الجمعة، 22 ديسمبر 2017

القدس.. إسلامية الهوية
عناصر الخطبة:
  • سبب أحقية المسلمين بالقدس.
  • ارتباط المسلمين عبر التاريخ بالقدس.
  • تنبيه على حرمة مشاركة النصارى في أعيادهم.

حديثنا اليوم إن شاء الله عن القدس.. وبالتحديد عن إسلامية هوية هذه المدينة العظيمة.. وإننا إذا أردنا أن نتحدث عن النصوص الشرعية التي بينت أهمية هذه المدينة عند المسلمين، فسوف يطول بنا الحديث.. وإذا أردنا أن نتحدث عن المواقف التاريخية العظيمة التي تدل على اهتمام المسلمين بمدينة القدس فسوف يطول الكلام كذلك.. لكن حسبنا أن نقف من ذلك على شيء يسير محاولين أن نأخذ منه بعض العبر والفوائد.
اعلموا أولا -أيها الإخوة الكرام- أن أصل هذه المسألة، وهي أحقية المسلمين للقدس، ليست قائمة على مجرد حق تاريخي، وليست قائمة على استحقاق عرقي قومي فقط، بل هي مرتبطة بما هو أعظم من ذلك..إنها مرتبطة بدين التوحيد الذي أوحى الله سبحانه به إلى جميع رسله، هذا الدين الواحد -دين التوحيد- هو الذي يربط أول الأمم بآخرها، ويربط آخر التاريخ بأوله، هو الذي يوجه قلوبنا بمن ترتبط، ولمن تعقد ولاءها.. إن الله تعالى أخبرنا أنه بعث في كل أمة رسولا يدعوهم إلى هذا الدين، فقال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)، والآيات في هذا كثيرة، ولذلك فإننا نستطيع أن نقول: إن دين الأنبياء واحد، هو دين التوحيد، لكن بعض أتباع هؤلاء الأنبياء حرفوا أديانهم، وتركوا التوحيد إلى الشرك، وتركوا تعظيم الله تعالى إلى انتقاصه سبحانه، فترك النصارى دين التوحيد الذي أوحى الله به إلى عيسى، وترك اليهود دين التوحيد الذي أوحى الله به إلى موسى.. أما نحن المسلمين، فإننا بقينا على دين التوحيد، وآمنا بكل الأنبياء، وآمنا بكتبهم قبل أن يطالها التحريف.. ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذهب إلى المدينة ووجد اليهود يصومون يوم عاشوراء شكرا لله تعالى على نجاة موسى من فوعون، صامه وقال: «نحن أحق بموسى منكم»، وهذه جملة تلخص لنا المسألة: نحن أحق بجيمع الأنبياء، وبميراث جميع الأنبياء.. نحن ننتسب إلى تلك الأمة الكبيرة: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون).. وهكذا الأرض.. الأرض جعلها الله سبحانه حقا لعباده الموحدين.. ومنها هذه الأرض المباركة.. فنحن لم نستحقها بحق تاريخي فقط، بل عندنا ما هو أعظم من الحق التاريخي، وهو الحق الديني، فبما أننا على الدين الحق، على دين التوحيد، على دين الإسلام، فهذه الأرض حق خالص لنا.. قال تعالى: (إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين)، وإن بني إسرائيل لما كفروا، وقتلوا الأنبياء، وعصوا الرسل= لم يعودوا مستحقين لهذه الأرض، قال تعالى عنهم: (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به)، وقال: (قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل)، وهذه هي عقوبة الكافر.. لا حق له في الأرض المباركة.. بل لا حق له في مجرد الانتساب إلى الأنبياء.. إن اليهود والنصارى لما أرادوا أن يضفوا شيئا من الشرعية على أديانهم المحرفة انتسبوا إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فجاءهم الرد الإلهي الحاسم.. لستم على دين إبراهيم حتى تنتسبوا إليه ولو زعمتم أنكم من ذريته: (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين)، وقال: (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين).
ولذلك -عباد الله- وتأكيدا لهذه المسألة فقد جمع الله سبحانه الأنبياء جميعا، وصلوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الأقصى في رحلة المعراج، وفي هذا تأكيد على الهوية الإسلامية لهذه المدنية، وتأكيد على استحقاق المسلمين من أتباع هذا الدين -وهو الدين الناسخ لجميع الأديان- لهذه الأرض المقدسة المباركة.
إن نسيان هذه الحقيقة أو تناسيها يضر بالمسجد الأقصى، ويضر بفلسطين ضررا بالغا، بل هو من أهم أسباب استمرار غطرسة اليهود ومن يقف في صفهم من العرب والعجم، كيف نسلخ القدس من هويتها الإسلامية الخالصة؟ إلى من نريد أن ننسبها؟ أننسبها إلى هوية قومية؟ أم إلى هوية وطنية؟ القدس أعظم من ذلك.. قولوا لي بالله عليكم.. ما الذي حرك الصحابة رضي الله عنهم، من تلك الصحراء في جزيرة العرب إلى أن يأتوا إلى هذه البلاد ويفتحوها، أليس هو ما للقدس من مكانة في الإسلام؟ وما الذي حرك صلاح الدين الأيوبي -وهو كردي- إلى أن يغير خريطة العالم الإسلامي بأسره، وإلى أن يحدث نهضة في العالم الإسلامي بأسره لأجل فتح القدس؟ أليس هو دين الإسلام؟ .. إن القدس لم تزل قديما وحديثا تحتل مكانة عظيمة في قلوب المسلمين، ولا زالت تحرك النائمين منهم.. تأموا هذا الحديث العظيم، يقول أبو ذز رضي الله عنه: تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيها أفضل أمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بيت المقدس؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه -أي المسجد الأقصى- ولنعم المصلى هو، وليوشكن أن يكون للرجل مثل شَطَنِ فرسه من الأرض -الشطن: الحبل- حيث يرى منه بيت المقدس خيرٌ له من الدنيا جميعاً، أو قال خير له من الدنيا، وما فيها».. هذا الحديث من أعلام نبوته عليه الصلاة والسلام، فقد أخبرنا أن هذا الارتباط الروحي الديني سوف يبقى مع المسلمين.. أخبرنا أنه سوف يأتبي زمان يتمنى المسلم أن يكون له مساحة ضيقة من الأرض حتى يرى منها هذا المسجد المبارك، وتأملوا كيف كان الصحابة يتحدثون عن المسجد الأقصى في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.. وهذا كله دلالة على اربتاط المسجد الأقصى بهذا الدين العظيم…

الخطبة الثانية

فإننا في هذه الأيام نشهد احتفال النصارى بما يسمونه عيد ميلاد عيسى عليه الصلاة والسلام.. ولا ينبغي أن يكون خفيا علينا أنهم لا يحتفلون بمجرد ولادة نبي عظيم من الأنبياء، بل إنهم يحتفلون به بناء على أنه ابن الله، وأن له خصائص الربوبية، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، يحتفلون به بناء على أن الله تعالى ولد له ولد في هذه الأيام، لذلك هم يحتفلون.. وهذه العقيدة قد أبطلها القرآن الكريم، ونبهنا على أنها ليست فقط باطلة بل هي عقيدة كفرية، كما قال تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة)، وقال: (لقد كفر الذين الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم)، بل نفرنا من هذه العقيدة، وجعلها من الأقوال الفاسدة التي تجأر الجمادات من ظلمها وسوادها، فقال: (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا)، وأخذا من هذه الآيات وغيرها من الأدلة فقد أجمع المسلمون على حرمة مشاركة النصارى في هذه الأعياد، لأنها ليس مجرد مناسبة اجتماعية، أو فرح لأمر دنيوي، بل هي مناسبة مرتبطة بعقيدة من أفسد العقائد.. وإن مما يؤسف له وجود تساهل عند بعض المسلمين في هذا، بداية من تعطيل الدوائر الرسمية في هذا اليوم، ومرورا بإقامة بعض الحفلات في ليلة رأس السنة، وانتهاء بخروج بعض الشباب للمشاركة في هذه الأعياد إلى جيث بكفر الله تعالى وينتقص من جلاله، ومع أننا نعلم أن نية أكثر المسلمين في هذا ليست الاحتفال بالكفر أو الرضى بتلك العقيدة، بل قد تحملهم الشهوات أو المجاملات أو التسامح المزعوم على ذلك، مع ذلك فهذا لا يجوز، فالمسلم مأمور بتصحيح ظاهره كما أنه مأمور بتصحيح باطنه، ولا تكفي النية السليمة هنا لتصحيح هذا الفعل القبيح، بل البالغ في القبح مبلغا كبيرا، قال عمر رضي الله عنه: لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم. وقال: اجتنبوا أعداء الله في أعيادهم. وقال عبد الله بن عمرو: من مَرَّ ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق