فضل الرباط في سبيل الله
عناصر الخطبة:
- فضل الرباط وأهميته.
- مكانة الشام في الصراع.
- كيف ينصرنا الله؟
(يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)
لطالما أكرم الله سبحانه وتعالى هذه الأمة بالنصر والتمكين، لأنها كانت تأخذ بأسباب النصر المعنوية والمادية.. كانت تحافظ على دينها وتتمسك به فتأخذ بالأسباب المعنوية، وكانت تعد العدة وتتجهز للنزال وتحرص على صنع القيادات والرجال، فتأخذ بالأسباب المادية.. فعاشت بذلك دهرا.. أمة قوية بقوة الله، عزيزة بإعزاز الله تعالى لها.
ولقد جعل الله سبحانه وتعالى الجهاد في سبيله أنواعا، وله صور متعددة، فمنها الجهاد بالنفس، ومنها الجهاد بالمال، ومنها الجهاد بالكلمة..
وإن من أهم معالم وأنواع هذا الجهاد: الرباط في سبيل الله سبحانه وتعالى.. والمراد بالرباط: هو أن تبقى مجموعة من المسلمين قريبة من الحدود مع الأعداء، تحمي أراضي المسلمين، وتذب عنها الاعتداءات. وهذه وظيفة شريفة، وظيفة عالية المنزلة في الإسلام، فإذا كان المجاهدون يفتحون البلاد ويدخلون فيها الإسلام، فإن المرابطين هم الذين يحافظون على هذه البلاد.. المرابطون هم شرف الأمة، المرابطون هم خط الدفاع الأمامي الذي يتلقى الضربات، المرابطون هم الذين يعيشون في ضيق وربما في فقر، هم الذين يعانون من عدم الاستقرار، ومن التعرض للخوف صباح مساء، لذلك -عباد الله- فإن الرباط لا يقل مكانة عن الجهاد في سبيل الله سبحانه، وأجره عظيم عند الله سبحانه وتعالى، ولقد أخبرنا النبي ﷺ عن تلك الأجور العظيمة التي تكتب للمرابطين إذا كان رباطهم في سبيل الله، ومن هذا قوله ﷺ: «رباط شهر خير من صيام الدهر، ومن مات مرابطا في سبيل الله أمن من الفزع الأكبر، وغُدِي عليه برزقه، ورِيحَ من الجنة، ويُجرى عليه أجر المرابط حتى يبعثه الله». وتأملوا قوله: « ومن مات مرابطا في سبيل الله أمن من الفزع الأكبر» فكما أنه كان معرضا للخوف في حياته كلها أمنه الله سبحانه من الخوف في الآخرة، وتأموا قوله: «وغُدِي عليه برزقه» فكما تعرض لضيق العيش بسبب وجوده في الثغور وأماكن التّماسّ مع العدو أغدقت عليه الأرزاق والنعم في الآخرة.
وقال عليه الصلاة والسلام: «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغَدوة خير من الدنيا وما فيها». وقال ﷺ: «عَيْنَانِ لاَ تَمَسُّهُمَا النَّار: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ». وقال عليه الصلاة والسلام: «كلُّ الميِّت يُختَم على عمله، إلا المُرابِطَ، فإنه ينمو له عملُه إلى يوم القيامة ويُؤمَّن من فَتَّان القبر».
وقال ابن تيمية:" المرابطة بالثغور أفضل من المجاورة في المساجد الثلاثة كما نص على ذلك أئمة الإسلام عامة ...، وهذا متفق عليه بين السلف، حتى قال أبو هريرة - رضي الله عنه - لأن أرابط ليلة في سبيل الله أحب إلي من أن أقوم ليلة القدر عند الحجر الأسود. وذلك أن الرباط من جنس الجهاد، وجنس الجهاد مقدم على جنس الحج".
لكن تنبهوا -عباد الله- كيف أن النبي ﷺ ما ذكر الرباط إلا وقيده بقوله: «في سبيل الله»، ومعنى في سبيل الله هنا، هو ذات معناها في الجهاد في سبيل الله، فالرباط المشروع الذي يحصل به هذا الأجر العظيم، والذي يحصل به العز والتمكين= هو الذي تكون الغاية منه إعلاء كلمة الله سبحانه، والحفاظ على هذه الأرض إسلامية خالصة، هو الذي تكون الغاية منه إعلاء كلمة هذا الدين، وتحكيم شريعته، هو الذي تكون الغاية منه إقامة الصلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال تعالى: (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر).. أما ما سوى ذلك من أهداف علمانية أو قومية فلا قيمة لها في ميزان الشريعة، بل الشريعة براء منها ومن أهلها.
ونحن في هذه البلاد.. في فلسطين قد أكرمنا الله سبحانه وتعالى بأن يسر لنا سبيلا لهذه العبادة العظيمة، يسر لنا سبيلا لندافع عن هذه الأمة، لنحمي شرف هذه الأمة، لقد قدر الله سبحانه أن نكون صمام أمان لهذه الأمة.. إذا كانت هناك حرب بين الخير والشر في هذا العالم، وإذا كانت هناك حرب بين الإسلام والكفر في هذا العالم فنحن في بؤرة هذا الصراع، ونحن محور من أهم محاوره.. إن فلسطين والقدس في هذا الزمان هما محط أنظار الجميع.. لذلك علينا أن نستشعر المسؤولية، وعلينا أن نعرف كيف ندير هذه المعركة.
إن حربنا ليست مع هذه الشرذمة فقط، بل حربنا مع دول كبيرة تقف وراءها، وحربنا مع أتباع يندسون بينا، لذلك فإننا التعاطي الهزيل مع هذه القضية لن يجدي نفعا، ولن يحرر أرضا.. إننا بحاجة إلى أن نصلح أحوالنا، ونصحح نظرتنا إلى الأمور، ونحن بحاجة كذلك إلى قائد شجاع يهتدي بكتاب الله ﷻ ويأخذ بأسباب النصر المادية والمعنوية..
وإلى أن ييسر الله سبحانه لنا قائدا يفهم هذه المعادلة فنحن مطلوب منا أن نرابط، مطلوب منا أن ندافع على قدر الاستطاعة، مطلوب منا أن نؤسس جيلا يحمل هذا الأمر، ويحمل هذا الدين، مطلوب منا أن نحافظ على ثوابتنا الدينية، وألا نستجيب لحملات تحريف الدين وتهمشيه، يجب أن نعتصم بهذا الدين في ظل تلك الحمللت المسعورة على مفاهيم الإسلام وثوابته، فوالله لو ضيعت الأمة كلها لما كان لنا أن نضيع، ولو فسد كل الناس ما كان لنا أن نفسد، أذكركم بقول النبي ﷺ: «إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق»، تأملوا كيف جعل هذا الحديث أهل الشام معيارا لصلاح الأمة، ومعيارا لاستقامتها، فمن أراد أن يعرف ما حال أمة الإسلام، فلينظر إلى الشام.. وهل يوجد في الشام مكان أقدس من القدس وما حولها؟! فالله الله في دينكم..
الخطبة الثانية
كثيرا ما يتساءل الناس: متى سوف ينصرنا الله؟ ألسنا مسلمين؟ والله تعالى قد وعد عباده بالنصر؟ يسألون هذا السؤال ويستحضرون في أذهانهم صور أمثال خالد بن الوليد، وأبي عبيدة، وطارق بن زياد، وصلاح الدين على أنهم رجال انتصروا بمعجزة من الله سبحانه وتعالى.. وحتى نجيب عن هذا السؤال.. تيقنوا أن الله تعالى قد وعدنا بالنصر، ووعد عباده الصالحين بالنصر، كما قال تعالى: (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) لكن كونوا على يقين من أن الله تعالى لا ينزل نصره على هؤلاء الصالحين إلا إذا أخذوا بأسباب النصر، لن ينزل النصر على من جالس في بيته.. إن تنزل نصر الله سبحانه، ونزول الملائكة، ونزول السكينة، وقذف الرعب في قلوب الكفار.. هذا كله لا يكون إلا في ساحات النزال والقتال.. وما الذي فعله صلاح الدين ومحمد الفاتح إلا أنهم أخذوا بالأسباب وتجهزوا وتسلحوا بهذا الدين، وقبلهم الصحابة المجاهدون، والأئمة الفاتحون، بل قبلهم النبي ﷺ.. النبي ﷺ الذي يَقدِر الله سبحانه أن بنصره في طرفة عين، كان دائم الأخذ بالأسباب، خرج مهاجرا إلى المدينة ظهرا لا ينتبه له أحد، واتجه جنوبا حتى لا يتبعه المشركون، ونزل في بدر بعد آبار المياه ليمنع المشركين من الوصول إليها، وحفر الخندق ليمنع ليحمي المدينة، وفي فتح مكة كان معه كتيبة تسمى الكتيبة الخضراء لكثرة ما فيها من حديد ودروع، لم يكن يُرى منهم إلا حدق أعينهم.. هذه هي سنة الله سبحانه في البشر، بل في الكون كله، لا يحدث شيء بدون سبب، فهل إذا وصل الأمر لنا سيتغير الأمر وينزل علينا النصر ونحن نرسم الجداريات ونقيم الحفلات الغنائية، وننادي بتحرير المرأة.. المسألة باختصار أن هناك أسباب للنصر، إذا أخذ بها المؤمنون نصرهم الله سبحانه، وإذا لم يأخذوا بها فلن بنزل عليهم النصر وهم في بيوتهم.
(يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا ينصركم ويثبت أقدامكم)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق