّرة المباركة، شهرَ رمضان، الذي قد أظلتنا نفحاته، وباتت نسائمه على مقربة منا، شهر عظمه الله سبحانه، وعظمه رسوله صلى الله عليه وسلم، وعظمه المسلمون، شهر الطاعة والإخلاص، شهر التوبة والإنابة، شهر سلامة الصدور وطهارة القلوب، شهر النصر والفتوحات والتمكين.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يفرح بقدوم هذا الشهر.. يستبشر به، يبشر به أصحابه فيقول: «أتاكم رمضان شهر مبارك، فرض الله -عزّ وجلّ- صيامه، تفتّح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم».
ياله من خير يسر المؤمنين، وياله من ثواب يحرك النفوس الخاملة، وياله من فضل يُلِين القلوب القاسية.
إنه مناد ينادي الجميع، ينادي الطائع المستقيم: أن قد جاءك موسم مضاعفة الثواب والحسنات فَجِدَّ واجتهد، وينادي العاصيَ المفرِّط: أن قد جاءك موسم الرحمة فتب إلى ربك، وأقصر عن عصيانك وغيك.
إنه شهر تصفَّد فيه مردة الشياطين، فيسهل على الصالح الاجتهاد في العمل الصالح، وتسهل التوبة على المذنب المفرط،  قال عليه الصلاة والسلام: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير: أقبل، ويا باغي الشر: أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة».
عباد الله! إذا أردنا أن نوفَّق في شهر رمضان فعلينا أن نحسن استقباله، فإنه ضيف عزيز، لا يمكث طويلا، فإذا دخل رمضان فليس هناك وقت لتفكر ماذا تفعل، فإن أيامه سريعة، وإن النفس الأمارة بالسوء ستُمَنِّيك بطول الأمل، ولن يتركك أهل الفساد، ومروجو الرذيلة وشأنك في هذا الشهر..
فمن أهم الأمور التي ينبغي أن تَستقبل بها شهر رمضان: أن تفرح بقدومه، وتستبشر به، وتنوي صيامه إيمانا واحتسابا، إيمانا بوجوب صيامه على المكلفين من المسلمين، واحتسابا للأجر العظيم والثواب الجزيل عند الله سبحانه. قال عليه الصلاة والسلام: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه». وقال: «من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا». فاطلب مغفرة ذنوبك بصيامك، واقصد العتق من النيران بجوعك وعطشك، كن محتسبا متذكرًا للأجر، إذا أحسست بتعب فقل هذا لترضى يا رب، لا تنظر إلى رمضان على أنه شهر جوع وعطش وحرمان، بل انظر إليه على أنه شهر توبة وطاعة وغفران...
ومن أهم الأمور التي ينبغي أن يُستقبل بها شهر رمضان كذلك: أن تعلم يا عبد الله كيف تستغل شهر رمضان، بماذا تملأ وقتك؟ ماذا يريد الله سبحانه منا أن نفعل في هذا الشهر؟.. إن المؤمن الموفق يعلم أن رمضان هو موسم عبادة، موسم مضاعفة الحسنات، موسم التسابق والمسارعة إلى الخيرات، موسم إطعام الطعام، موسم الصدقات، موسم القرآن والقيام، موسم تفتح فيه أبواب الجنة.. أيام معدودة، وساعات قليلة، إن أحسن المسلم استغلالها فاز وحظي بالخير العظيم، لذلك فالموفق في رمضان وقته ضيق، لأنه معمور بذكر الله وقراءة القرآن، تراه يتمنى لو وجد مزيدا من الوقت ليتقرب إلى الله سبحانه.. هذه هي النظرة الصحيحة لرمضان، هذه هي نظرة الصحابة لرمضان، هذه هي نظرة أصحاب الهمة العالية لرمضان... أما تلك النظرة الشائعة بين بعض المسلمين، والتي غذتها وسائل الإعلام الهابطة.. التي جعلت شهر رمضان موسما للمسلسلات، موسما للمسابقات والاحتفالات والبازارات، موسما للتبرج والاختلاط والسهرات الغنائية، موسما للبذخ والإسراف.. هؤلاء ليسوا إلا قطاع طرق، يقطعون عليك طريق المغفرة، يأخذونك إلى الاتجاه الخاطئ، ويضيعون عليك أوقاتك الغالية، فإياك وإياهم.. اقصد إلى ما تريد ودع عنك أولئك المفسدين..
عباد الله! ها نحن على أعتاب شهر رمضان، قد أوشك أن يحط رحاله بيننا، ويوشك أن يرتحل سريعا، ألا فلتعلموا عباد الله! أن إدراك هذا الشهر منحة عظيمة، واعلموا أن من أحسن ما يُستقبل به هذا الشهر: أن يُستقبل بالتوبة النصوح، وإذا كانت التوبة مرغبا فيها في كل وقت، فهي في رمضان أشدُّ تأكيدا، وباب التوبة مفتوح فأقبلوا على الله بقلوبكم، (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر لذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم. وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون. واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب يغتة وأنتم لا تشعرون. أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين. أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين. أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين). فَيَا أيها المقيم على العصيان قد أتاك شهر الغفران، تدارك نفسك، واشتر سعادتك، قبل أن يدركك الأجل، لا تعتمد على قوتك، فإنها تذهب في لمحة عين، ولا تؤمل بشبابك، فإنك ترى الموت يخطف الشباب كما يخطف الشيوخ، لن ينفعك مالك ولا جاهك ولا صديقك، ستموت وحدك وتحاسب وحدك، فأقبل على من بيده القلوب، واسأله توبة صادقة، ومغفرة تذهب بخطاياك. 
واعلموا عباد الله! أن التوبة لا تكون صادقة إلا بالإقلاع عن الذنوب، وبالندم على ارتكابها، وبالعزم على عدم العودة لها.. وإذا كانت هناك حقوق مالية لأحد عليك فتوبتك غير صادقة حتى تعيد الحق إلى أهله
(سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم).

الثانية
عباد الله! صيام شهر رمضان فريضة ربانية على كل مسلم مكلف بالصيام، فرضه الله تعالى في كتابه فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آَمَنُوْا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ). 
وهو ركن من أركان الإسلام العظيمة، من ترك صيام يوم متعمدا من غير عذر فقد أتى كبيرة من كبائر الذنوب، وتعرض للعقوبة من الله سبحانه، وقد أطْلَع الله سبحانه نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم على عذاب بعض أهل العصيان فكان ممن رأى: أولئك الذين يفطرون في نهار رمضان، فقال عليه الصلاة والسلام: «.. ثم انطلقا بي، فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشقّقة أشداقهم، تسيل أشداقهم دمًا، فقلت: من هؤلاء؟! قالا: الذين يفطرون قبل تحلّه صومهم». معلقون من أرجلهم وتسيل أفواههم دما. 
وكيف لا يكون ذلك وقد خالفوا أمرا عظيما من أوامر الله سبحانه، لم يراعوا حرمة الشهر.
وإن ضعف الإيمان، وقلة العلم سبب لذلك التفريط العظيم، فضعيف الإيمان يلتمس أي فرصة ليفطر، ويعتبر مجرد الجوع والعطش سببا مبيحا للفطر، ويتذرع بأي ذريعة ليتملص من الصيام.. وهل يريدون الجنان بلا تعب ولا مشقة، أم يريدون الفلاح وهم مقيمون على شهواتهم وملذاتهم، إنهم يعرضون أنفسهم لعقوبة عظيمة لو كانوا يعلمون. 

وفئة أخرى قد ضاقت ذرعا بالإسلام وأحكامه، لا يَرَوْن في فرائضه وأركانه إلا كبتا للحريات، وكبحا للشهوات، قد غرقوا في مستنقعات العلمانية، فلا يَرَوْن وجوب صيام ولا صلاة ولا غيرها، قد يخافون من التصريح بهذا، ولكن يبدوا ذلك على صفحات وجوههم وفلتات ألسنتهم، (ولتعرفنهم في لحن القول).
رمضان شهر النصر

عناصر الخطبة:
انتصارات المسلمين في رمضان.
العبرة من هذه الانتصارات.
انتصارات الفاسقين في رمضان.

فإن شهر رمضان شهر مبارك كثير الخير.. خير في دين الناس برجوعهم إلى الله تعالى، وإقبالهم على العبادة.. شهر مضاعفة الحسنات ورفع الدرجات.. وهو شهر خير كذلك فيما يتعلق بأمور الدنيا.. شهر تنزل فيه نصر الله تعالى على المسلمين، وكبت فيه أعداء الدين.. لما أخذ المسلمون بأسباب النصر كان النصر حليفهم في هذا الشهر في عدة مواقع عبر التاريخ.
فَلْنُشِح وجوهنا، ولنغمض أعيننا قليلا عن أولئك المخذولين، الذين سلبوا من هذا الشهر كل معاني العبادة والتقوى والعزة، وحولوه إلى لعب وَلَهْو، ولنعد إلى أيام العزة والتمكين، علنا نأخذ منها الدروس، ونجد فيها ما يرفع الهمة، ويقوي العزيمة.
معشر الصائمين: لقد كان “رمضان موسم نصر للمسلمين على امتداد التاريخ، حين شهدت أيامه الخالدة معارك خاضها المسلمون مع الأعداء على تنوع دياناتهم، واختلاف أقطارهم، وتفاوت عَددهم وعُدَّتهم، أكرَمَ الله فيها أولياءه بالنصر المبين، فكانت تلك المواقع الرمضانية فيصلاً في تاريخ الأمة، ونقطة تحوُّل في مسيرتها واتساع رقعتها، وشامة في جبين عزها وهامة هيبتها”.
ففي رمضان من السنة الثانية كانت غزوة بدر الكبرى، تلك الوقعة الفاصلة في تاريخ الأمة.. سماها الله تعالى بيوم الفرقان، فرق الله في هذا اليوم بين المشرك والموحد، فرق بين من خرج بطرا ورآء الناس وصدا عن سبيل الله، وبين من خرج مؤمنا صابرا يبتغي رضى مولاه، نصر الله عباده المؤمنين، وأيدهم بمدد من عنده، فنصر بهم دينه، وأعلى بهم كلمته، ونالوا شرف الدنيا والآخرة (ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين. ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون).
وفي رمضان من السنة الثامنة كان فتح مكة على يد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بعدما نقضت قريش صلح الحديبية، دخلها النبي صلى الله عليه وسلم عزيزا قويا، متواضعا لله جل وعلا، عفا عن جملة قريش، ودخلوا ومعهم العرب في دين الله أفواجا، ثم حطم الأصنام، وحرق بعضها، ولم يترك واحدا منها، إقامة لمعالم التوحيد، ونبذا لمعالم الشرك إلى الأبد، ولو كره الكافرون.
ومن المعارك الأخرى التي وقعت في رمضان: موقعة البويب، وكانت في السنة الثالثة عشرة من الهجرة، كانت مع الفرس على يد الصحابي المثنى بن حارثة -رضي الله عنه-. 
وفي رمضان من السنة الخامسة عشرة كانت معركة القادسية الشهيرة بقيادة الصحابي سعد بن أبي وقاص.
وفي رمضان عام ثلاث وخمسين استعاد المسلمون جزيرة رودس على يد القائد جنادة بن أبي أمية، بأمر الخليفة الصحابي معاوية بن أبي سفيان. 
وفي رمضان من عام ثلاثة وتسعين فتحت الأندلس على يد القائد طارق بن زياد.
وفي رمضان من السنة الرابعة والتسعين افتتحت بلاد الهند والسند على يد القائد الشاب محمد بن القاسم. 
وفي رمضان من عام ( ٢٢٣) كان فتح عمورية المشهور.
وفي رمضان من عام ( ٢٦٤) فتحت مدينة سرقوسة في جزيرة صقلية الأوربية.
وفي رمضان من عام ( ٥٨٣) كان تحرير مدينة صفد من قبضة الروم على يد القائد صلاح الدين الأيوبي.
وفي رمضان من عام  ( ٦٥٨) كانت هزيمة المغول في معركة عين جالوت. 
وفي رمضان من عام (٦٦٦) كان فتح أنطاكية. 
وفي رمضان من عام (٦٧٣) افتتحت أرمينيا الصغرى. 
وفي رمضان من عام ( ٧٠٢) كُسرت شوكة المغول في معركة شقحب. 
وفي رمضان من عام (٧٩١) فتحت بلاد البوسنة والهرسك على يد القائد العثماني السلطان مراد. 
وفي رمضان من عام (٨٨٩) فُلّ حدُّ الروس على يد العثمانيين في واقعة القرم. 
هذا هو تاريخنا المشرق في رمضان، هؤلاء هم أجدادكم يا أحفاد المثنى، لقد شغلوا أنفسهم بتحصيل ما يرضي الله تعالى، لقد شغلوا أنفسهم بطلب المعالي.. وبعضنا يكد ويجتهد لغرس ثقافة الذل بين المسلمين، يسعى لتربية جيل مسالم متسامح بزعمهم، جيل يسلم منه الأعداء.. نعم قد نكون ضعفاء ماديا، لكن هذا الضعف أبدا لا يسوغ تغيير الأفكار والثقافات، لا يسوغ ترك الإعداد الإيماني والمادي، لا يسوغ أن يستحي بعض الناس من تاريخه المشرق.. كيف يطلب النصر من لا يميز بين العدو والصديق الولي، أي نصر ذاك الذي يكون بالارتماء في حضن الأعداء.
لا تظنوا أن فرح الغرب بهلاك المسلمين وتجويعهم، يفوق فرحهم برؤيتنا ونحن نحتفل بيوم المرأة أو ننحن ندعو إلى التسامح، والله إن فرحهم بتركنا لديننا لا يقل عن فرحهم بقتلنا، (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) ( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق). 
إن انتشار ثقافة الذل هذه ليس حديثا، بل هو من جملة الحروب الثقافية، في كل فترة من الزمن ينشؤون فينا فئة تبتلع ثقافة الغرب بكل ما فيها من كفر وقذارة، وتجتر شبه المستشرقين البالية، ثم تخرج لنا بدين يناسب الأعداء باسم التجديد الديني، والثورة على الثوابت.. لقد كانوا بردا وسلاما على الأعداء، حربا ونارا وشؤما على دينهم وأبناء جلدتهم، ووالله ما يضرون إلا أنفسهم لو كانوا يعلمون ( يأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم)

الثانية
فقد علمنا عباد الله أن هذا الشهر الفضيل كان عند المسلمين الصادقين شهرا للنصر والعز والتمكين، والمتأمل في واقعنا اليوم يرى أن المفسدين في الأرض كذلك جعلوا هذا الشهر شهرا للنصر، لكنهم جعلوه شهر انتصارات من نوع آخر، جعلوه شهر انتصار على الفضيلة والأخلاق، جعلوه شهر إبادة للعفاف والقيم، أناس يريدون للمؤمن الخسارة، وإذا كانت شياطين الجن تصفد وتغل في رمضان، فإن شياطين الإنس يسرحون ويمرحون، ويمكرون ويخططون، تراهم يكثرون من الإعداد الخلاب للأفلام والمسلسلات، وبرامج المسابقات، والسهرات الرمضانية، التي يعصى الله سبحانه وتعالى فيها... 
"يتفننون في كيفية إهدارِ أوقاتِ المُسلمينَ الثَّمينةِ .. فوازيرُ ومُسلسلاتُ .. وحفلات غنائية وتفاهاتُ .. ولقاءاتُ نُجومِ العَفنِ الفني من فاسقينَ وفاسقاتِ .. موسيقى وسفورٌ .. واختلاطٌ مُحرمٌ وفُجورٌ .. والعجبُ كلَّ العجبِ .. وهم يُحَادُّونَ اللهَ تعالى في حكمتِه .. فهو سبحانَه جعلَ رمضانَ لمغفرةِ الذُّنوبِ وعِتقِ الرِّقابِ من النَّارِ .. وأوصى فيه بأنواعٍ كثيرةٍ من الطَّاعاتِ .. وفرضَ صومَه للتَّقوى والتَّخلُّصِ فيه من الشَّهواتِ .. وهم جعلوه شهرَ هَزَلٍ ومُجونٍ وسَخافاتٍ .. (أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ والمغفرة بإذنه) 
يا أهلَ الإسلامِ .. إذا كانَ مَنْ قبلَكم يتركونَ كثيراً من المُباحاتِ بل وبعضِ الطَّاعاتِ ليتفرغوا لقراءةِ القرآنِ في رمضانَ .. فكيفَ بمن يُضيُّعُ أوقاتَ رمضانَ الغاليةَ بما فيه سَخطُ الرحمنِ؟! "

وإن بلادنا كغيرها من البلاد، قد نالها شيء كثير من عبث أولئك المفسدين ومكر أولئك المجرمين... فإياكم ودُعاةَ الشَّرِ .. الذينَ يَسرقونَ منكم أغلى أوقاتِكم .. ( وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون)