فإن العزة لله جمعيا
(بمناسبة القرار الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لليهود)
(بمناسبة القرار الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لليهود)
عناصر الخطبة:
- أهمية العزة بالنسبة للمؤمن.
- نماذج من العزة.
- كيف ننال العزة.
(وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)
يا ويحنا ماذا أصاب رجالنا/ أوَ ما لنا سعد ولا مقداد
سلت سيوف المعتدين وعربدت/ وسيوفنا ضاقت بها الأغماد
يا ليل أمتنا الطويلَ متى نرى/ فجرا تغرد فوقه الأمجاد
أجدادنا كتبوا مآثر عزنا/ فمحا مآثر عزها الأحفاد
لقد أنزل الله تعالى هذا الدين العظيم على قلب محمد ﷺ، فقام بأمره حق القيام، وعلمه أصحابه، وحمّلوا هذا الدين، لمن بعدهم، فرفع الله بهم راية الإسلام، وأعز بهم الدين، حتى صاروا في مقدمة الأمم، وتحقق في هذه الأمة قوله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا).
وسنحاول في هذه العاجلة أن نقف على معلم واحد من صفات أولئك المؤمنين الذين دانت لهم الدنيا…إنها صفة العزة.
عباد الله! لقد علمنا هذا الدين العظيم أن من أهم صفات المؤمن الذي يحمل هذا الدين: أن يكون عزيزا، قويا في دينا، ثابتا على الحق، لا تكسره الهزائم، ولا تهزه العواصف.. لقد جعل الله سبحانه صفة العزة من صفات المؤمن الأساسية، ومن مكونات شخصيته، كما قال تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)، فتأملوا كيف قرن الله سبحانه المؤمنين أصحاب العزة، بذاته العظيمة، وبنبيه الكريم ﷺ.. وكيف لا يكونون أصحاب عزة وقد آمنوا بالل سبحانه، وبذلوا نفوسهم في سبيل إعزاز دينه، وأظهروا عزتهم وقوتهم على الكافرين..
ومما يبين أهمية الغزة في شخصية المؤمن أن الله تعالى جعلها من أهم صفات الذين يحبونه ﷻ وعلا فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).. فذكر أن من أهم صفات هؤلاء المؤمنين الذين يحبهم الله تعالى: أنهم قساة على الكافرين، رحماء بالمؤمنين، كما قال تعالى في صفة أصحاب محمد ﷺ: (والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم).
لقد علّمنا الله سبحانه أن نتعامل مع الكفار على أننا نحن الأعلى بسبب ما معنا من الإيمان، (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)..
علّمنا النبي ﷺ أن الإسلام هو سبب العز، وأن الكفر سببب للذل، كما قال ﷺ: «ليَبْلُغن هذا الأمر ما بلغ اللَّيل والنَّهار، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلَّا أدخله اللهُ هذا الدِّين، بِعِزِّ عَزِيزٍ أو بِذُلِّ ذَليلٍ، عِزًّا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلًّا يُذِلُّ الله به الكفر».
تعاليم عظيمة، وأخلاق كريمة، نقرأها الآن وكأنها خيال يجول في الخاطر، أو كأنها أساطير من أساطير الأولين، وذلك بسبب ما نرى من واقع مرير تعيشه أمة الإسلام، كان آخره عزم أمريكا -"راعية السلام!"- عي نقل سفارتها إلى القدس. واقع كان سببه البعد عن الدين، وغياب القدوات، وغياب القادة العظماء أصحاب العزة، الذين يكونون نبراسا للناس وقدوة لهم في العزة، ولا يكونوا نماذج سيئة في الذل والخيانة.
ولكن من قال إن هذه هي الحال الطبيعية لأمة الإسلام! إننا إذا أردنا أن نذكر قصص ومواقف العزة التي سطرها لنا قدواتنا لفني مدادنا من كثرتها.. عن ماذا نحدثكم؟ أنحدثكم أن "المُدن الساحلية الأوروبية كانت إذا مرَّت بمحاذاتها الأساطيل العُثمانية، لا تُدق بها أجراس الكنائس، حتى لا تتأجج الحماسة الدينية في قلوبهم فيفتحوا تلك المُدن!"
أم نحدثكم عن المنصور بن أبى عامر -وهو من أعظم ملوك الأندلس، وقد غزا أكثر من خمسين غزوة- الذي أتاه أحد ملوك الممالك في جنوب فرنسا فجثى على ركبته وقبّل يد المنصور بن أبى عامر وركبته!!
"وهذا السلطان العظيم ألْب أرسلان بعد انتصار المسلمين فى معركة (ملاذكرد) يطأ عنق إمبراطور الروم رومانيوس بقدمه.
وها هو هارون الرشيد "لما نقض الروم الصلح مع المسلمين وعزلوا ملكتهم وملكوا عليهم نقفور، الذي كتب إلى هارون يطلبه برد ما دفعته إليه الملكة السابقة من أموال، وقال لهارون: وافدِ نفسك به و إلا فالسيف بيننا وبينك. فغضب هارون غضباً شديداً وكتب على ظهر الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة والجواب ما ترى لا ما تسمعه.
فلله درهم! لكنهم -عباد الله- كانوا يعلمون سبب عزتهم، وكانوا يعلمون أنهم لولا الإسلام لما راحوا ولا جاؤوا.
ها هو عمرو بن العاص رضي الله عنه يبين سبب عزة المسلمين، لما سأله ملك الإسكندرية: "من أنتم؟ فقال: نحن العرب، ونحن أهل الشوك والقَرَظِ ( هو ورق أسود يستخدم في الدباغ وغيره )، ونحن أهل بيت الله، كنا أضيق الناس أرضا، وأشدّ الناس عيشا، نأكل الميتة، ويُغير بعضنا على بعض، بشرَّ عيش، عاش به الناس. حتى خرج فينا رجلا ليس بأعظمنا يومئذ شرفا، ولا أكثرنا مالا، فقال: "أنا رسول الله ". يأمرنا بما لا نعرف، وينهانا عما كنا عليه، وكانت عليه آباؤنا، فشَنِفنا له ( أبغضناه ) وكذبناه، ورددنا عليه مقالته، حتى خرج إليه قوم من غيرنا، فقالوا: نحن نصدقك ونؤمن بك، ونتبعك ونقاتل من قاتلك، فخرج إليهم، وخرجنا إليه، فقاتلناه فقتلنا، وظهر علينا، وغلبنا، وتناول من يليه من العرب، فقاتلهم حتى ظهر عليهم. فلو يعلم من ورائي ما أنتم فيه من العيش لم يبق أحد إلا جاءكم حتى يشرككم ما أنتم فيه من العيش.
فضحك الملك، ثم قال: إن رسولكم قد صدق. قد جاءتنا رسلنا بمثل الذي جاءكم به رسولكم، فكنا عليه، حتى ظهر فينا ملوك، فجعلوا يعملون فينا بأهوائهم، ويتركون أمر الأنبياء، فإن أنتم أخذتم بأمر نبيكم، لم يقاتلكم أحد إلا غلبتموه، ولم يتناولكم أحد إلا ظهرتم عليه. فإذا فعلتم مثل الذي فعلنا وتركتم أمر الأنبياء، وعملتم مثل الذي عملوا بأهوائهم، خُليّ بيننا وبينكم، فلم تكونوا أكثر منا عددا، ولا أشد منا قوة. قال عمرو بن العاص: فما كلمت رجلا أَذْكَر ( أكثر رجولة ) منه".
الخطبة الثانية
إن هذه النماذج من العزة ما كانت لتوجد لولا التمسك بدين الإسلام، وقد أخبرنا سبحانه أن مصدر العزة هو الالتجاء إليه فقط، كما قال تعالى: (بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)، وقال: (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا). إن العزة -عباد الله- لا تنال بمولاة الكفار، ولا تنال بالتنازل عن الدين والمقدسات، ولا تنال بالرقص مع الكفار على جثث المسلمين، إن العزة تنال بالتوحيد، وإقامة شعائر الدين، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا تنال بإقامة الحفلات الغنائية، ولا بتشجيع بناتنا على التبرج والاختلاط، لا تنال بترك الجهاد، ولا تنال ببث ثقافة الغرب والذل بين المسلمين. بل تنال بما ذكره الله تعالى: (الذين إن مكانهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالنعروف ونهوا عن المنكر)، وقال ﷺ: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم».
إن المصائب إذا نزلت فالأصل أنها ترد المؤمنين إلى ربهم، وتعيدهم إلى الاعتصام به، أما قساة القلوب، الجفاة عن شريعة الإسلام فإن المصائب لا تزيدهم إلا بعدا عن الدين.. وفي الوقت الذي يفترض أن نرفع شعار الإسلام، وننادي بالقدس كمدينة إسلامية، ننرى دعوات القومية والعلمانية تنطلق حتى تحاول أن تجعل من القدس حقا قوميا، أو إقليميا.. هذه الدعوات هي التي ضيعت القدس، فهل ستعيدها الآن؟! هذه الدعوات هي التي ألحقت بنا الهزائم، وصدرت منها الخيانة قديما وحديثا، فهل ستنصرنا الآن؟!
(أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق