الخميس، 12 أبريل 2018

الإسراء.. عبر وعظات
عناصر الخطبة:
  • فضل بيت المقدس.
  • فوائد من موقف صلاة النبي ﷺ بالأنبياء.
  • تسليم الصديق رضي الله عنه للشريعة.
(سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير)
في مثل هذه الأيام المباركة قبل مئات السنين، أشرقت هذه البلاد، وأنارت بأن وطئتها أقدام محمد ﷺ، في رحلة عظيمة، رحلة مليئة بالمعجزات والأحداث، مليئة بالعظمة.. هي رحلة تاريخية بحق، وقعت بعد عدد من الصعاب التي مرّ بها نبينا ﷺ في مكة.. صعاب تدك الجبال الرواسي، تحمّلها محمد ﷺ لأجل نشر دين الإسلام.
إن الله تعالى يصطفي -لحكمة يعلمها- بعض البلاد فيباركها ويفضلها على غيرها؛ وإن هذه الأرض المباركة أرضَ فلسطين من أكثر هذه البلاد بركة، وأقدمها علاقة بالأنبياء، فالله سبحانه نجى إليها إبراهيم ولوطا وأخبرنا ببركتها فقال: (ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين)… لقد بقيت هذه الأرض على علاقة وطيدة بالأنبياء والمرسلين؛ وها هو محمد ﷺ سيدهم وخاتمهم يأتي إليها، ويزيد هذا المكان شرفا إلى شرفه.
أحداث هذه الرحلة كثيرة، لكن بحسبنا أن نقف على موقفين منها، لنحاول أن نأخذ منهما العبر والفوائد.
أما الموقف الأول فإنه موقف عظيم عجيب، وهو صلاة نبينا محمد ﷺ إماما بالأنبياء في المسجد الأقصى، وهذا الموقف فيه الكثير من العبر والفوائد.
فمنها: أن الأنبياء جميعا قد استقوا من معين واحد، فكلهم دعوا إلى توحيد الله تعالى وتعظيمه، ودعوا إلى عبادة الله، ومكارم الأخلاق… هذه هي دعوتهم الواحدة: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)، ولذلك فقد اصطفوا كلهم في صلاة واحدة خلف إمام واحد هو محمد ﷺ.
لكن المعنى الصحيح لقولنا: إن دين الأنبياء واحد، هو أنهم جميعا دعوا إلى التوحيد، فأما التحريفات التي قام بها كثير ممن خالفوا أنبياءهم فليست من هذا الدين الواحد، وليس بيننا وبينها أي تقارب ولا ارتباط، فقول النصارى بالتثليث والشرك ليس من دين عيسى، وانتقاص اليهود من جناب الله سبحانه ليس من دين موسى، بل هو كفر بالله العظيم.
إن صلاته عليه الصلاة والسلام بالأنبياء فيها رسالة لأتباعهم بوجوب اتباعهم لهذا النبي الخاتم، فإذا كانوا تابعين لأنبيائهم حقا فإنه يجب عليهم اتباع محمد ﷺ: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لمَا آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين. فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) 
ومن هذه الفوائد: أن الله تعالى لم يخص هذه الأرض لأهل عرق معين ولا بجنس معين، وإنما هي لعباده الصالحين، والأرض جميعا لله تعالى يعطي الحق فيها لعباده الصالحين: (ولقد كبتنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون)، وأرض بيت المقدس أرض مباركة عند الله ﷻ، الحق فيها لأتباع الدين المرضي عند الله جل وعلا .. قد تدور الدائرة عليهم اختبارا وابتلاء ولكن العاقبة لهم (إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين).
لقد انتقل محمد ﷺ من جزيرة العرب إلى هذه الأرض التي لم يسكنها من قبل، وهنا ذابت القوميات، هنا ذابت العصبيات، هنا سادت العقيدة، وسادت التعاليم الربانية التي تجمع بين الأعراق المختلفة، والأجناس المتباينة وتذيبها في بوتقة العبودية والخضوع لله ﷻ وعلا.
ومن هذه الفوائد: أن إمامة النبي ﷺ بالأنبياء فيها إشارة إلى انتقال عهدة ومفاتيح هذه الأرض إلى الأمة المحمدية، وأنهم هم أصحاب الحق فيها بصفتهم أتباع الدين الحق، الدين الخاتم المهيمن على بقية الأديان. 
ولقد مهد النبي ﷺ في حياته لهذا الأمر فسَيَّر الجيوش إلى تخوم الشام، وكان آخرها بعث أسامة الذي مات عنه النبي ﷺ وأنفذه أبو بكر، ثم لم يزل الصحابة رضي الله عنهم يتوغلون في بلاد الشام قاصدين بيت المقدس إلى أن تم لهم ذلك في عهد عمر بن الخطاب… كل هذا امتثال منهم لهذا الدين، وإدراك لأهمية هذه الأرض بالنسبة للمسلمين، بل إدراك لأحقيتهم بها دون غيرهم.
ولقد سارت أمة الإسلام في تاريخها على هذا النهج، فحافظت على هذه الأرض واهتمت بها، ولم تكن لتضيع منهم إلا في أحوال ضعف تمر بها الأمة، مع خيانة بعض الناس فيها.
وهنا لا ننسى شهداءنا وأسرانا الذين انطلقوا من هذه العقيدة، فهبوا مدافيعن عن هذه الأرض الإسلامية المباركة، وقدموا دمائهم، وحريتهم فداء لهذا المبدأ العظيم.
ومن هذه الفوائد: أن صلاة النبي ﷺ بالأنبياء فيها إشارة إلى أهمية العامل الديني للأمة التي سوف تتولى أمانة هذه الأرض، وإذا كان الله تعالى إنما ينصر المؤمنين إذا اتقوا وأخذوا بالأسباب، فإن هذه الأرض من أجلى الصور التي تظهر فيها هذه السنة الكونية: (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)، ونصر الله تعالى يكون بالتزام دينه، وهذا الالتزام يكون بالالتزام بالدين كله، فهو التزام بالعقيدة الصحيحة.. محافظة على الصلاة وشعائر الإسلام الظاهرة، تحكيم للشريعة، أخلاق فاضلة، ولاء للمؤمنين وبراءة وعدمُ موالاةٍ للكافرين، أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، محاربة للظلم والفساد، محاربة للفواحش والمنكرات.
إن نسيان هذا العامل قد أودى بنا إلى حال سيئة، حالٍ لا تحتاج إلى وصف ولا بيان فكلنا يرى ويسمع، لكن العجب أن بعض الناس لا يحب إلا أن يسير مسرعا نحو الهاوية، فيوالي الكفار بحجة أنهم يحبون الخير لنا، وينشر أسوأ ما في ثقافة الغرب بحجة التقدم الحضاري، ويحارب الفضيلة بحجة التحرر والتقدم، وهذا كله ضلال في الطريق وانحراف عن الجادة، لا يوصل إلا إلى الشقاء في الدنيا والآخرة: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا).
الخطبة الثانية
الموقف الثاني يتعلق بشيء حدث بعد رجوع النبي ﷺ من هذه الرحلة المباركة، موقف إيماني عظيم، صدر من رجل عظيم هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فإن النبي ﷺ لما أخبر كفار قريش بأمر الإسراء قوبل بحملة استهزاء واستنكار كبيرين، وكلنا يعلم أثر هذا على النفس البشرية، فكم من الناس يود لو أظهر الحق ولكنه يخاف الناس ولومهم، فما بالنا بذلك الموقف العصيب… لقد شق أبو بكر كل تلك الظلمات، وخالف توقعات الكفار، فأصم آذاناهم بعبارته الشامخة، الملئية بمعاني التسليم والانقياد للشريعة: إن كان قال ذلك فقد صدق… ما أعظمها من كلمة وما أكثر فوائدها، لكن لنأخذ منها قبسة واحدة تتعلق بأهمية الانطلاق من التسليم للدين والتمسك به في التعامل مع العدوان، كم يحتاج المسلمون إلى استحضار مثل هذا الموقف في وجه حملات التشويه والطعن التي تنال الإسلام، وكم نحن بحاجة إلى استحضار معاني العزة التي فيه لنجعل انتماءنا واحدا، لنعرف عدونا من يكون.

ها هي سوريا جرح نازف منذ سنوات، ومع ذلك نرى كثيرا من المسلمين لا يعرفون أين الطريق، فبعضهم يرى النصر مع أمريكا، وبعضهم يرى النصر مع روسيا وذنبها بشار… لكن الطريق الصحيح هو في الرجوع إلى هذه الأمة، في إحياء هذه الأمة وإيقاظها من سباتها… هذه الأمة قد قادت العالم منذ زمن ليس بالبعيد، عندما كانت تحكم شريعة ربها، وكان لها كيان يجمعها ويدافع عنها… لسنا بعيدين عن ذلك، وليس هذا حلما مستحيلا، بل هو وعد رباني بالنصر لعباده الصالحين الآخذين بالأسباب: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون).  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق