مكانة المرأة في الإسلام
عناصر الخطبة:
المرأة قبل الإسلام.
المرأة في الإسلام.
المرأة عند الغرب.
عمل الجمعيات التغريبية في فلسطين.
(من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)
آية كريمة في كتاب الله سبحانه، نزلت لتبين أمرا عظيما خطيرا، آية فيها بيان حقيقة مكانة المرأة في الإسلام، نزلت هذه الآية، وجاءت بقية شرائع الإسلام لترفع عهودا من الظلم والقهر كانت تعانيه المرأة قبل الإسلام.
عانت المرأة قبل الإسلام، وظلمت في الثقافات والأديان السابقة ظلما كبيرا، عانت من حط مكانتها كإنسان، وعانت من ظلم وسوء في المعاملة، وعانت من أكل حقوقها المالية… وإننا إذا نظرنا نظرة سريعة في بعض النصوص الموجودة في في بعض الكتب كالموجودة في التوراة والإنجيل، وكالنصوص المنقولة عن فلاسفة اليونان لنرى ذلك بجلاء، فليس غريبا عندهم اعتبار المرأة نوعا من الشر الشياطين، بل إن كثيرا منهم لم يعتبرها أهلا للتكليف والثواب والعقاب.
ولأجل كل هذا الظلم فقد ظهرت ردات فعل في الغرب، رأت أن سبب الظلم الذي تتعرض له المرأة عندهم هو صراع كوني بين المرأة والرجل، مع أن السبب الحقيقي للظلم الذي تعرضت له المرأة عندهم هو تلك الأديان المحرفة، وتلك النفوس المريضة، وتلك الأفكار البعيدة عن شريعة رب العالمين… أرادوا أن يعطوا المرأة حقها، فما كان منهم إلا أن تطرفوا في ردة فعلهم. ولما كانت شرائعهم المحرفة لا تخدمهم في هذا الأمر، توصلت عقولهم إلى اختراع ساذج، دمر البشرية وسيستمر في تدميرها، هذا الاختراع هو: مساواة الرجل بالمرأة في كل شيء، ولا يخفى على عاقل أننا إذا أردنا أن نسوي بين شيئين في كل شيء فلا بد أن تكون صفاتهما واحدة، وقدراتهما واحدة، فإذا لم يتوفر هذا الشرط فالمساواة هنا هي عين الظلم.
عباد الله! لقد بزع فجر الإسلام على ظلام دامس كانت تعاني منه البشرية في كل نواحي الحياة، فأصلح حياة الناس في كل النواحي، وأصلح حال المرأة وصحح أوضاعها، ورفع مكانتها، وكان منهج الإسلام في ذلك هو العدل لا المساواة التامة في كل شيء، فإذا كان العدل في تقديم الرجل على المرأة أمر به الإسلام، وإذا كان العدل في تقديم المرأة على الرجل أمر به الإسلام، وإذا كان العدل في التسوية بينهما فقد أمر به الإسلام، فالإسلام نظر إلى صفات وطبيعة تكوين الرجل والمرأة، من حيث الجسم، والقوة، والعقل، والقدرة على التحمل، ومدى وجود الواجبات والأعباء، ثم أعطى كل ذي حق حقه على هذا الأساس.
فقدم الرجل فأعطاه حق الولاية على المرأة في الزواج مثلا لأن عنده من القوة على الكسب والعمل ما ليس عند المرأة، ولأن عنده من القدرة في التحكم بعواطفه وقراراته ما ليس عند المرأة.
وقدم المرأة على الرجل في حق حضانة الأطفال لأن عندها من الرحمة والعطف ما يعينها على القيام بحقهم.
وأمر كلا من الرجل والمرأة بستر عوراتهم بما يتناسب مع طبيعة كل منهما، وبما يقطع باب الفتنة والشهوات، كما قال تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) وليس من باب التمييز ضد المرأة كما يقوله دعاة محاربة الذكورية.
ولما كان الرجل قويا في بدنه قادرا على مناكفة الناس أمره بأن يخرج ويبتغي رزق عياله، وألزمه بالنفقة على أهله، ولما كانت المرأة ضعيفة في بدنها، وكان لها قدرة كبيرة على تحمل الأطفال والصبر عليهم، أمرها بالقرار في بيتها، وتربية أبنائها، وتوفير الجو المناسب لهم لزوجها ليكونوا أفرادا صالحين في مجتمعهم، في دور بالغ في الأهمية، أشار إليه النبي ﷺ بقوله: «والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها»، وهذا الدور لا شك أنه أهم بكثير من مجرد أن تأتي المرأة براتب شهري، قد يستفيد منه الزوج قليلا، وغالبا ما ينفق على الزينة والملابس المخالفة في صفتها للشريعة.
وسوى الإسلام بين الرجل والمرأة إذا لم يوجد سبب لتقديم أحدهما على الآخر، فسوى بينهما في التكاليف الشرعية من الأمر بالتوحيد والصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك من الشرائع، وجعلها مستحقة للثواب والعقاب ومستحقة لدخول الجنة أو النار بحسب أعمالها، فأخذت المرأة بذلك كامل حقها، وارتفعت منزلتها بعد أن كانت عند الرهبان غير صالحة للتكليف بالشرائع، وغير مستحقة أصلا لدخول الجنة أو النار.
هذه -عباد الله!- هي خلاصة نظرة الإسلام إلى المرأة، وهي نظرة عادلة، بالغة في العدالة الغاية والنهاية، لأنها تشريع رباني، وليست كتشريعات البشر الذين تتحكم فيهم الشهوات، ويتحكم فيهم الهوى، ويحيطهم الجهل بحائق الأمور، وعواقبها.
هذه النظرة التي غابت عن كثير من دعاة محاربة الذكورية في هذا الزمان من أبناء جلدتنا، ففي ظل الهزيمة النفسية التي يعيشونها، وفي ظل جهلهم بأصول الإسلام عموما، وبنظرة الإسلام للمرأة خصوصا، ظنوا أن الإسلام كاليهودية والنصرانية، ظنوا أن الإسلام ثقافة كأي ثقافة من الثقافات القابلة للتعديل والتطويع حسب الرغبة والهوى، فأتوا بالنموذج الغربي فيما يتعلق بالمرأة ودعوا إلى تطبيقه على الإسلام ذاته، وليس على المسلمين فقط.
ولو أنهم فهموا حقيقة الإسلام لما دعوا إلى ذلك، ولو أنهم اعتزوا بدينهم لما دعوا إلى ذلك، ولو أنهم فهموا حقيقة وضع المرأة في الغرب حاليا لما دعوا إلى ذلك، فالمرأة عند الغرب عموما مخدوعة تستغل بإرادتها، يستغلها التجار للترويج للبضائع عن طريق وضع صورهن الفاضحة على المنظفات مثلا، ويستغلها أصحاب الشهوات للترويج للفاحشة عن طريق الأفلام والمسلسلات الهابطة… لقد هدموا الأسرة التي هي النواة الأساسية للمجتمع، وبناء على نظرتهم المادية القائمة على الحسابات والأرقام المجردة، فقد رأوا في جلوس المرأة في بيتها خسارة اقتصادية، فأمروها بالخروج والعمل كالرجل لتنفق على نفسها بنفسها، ولتتحمل العبء كالرجل، فحملوها ما لا تطيق، وخسروا الفائدة المعنوية الكبيرة التي يجنيها المجتمع من المسؤولية العظيمة التي تمارسها المرأة في بيتها.
فضوا وأضلوا، وصدق الله إذ قال: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معشية ضنكا).
الخطبة الثانية
لقد عمل الغرب على نشر هذه الأفكار في العالم الإسلامي عموما، وفي بلادنا فلسطين خصوصا، وذلك من خلال الأفلام والمسلسلات، ومن خلال العمل الدؤوب للجمعيات التغريبية، ومن خلال الضغط السياسي الذي يطالب دائما -ضمن طلبات كثيرة- بالمزيد من التنازلات والتشريعات في جانب المرأة مقابل استمرار الدعم المادي، ويسترون ذلك بشعارات حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولا شك أن المرأة تتعرض لصور من الظلم داخل مجتمعنا، لكنها صور محصورة، والإسلام بتشريعاته قارد على معالجتها، لكن دعاة محاربة الذكورية ينفخون فيها ويهولونها، ثم يأتون بزي المصلح… ولو أن نشاط الجمعيات النسوية اقتصر على رفع الظلم الذي يمارسه بعض الناس على نسائهم لهان الأمر، ولكن دورها امتد ليمارس دورا ثقافيا يدعو إلى نشر القيم الغربية بيننا فيما يتعلق بالمرأة، وصار يمتد إلى المطالبة بمزيد من التشريعات التي تصب في صالحهم، ولا تلتزم بحدود الإسلام، ولا أدل على ذلك من العرس السنوي الذي نشهده في بلادنا، من الاحتفال بيوم المرأة، والذي يتخلله مشاهد النواح واللطم على المرأة، وكأننا نئد البنات، أو كأننا نستغل النساء جنسيا كما يفعل الغرب… إنهم يستغلون صور الظلم الموجودة لتمرير أجناداتهم الثقافية الغربية، لكنهم يتدرجون في ذلك تدرجا خبيثا، فغايتهم النهائية ليس إيقاف حرمان المرأة من الميراث، بل إنهم يسعون لتسوية الرجل بالمرأة في الميراث، غايتهم أن يسقطوا ولاية الزوج والأب عن المرأة، غايتهم ألا تُلزم المرأة بلبس الجلباب، غايتهم ألا يكون للأب حق في أن يمنع ابنته من التبرج والخروج المنفلت من البيت.
ولا شك عباد الله أن جهدهم في المدارس والجامعات وغيرها قد بدأ يؤتي ثماره، فعلى صعيد الجلباب مثلا، صار القليل من الناس يلزمون بناتهم به، والأقل الذين يلزمونهن بشروطه الشرعية، وصرت ترى تأخر لبس البنت للجلبات بدعوى صغر سنها، وصرنا نرى جرأة كثير من البنات وقلة الحياء الظاهرة عليهن، كيف لا؟ وهم يقولون لها: أنت كالرجل في كل شيء، لا تخافي، وثِقي بنفسك!، ولا تطيعي أحدا…
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق