السبت، 12 أغسطس 2017

هل الجنة للمسلمين فقط؟
سؤال يطرح في وسائل التواصل لتبادل "وجهات النظر" حوله، بل قد رأيت بعض الشاشات التلفزيونية التي تجوب أسواق المسلمين (فقط) باحثة عن جواب لهذا السؤال.
من يسأل هذا السؤال؟
هذا السؤال سؤال يطرحه الليبراليون بهدف هز عقيدة الولاء والبراء عند المسلمين، ويتابعهم طرحه بعض الناس جهلا، وتأثرا بثقافة الغرب.
الأرضية التي يَرِد عليها هذا السؤال
الواقع المؤسف أن مُنشِئي هذا السؤال قد عرفوا في أي مرحلة يطرحون هذا السؤال، فإنهم لطالما روجوا دعوات عدم تكفير اليهود والنصارى، وطالما روجوا "الوجه الإنساني" للغرب، سواء أكان على صعيد الأفراد، أو على صعيد الدول، وطالما هزوا ثقة المسلمين بأنفسهم من خلال عقد مقارنات حضارية وتكنولوجية و"ثقافية" بين المسلمين وبين الغرب، محاولين من خلالها إثبات أن الغرب نموذج فريد من البشر، لا يستطيع الإنسان المسلم أن يرتقي إليه…
ومع انتعالهم بعض من يتمسح بالعلم الشرعي، وأخذ كلام منهم حول عدم تكفير اليهود والنصارى، تحت شعارات التسامح وقبول الآخر، حتى وصل الحال ببعضهم إلى الكف عن وصف مشركي قريش بأنهم كفار، في مشهد يعيد إلى الذهن صورة أحبار ورهبان بني إسرائيل وهم يحرفون دين الله تعالى لأجل الدنيا.
أقول: في ظل هذه الحرب الفكرية، والتي سُبقت واقترنت بالحروب العسكرية، والتي رسخت ضعف عقيدة الولاء والبراء في نفوس الناس.. جاء هذا السؤال المدروس بطريقة نفسية، ليَرِد على نفوس تتردى ما بين الجهل والإحباط والخجل من هذا الدين.
سؤال منسوج بخيوط الإرهاب الفكري.. 
فأقول ابتداء وقبل كل شيء.. أخي المسلم، لا يرهبنك السؤال، وقل بكل ثقة: نعم الجنة للمسلمين فقط.
ما هو الأساس الذي يدخل عليه الإنسان الجنة؟
الإجابة على سؤال: (هل الجنة للمسلمين فقط؟) مبني على هذه المسألة: ما هو الأساس الذي يدخل عليه الإنسان الجنة.
ومن البدهي أن تكون الإجابة: إن الذي يريد أن يدخل الجنة التي خلقها الله تعالى فلا بد أن يكون طائعا له مرضيا له ﷻ.
والأعمال الصالحة التي يمكن أن يقوم بها الإنسان كثيرة جدا، ما بين عبادة، أو إحسان إلى الفقراء والمساكين أو مساعدة الناس.. لكن هل كل عمل مقبول عند الله تعالى؟ وهل نحن نتقرب إلى الله تعالى كما نشاء نحن، أو كما يشاء هو؟
الإجابة الفطرية العقلانية: بل كما يشاء هو سبحانه.
حسنا! إذا كنا نتقرب إليه كما يشاء فإن الله تعالى لا يقبل أي عمل صالح إذا لم يكن أساسه التوحيد، فمهما كثرت الأعمال الصالحة فإنها لا تنفع عند الله تعالى إذا لم يكن صاحبها موحدا لله تعالى، كافرا بكل ما يُعبَد من دونه، متابعا لأنبيائه ورسله.
وهذا الأصل دل عليه الوحي، ودل عليه العقل… أما الوحي فقد أخبرنا الله تعالى أنه لم يقبل نفقات المنافقين بسبب كفرهم، فقال تعالى: (وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله ورسوله)، فمع أن النفقة عمل صالح لكن الله تعالى لم يقبلها، ولم يعطهم عليها الثواب لأنهم كفار، ولم يحققوا الأساس الذي تقبل عليه الأعمال..
ومن الأدلة على هذا قوله تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا)، فجعل عدم الشرك مع وجود العمل الصالح شرطا للعمل الذي ينفع في الآخرة.
وها هو النبي ﷺ يخبر بأن حاتما الطائي المعروف بكرمه وجوده، يخبر أنه من أهل النار، لأنه لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين.
ويخبر عن عمه أبي طالب أنه من أهل النار، لأنه مات على الكفر؛ مع أنه حمى النبي ﷺ ودافع عنه.. لكنه دافع عنه بدافع الحميّة والقرابة.
وأما العقل فإنك لو كنت صاحب مصنع، وكلفت عاملا عندك بعمل مهم، وقلت له: ابذل جهدك وأريد أن تنجز لي هذا العمل بإتقان.. فذهب هذا العامل وشغل نفسه بعمل آخر، وبذل جهده وتعب فيه، فهل ستقبل منه؟ وهل ستكون مسرورا بما فعل؟
بالتأكيد لا.
وهكذا كل عمل صالح يكون صاحبه كافرا فإنه غير مقبول عند الله تعالى، ولا يثاب صاحبه، ولا يكون سببا لدخوله الجنة.
فالكافر لم يقدر الله حق قدره، ولم يعظمه حق التعظيم، لأن هذا الكافر: 
- إما أن يكون مؤمنا بوجود الله تعالى لكنه يجعل معه آلهة أخرى، كحال اليهود والنصارى ومشركي قريش، بل هذا أكثر شرك الأمم، وكفى بهذا انتقاصا لله تعالى، وقد يزيد بعض الكفار على ذلك فيصفون الله تعالى بالعيوب والنقائص كما فعل اليهود.
- وإما ألا يؤمن بوجود الله تعالى كالملاحدة والدهريين.
فكل هؤلاء لا يقبل الله منهم أي عمل صالح، لأنهم لم يحققوا الأساس الذي تقبل عليه الأعمال كما تقدم.
ولكن هل في هذا ظلم؟
لا ظلم في هذا، ويوضح هذا أمران:
الأول: أن الله تعالى قد طلب منا مطلوبا أساسيا، وأخبرنا أن الأعمال الصالحة لا تقبل بدونه. فمن ترك هذا الأصل، واشتغل بالأعمال الصالحة فإنه لم يأت بالمطلوب منه، فلا يستحق دخول الجنة.
الثاني: أن الله تعالى يجزي هذا الكافر على هذه الأعمال في الدنيا، فيعطيه من المال والصحة والقوة أو الذكر الحسن ما يكون جزاءه وثوابه في هذه الدنيا، أما في الآخرة فلا جنة له.
فما حال الأمم السابقة؟
حال الأمم السابقة جارٍ على هذا الأصل، فمن كان منهم موحدا، متابعا لنبيه في وقته كان مسلما ومن أهل الجنة، وهؤلاء الذين أخبر الله تعالى عنهم بقوله: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)
وهذا يقال في كل من كان موجودا قبل بعثة النبي محمد ﷺ، وأما بعد بعثته فلا يقبل عند الله تعالى إلا التوحيد مع اتباع هذا النبي.
لأنه الله تعالى جعل رسالته خاتمة الرسالات، وجعلها ناسخة لما قبلها، كما قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْه)، وقال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ. فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).
وقال النبي : «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لاَ يَسْمَعُ بِي أحد من هذه الأمة لا يَهُودِيٌّ، وَلاَ نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كانَ مِنْ أَصْحَابِ النار». رواه مسلم
هذا فضلا عن وقوع التحريف في كتب اليهود النصارى، والآيات التي أخبرتنا بهذا التحريف معروفة، منها قوله تعالى: (يحرفون الكلم عن مواضعه).
الأبعاد الحقيقية لهذا السؤال
من خلال بعض الإجابات التي سمعتها فإن بعض الناس كانوا يقولون: إن أهل الديانات السماوية يدخلون الجنة. وبعضهم يقول: كل من يعمل الأعمال الجيدة سوف يدخل الجنة.
لكن إذا رجعنا إلى طبيعة من أنشأ هذا السؤال، هل هذه الإجابات مرضية مقبولة بالنسبة له؟ 
وبمعنى أوضح: هل تتفق هذه الإجابات مع النموذج الغربي الحالي، والذي من أهم مكوناته: حرية العقيدة، وحرية التصرف؟ هل سيقبل منك أن الملحد -مثلا- لن يدخل الجنة؟ 
وبمعنى أقرب: هل وجود الجنة يمثل "فكرة" مقبولة في ظل الحضارة المادية التي لا تؤمن إلا بالمحسوسات، ولا تؤمن بالغيب، بل الغالب عليها الإلحاد؟
وإذا استثنينا أولئك الذين يقلدون غيرهم في طرح هذا السؤال، فنستطيع أن نقول: إن كثيرا من الذين يطرحرن هذا السؤال لا يؤمنون أصلا بالجنة، ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر. 
وهدفهم هو زعزعة عقيدة المسلم، بضرب هذه المنطقة الحساسة الهشة عند كثير من الناس.
ختاما…
لا أجد مناصا من أن أبين أن هذا "السؤال" ليس مجرد سؤال تُطرح فيه وجهة نظر، وليست هذه المسألة محلا لـ"الاجتهاد"، بل هي مسألة من أساسيات العقيدة، التي لا يصح الإيمان إلا بها، لأنها من المسائل التي نطق بها القرآن بشكل واضح وصريح: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)، (إن الذين عند الله الإسلام).

والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق