الخميس، 23 أغسطس 2018

العبودية
عناصر الخطبة:
  • أهمية وشرف مقام العبودية لله ﷻ.
  • كيف تكون العبودية لله تعالى سببا للسعادة في الدنيا؟

(قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا).
آيات عظيمة من سورة طه، تصف لنا ذلك المشهد الرهيب، الذي خرج فيه آدم وحواء من الجنة، بعدما عصيا الله ﷻ.. مشهد تتجلى فيه عظمة الله سبحانه، يتجلى فيه كرمه ولطفه ورحمته بخلقه.. إنه سبحانه لما أهبط آدم إلى الأرض أرشده إلى الطريقة التي يعيش فيها عيشة مستقيمة صالحة على الأرض، والتي إذا اتبعها عاد بعد مماته إلى دياره، إلى الجنة.
هذه الآية تمثل الأساس والقاعدة التي إذا سار عليها بنو آدم جميعا فإنهم يحصلون السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة: إذا استقاموا على أوامر الله تعالى، وحققوا العبودية له ﷻ، فإنهم يحصلون أمرين: استقامة المعيشة، والنجاة في الآخرة من العذاب.
لقد جاءت نصوص كثيرة تبين لنا أهمية العبادة، وتبين لنا أن العبودية لله سبحانه هي سبب السعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة، كما قال سبحانه: (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، وقال: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
العبودية لله هي أشرف وصف يمكن لابن آدم أن يتصف به، انظروا كيف وصف الله تعالى نبيه وخليله محمدا ﷺ بالعبودية لله في أشرف المقامات، فقال تعالى في مقام الإسراء والمعراج: (سبحان الذي أسرى بعبده)، وقال في مقام إثبات نبوة محمد ﷺ: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا)، وقال في مقام إنزال القرآن: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده).
إلى غير ذلك من الآيات التي تبين لنا شرف هذا المقام.. وكيف لا يكون هذا المقام هو أشرف المقامات والإنسان يقوم فيه بشكر الله تعالى على نعمه وإحسانه وآلائه.. لقد خلقنا الله من العدم، وحفظنا في بطون أمهاتنا، ويسر لنا أرزاقنا، ومهد لنا الأرض لنعيش عليها.. وما من نفس نتنفسه، وما من عرق ينبض فينا إلا بحفظ الله عز وجل وحوله وقوته، فكيف لا نكون له وحده عبيدا، وكيف لا نكون طائعين له، قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).
إن العبودية لله هي طريق النجاة الوحيد في الآخرة، وهي كذلك طريق السعادة الوحيد في هذه الدنيا، والأمور التي تبين لنا كيف تكون العبودية لله سببا في السعادة، أمور كثيرة، وسوف نحاول بيان اثنين منها:
الأمر الأول: أن العبودية لله تعالى هي أهم عامل من عوامل الاستقرار النفسي والروحي، فلا حياة حقيقة، ولا سعادة، ولا راحة للقلب إلا بأن يكون الإنسان عبدا للخالق سبحانه.
إن قلب الإنسان لا بد أن يتعلق بشيء، لأن الإنسان مخلوق محتاج إلى غيره، فلا بد له أن يتعلق بشيء، فإما أن يتعلق بالله تعالى، وإما أن يتعلق بغيره من الشركاء والأنداد، فإن تعلق بالله وجد الراحة والطمأنينة، لأن الله تعالى هو الخالق الذي لا يحتاج إلى غيره. وإن تعلق بمخلوق لم يجد الراحة، وظل قلبه غير مطمئن، يتنقل من التعلق بمخلوق إلى التعلق بمخلوق آخر.. ذلك لأن المخلوق محتاج، فلا يمكن أن يكون غاية ونهاية تتعلق بها القلوب.. لا تجد القلوب راحتها إلا إذا تعلقت بالله الغني عن كل المخلوقات.
واعلموا يقينا أن الإنسان إذا لم يتعلق بالله فإنه سوف يتعلق بغيره ضرورة، لا مفر له من ذلك، فقد يتعلق بهواه، وقد يتعلق بشهوته، وقد يتعلق بامرأة، أو محبوب، وقد يتعلق بصنم أو ند يدعوه من دون الله، وعندها يكون بعيدا عن طريق الهدى، قال تعالى: (أفرأيت من اتخد إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله).
ومن هذه الراحة التي يحصلها الإنسان إذا كان عبدا لله تعالى: أنه يحصل على الأجوبة الشافية لأهم الأسئلة في حياته: لماذا خلقنا؟ وماذا نفعل على هذه الأرض؟ وإلى أين المصير والمنتهى؟ كيف أنجو؟
هذه الأسئلة التي حيرت كثيرا من أصحاب العقول عبر الزمان، هذه الأسئلة التي دفعت كثيرا من البعيدبن عن الله إلى الانتحار أو الاكتئاب أو الحيرة.. يجد لها المؤمن الأجوبة الشافية الواضحة التي تجعل قلبه مطمئنا، لينطلق بعدها في الحياة مساهما وبانيا.
العبودية لله تعالى وحده هي شعار حياة الإنسان الناجح، الإنسان الذي يعرف ما هو هدفه في الحياة، الإنسان الذي يعطي للحياة حجمها الحقيقي، من غير زيادة ولا نقصان.
(والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعلوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).
الخطبة الثانية
الأمر الثاني الذي يبين لنا كيف تكون العبودية لله سببا في السعادة في هذه الدنيا: هو التشريع الرباني؛ فالله ﷻ أنزل على أنبيائه شرائع أمر الناس بأن يحتكموا إليها في حياهم اليومية، سواء كانوا أفرادا أو جماعات أو دولا، وأخبر أن أحكامه هذه هي الأحكام الحسنة التي لا يوجد أحسن منها لإصلاح حال الناس، كما قال تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون. ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون).
وكيف لا تكون أحكامه سبحانه هي الأحكام الكاملة، البالغة في الحسن غايته، كيف لا تكون كذلك وهي نازلة من عند الخالق الذي خلق الناس، الخالق الذي يعلم خلجات نفوسنا، الذي يعلم الماضي والمستقبل، العالم الكامل في علمه، الحكيم الكامل في حكمته، (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير).
وهل توجد مقارنة أصلا بين الأحكام الربانية التي نزلت من عند الله العليم، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، هل توجد مقارنة بين هذه الأحكام وبين الأحكام المخالفة لأحكام الله التي يضعها البشر؟!
الإنسان ليس في طاقته العقلية أن يعلم يقينا ما الذي سوف يأتي له بالمصلحة في مستقبله، لذلك فإن الذين يرفضون أحكام الشريعة كثيرو التخبط في التشريع، يسنون القوانين ويعطون القداسة للدساتير ثم يعدلونها، في كل فترة يحلون وينقضون، مرة يقتلون القاتل، ومرة تدركهم الرقة غير المحمودة فيعتبرون قتله مخالفا للإنسانية.. يسمحون بالزنا إذا كان بالتراضي، ويشجعون على التبرج والعري ثم يحتارون في كيفية معالجة النسب الخيالية من الاغتصاب والاعتداءات.. مرة يمنعون الخمر، ومرة يسمحون بها، ومرة يمنعون المخدرات ومرة يسمحون بالخفيف منها.
تخبط وعمى، قد نجى الله المسلمين من ذلك بأن أنزل عليهم شريعة غراء مصلحة لكل زمان ومكان.. فما بال بعض الناس يتركونها إلى ما يخالفها من القوانين والتشريعات! بزعم التحضر والتنوير تارة، وبزعم مساواة المرأة بالرجل تارة أخرى .. إنهم يسوقون أنفسهم إلى الهاوية، ويسرعون نحو الهلاك.
لقد أخبرنا الله ﷻ أن الإنسان لا يصح إسلامه إلا إذا قبل بالشريعة حكما على حياته، كما قال سبحانه: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما). وأخبر أن إيمان من لا يؤمن بالشريعة حكما في الحياة، أخبر أن هذا الإيمان هو مجرد زعم كاذب لا حقيقة له، كما قال: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا. وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق