الخميس، 27 ديسمبر 2018

ملة إبراهيم
عناصر الخطبة:
- فضل نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
- من هم أتباع إبراهيم حقا؟
- علاقتنا الدينية مع أهل الكتاب.

(قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبرهيم حنيفا وما كان من المشركين. قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين).
آيات عظيمة من آخر سورة الأنعام، يأمر الله تعالى فيها نبيه محمدا ﷺ بإعلان دينه وطريقته، يأمره بذكر منة الله تعالى عليه وعلى هذه الأمة، يأمره بأن يصرّح ويصدع بهذه الملة الإبراهيمية الحنيفية، المائلة البعيدة عن الشرك، ملة التوحيد، ملة الكفر بالطاغوت.. وبعد أن أمره بهذا البيان العام للملة، أمره أن يزيد هذا البيان تفصيلا، فقال: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له) ثم زاد ذلك المعنى تأكيدا فقال: (وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين).
تختصر هذه الآيات قصة طويلة، قصة قلوب أحبت خالقها، وتعلقت به، قصة نفوس تركت الدنيا ورغبت فيما عند الله.. إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أحب ربّه ومولاه، وأحبه الله واتخذه خليلا واجتباه.. إن محبة إبراهيم لله تعالى لم تكن مجرد دعوى، بل كانت محبة صادقة، لم تكن محبة عادية، كفر لأجلها بالأصنام وحطمها، وألقي في النار لأجل ذلك فحماه الله، عادى قومه وبني جلدته وأبغضهم وتبرأ منهم ومن دينهم لأنهم أشركوا بالله، إنها محبة جعلته يسلم أمره لربه، ترك زوجته وابنه في الصحراء، وهمّ بذبح ابنه تنفيذا لأمر الله، هاجر وقطع الصحاري والقفار، أمر فأطاع، وأحب الله فذل قلبه له، وخضعت له جوارحه، حتى مدحه الله سبحانه في كتابه وذَكَره ذكرا عطرا فقال: (وإبراهيم الذي وفّى)، وقال: (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين. شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم. وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين)، ثم بين الله ﷻ  اتصالَ السبب ما بين إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم فقال: (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين).. إذا هي ملة واحدة، دين واحد، دين التوحيد ونبذ الشرك بكل صوره، هو دين نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام… لم يدع موسى قومه إلى الشرك ووصفِ الله تعالى بالنقائص والعيوب، بل دعاهم إلى التوحيد وإلى تعظيم الله تعالى والانقياد لأمره… لم يدع عيسى قومه إلى عبادة الصلبان، ولا إلى التثليث، ولا إلى طاعة الأحبار والرهبان في التحليل والتحريم، بل دعاهم إلى عبادة إله واحد، كما قال تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركرن).
عباد الله! لطالما حاول اليهود والنصارى الانتساب إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام ليعطوا الشرعية لباطلهم ودينهم المحرّف، الذي وضعه لهم أحبارهم وملوكهم وطواغيتهم، ولأن الانتساب إلى إبراهيم شرف عظيم وفضل كبير.. لقد ظنوا أن مجرد انتسابهم إلى آباء الصدق ينجيهم عند الله سبحانه؛ لكن الله تعالى حرمهم هذا الشرف والفضل، لماذا حرمهم منه؟ لأنهم ليسوا على ملة إبراهيم، فليسوا هم منه، ولو اتصلوا إليه بنسب، وإذا كان الله تعالى قد أمر إبراهيم بأن يتبرأ من أبيه وقومه لما كانوا على الشرك، فهل سيرضى أن ينتسب إليه عبدة الصلبان وأتباع الأحبار والرهبان؟! ولذلك فإن الله تعالى كرر في القرآن نفي الصلة بين أهل الكتاب وبين إبراهيم عليه الصلاة والسلاة، وأكد على براءته منهم، من ذلك قوله سبحانه: (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين)، وقال: (أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما يعلمون)، وقال تعالى: (وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين. قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم).
لقد نفى الله تعالى عنهم هذا الشرف والفضل وأعطاه لمن يستحقه، وهم المسلمون المتمسكون بالتوحيد من أتباع محمد ﷺ… هذا هو عدل الله سبحانه، وهذه هي حكمته البالغة، التي يكون فيها الحكم على الحقائق والمعاني، لا على الصور والدعاوى، لقد أكد الله سبحانه هذه الحقيقة في كتابه فقال: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا)، وأكد أن من كان مؤمنا بالتوحيد الذي أنزله الله تعالى، فإنه يكون مؤمنا بجميع الأنبياء، وهو المسلم الناجي عند الله تعالى، فقال: (قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون. ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).
ولقد بين النبي ﷺ هذا الفضل والكرم الذي نالته أمة الإسلام بقوله: «مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجراء فقال من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط فعملت اليهود، ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط فعملت النصارى، ثم قال من يعمل لي من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين فأنتم هم، فغضبت اليهود والنصارى: فقالوا ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء؟ قال: هل نقصتكم من حقكم؟ قالوا: لا. قال فذلك فضلي أوتيه من أشاء. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَاخْتَلَفُوا فَهَدَانَا اللَّهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ، فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ هَدَانَا اللَّهُ لَهُ»، قَالَ: «يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَالْيَوْمَ لَنَا، وَغَدًا لِلْيَهُودِ، وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى».
الخطبة الثانية
إن من أهم الأمور التي أمرنا الله سبحانه أن نتبه لها، هي أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى لم يكونوا يوما ولن يكونوا أحبابا للمسلمين، وأن الولاية والمحبة الدينية قد انقطعت بيننا بسبب إيماننا وكفرهم، فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين)، وبين لنا سبحانه أن اليهود والنصارى لن يرضوا عنا حتى نترك ديننا ونتبع ملتهم فقال: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير)، بل بين لنا سبحانه أنهم يحسدوننا على إيماننا، وعلى فضل الله تعالى علينا، وأنهم يتمنون أن نترك ديننا، فقال تعالى: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق)، وقال: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما).
عباد الله! إن هذه القاعدة ينبغي أن تكون حاضرة تمام الحضور في أذهاننا ونحن نتعامل معهم، ونحن نقيم واقعنا، ينبغي أن تكون حاضرة في تحليلاتنا للواقع، فما هو السياق الذي يمكن إن نفهم من خلاله كل ذلك العداء الظاهر فيه إلا السياق الديني، وهل كان عامل الدين غائبا في الحروب الصليبية قديما، بل هل كان غائبا في الحروب المعاصرة التي شنها أهل الكتاب على المسلمين، في فلسطين والعراق وسوريا وبورما وغيرها من بلاد الإسلام… هذه حقيقة عباد الله، حقيقة ساطعة كالشمس، لكن بعض العلمانيين العرب يحاولون دائما التشويش عليها، يحاولون إقناع الناس بأن صراعنا معهم ليس دينيا، وأنه الصراع سياسي بحت، وهذا نابع عدم رغبتهم في إدخال الدين في الصراع والحروب، لأنهم لا يؤمنون به أساسا للحكم، ولا يريدونه حكما يحكم بين الناس في حياتهم، لا في السلم ولا في الحرب، فوقعوا بسبب ذلك في ضلال سياسي، وهزيمة على الأرض، فلا هم قرؤوا الواقع بصورة سليمة، ولا هم نصروا بلادهم، ولا حرروا أوطانهم.

   

الجمعة، 14 ديسمبر 2018

نساء عظيمات في الإسلام
كانت أم السلطان محمد الفاتح تأخذه وهو صغير وقت صلاة الفجر؛ لتريه أسوار القسطنطينية وتقول له: "أنت يا محمد تفتح هذه الأسوار، اسمك محمد كما قال رسول الله ﷺ"، والطفل الصغير يقول: "كيف يا أمي أفتح هذه المدينة الكبيرة ؟!" فتقول بحكمة: "بالقرآن والسلطان والسلاح وحب الناس"
هذا مثال للأم المسلمة العظمية التي طالما كانت سببا في إنتاج العلماء والعظماء والقادة.. الأم هي الحاضنة التي تحتضن ذلك القائد قبل أن يصير قائدا، عندما كان صغيرا يبكي، عندما كان يتعلق بأمه متلهفا إلى حنانها، محدقا في عينيها، كانت هي التي تعطيه الحنان، وتترفق به، تعطيه مع حنانها جرعات من الرجولة والحكمة، حتى يكبر، وينطلق من تلك الحاضنة ليعلم الناس، ليواجه الحياة، ليبني الحياة، ويهدم حصون الكفر على رؤوس أهله. 
لذلك فقد اعتنى الإسلام بالمرأة عناية خاصة، لأنها سبب رئيس في بناء الحضارات، وصناعة الأمم… لم تكن أم محمد الفاتح حالة نادرة في التاريخ الإسلامي، بل كان هذا أمرا شائعا بين الناس، لأن أمة الإسلام كانت تدرك أهمية تلك الحاضنة التي تخرج الأبطال والعلماء والأمراء، هي المصنع الذي ينتج الرجال.. ها هي الخنساء، وهي امرأة عاصرت الجاهلية والإسلام، أما في الجاهلية فقتل أخوها صخر، فملأت الدنيا بكاء وشعرا وحزنا لفقده، وأما في الإسلام فقدمت أربعة من فلاذات كبدها قربانا إلى الله سبحانه، قدمتهم دفعة واحدة في معركة القادسية، لما خرجوا إلى المعركة أوصتهم فقالت: يا بني، إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو، إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما هجنتُ حسبكم، وما غيرت نسبكم، واعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية.
اصبروا، وصابروا، ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تفلحون، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وجللت نارًا على أوراقها، فيمموا وطيسها، وجالدوا رسيسها، تظفروا بالغنم والكرامة، في دار الخلد والمقامة.. ففعلوا ما أمرتهم به من الإقدام والبسالة في الجهاد، فاستشهدوا جميعا في هذه المعركة، وما كان منها إلا الصبر والاحتساب.
عبد الرحمن الناصر الذي ولي الأندلس وهي ولاية تميد بالفتن، وتشرق بالدماء، فنظم أمورها وأحكم تسييرها. ثم أمعن بعد ذلك في قلب فرنسا وتغلغل في أحشاء سويسرا، وضم أطراف إيطاليا، إلى أن أصبحت قرطبة مقر خلافة يحتكم إليها عواهل أوروبا وملوكها، ويختلف إلى معاهدها علماء الأمم وفلاسفتها.
وسر هذا كله أمه التي ربته، فقد نشأ عبد الرحمن يتيماً.
وأما إنتاج الأمهات المسلمات للعلماء والأئمة فحدث ولا حرج..
ها هي والدة الإمام سفيان الثوري، فقيه العرب ومحدثهم وأمير المؤمنين في الحديث، تكفلت أمه بتربيته والإنفاق عليه فكان ثمرتهـا. فقالت له: "يا بني، اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي".
بل والأكثر من ذلك، أنها كانت تتعهده بالنصح والوعظ لتحضه علي تحصيل العلم، فكان مما قالته له ذات مرة
: "أي بني، إذا كتبت عشرة أحـرف، فانظر هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك، فإن لم تر ذلك، فاعلم أنها تضرك ولا تنفعك".
وها هي أم الإمـام مالك بن أنس، امرأة عظمية، يقول الإمام مالك عن أمه
: كانت أمي تلبسني الثياب، وتعممني وأنا صبي، وتوجهني إلى ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وتقول: "يا بني! ائت مجلس ربيعة؛ فتعلم مِن سمته وأدبه، قبل أن تتعلم مِن حديثه وفقهه".
أم الإمـام الشافعي.. مات والد الإمام الشافعي، فكان وفاء الأم أن تجعل الابن محمد بن إدريس الشافعي إمامًا، فأخذته من غزة إلي مكة وهناك تعلم القرآن الكريم وهو ابن سبع سنوات، ثم أرسلته إلي البادية ليتعلم اللغة العربية، ثم تعلمه الفروسية والرماية فكان يضرب مائة رمية لا يُخطئ منها واحدة، لم تترك الأمور تسير حسب الظروف، وإنما قرارات تربوية، وأجازه الإمام مالك للفتوى وهو في الخامسة عشر من عمره
!.. لقد أوقفت أم الإمام الشافعي ابنها بين يدها يوما، وقالت له: "أي بني عاهدني على الصدق"، فعاهدها الشافعي أن يكون الصدق له في الحياة مسلكاً ومنهاجاً.
أم الإمام أحمد بن حنبل.. مات زوجها محمد بن حنبل شابا في الثلاثين، وهي كانت دون الثلاثين، ورغم ذلك لم ترض بالزواج، وإنما أرادت أن تملأ على ولدها حياته حنانا وأنسا، فأهدت إلى دُنيا المؤمنين، وعالم الموحدين إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
والدة الإمـام البخـاري.. نشأ البخاري يتيمـا في كنف أمه، لتقوم بتربيته أفضل تربية، فتتعهده بالرعاية والدعاء وتدفعه للعلم والصلاح، وترحل به في سن السادسة عشر إلي مكة للحج، ثم تتركه هناك وترجع ليطلب العلم بلسان قومه، ليرجع البخاري أمير أهل الحديث، ذلك الذي يقول عنه أستاذه
: "ليس أحد أفضل منه!".
هذه أمثلة فقط، وما أكثر القصص التي تبين أن دين الإسلام دين يعتني بالمرأة، اعتنى بالمرأة عندما كان الغرب يعتبرها مخلوقا شريرا، أعطى المرأة حقوقها لما كان الغرب يسبلها حقها.. المسلمون ليسوا بحاجة إلى من يعلمهم كيف يكومون المرأة، وكيف يعطونها حقها، لأنهم لا ينطلقون في التعامل مع المرأة من مبادئ أرضية، ولا رغبات شهوانية، إنما ينطلقون من نصوص الشرع الحكيم، وهدي الإسلام القويم.
الخطبة الثانية
علمنا مما سبق أن المرأة هي ركن رئيس في بناء المجتمعات، وأدركنا اعتناء المسلمين قديما بموضوع المرأة، ولكن كما أن إصلاح المرأة والاعتناء بها هو سبب في الإصلاح، فإن إفساد المرأة هو من أهم أسباب الفساد، بل هو من أهم الأسباب التي تؤدي إلى تدمير المجتمعات، لذلك فقد عمل الغرب على إفساد نساء المسلمين، حتى يسهل عليه السيطرة على المسلمين، وحتى يبقوا المسلمين ضعفاء..
وقد اتبعوا في ذلك أساليب كثيرة، منها: 
محاولة تحريف وتغيير النظرة الصحيحة التي ينظرها المسلمون إلى المرأة، إلى النظرة الغربية للمرأة، التي تدعو إلى إعطائها حرية تتجاوز حدود الشريعة، وتدعو إلى ترك الأحكام الشرعية الإسلامية التي تتعلق بالمرأة.
ومن ذلك: حرصهم على نزع الحياء من قلوب بنات المسلمين.. لقد حرنت فاطمة يوما لأن النساء كن لما يمتن يحملن على خشب كالرجال، ويوضع عليها قطعة قماش، حرنت لذلك، واسحت أن تخرج بهذه الطريقة، مع أنها مستورة، ومع أن الميت لا تكليف عليه أصلا.. أي حياء هذا.. وأي حياء الذي ينزع من بناتنا في هذه الأيام.. مفسدون يحرضون البنات على الرقص والدبكة، على الخروج للركض في الماراثونات، في مناظر يتفطر لها القلب، وتدمع لها العين.
تزهيد في الحجاب الشرعي، وذلك عبر قولهم للمرأة: إن الحجاب حرية شخصية، وقرار شخصي.. يريدون بذلك أن يبعدوا عن فكر بناتنا أن الحجاب فريضة قرآنية ربانية.
هل سمعتهم بمثل هذه القصص التي مرت معنا أنها وضعت في المناهج، ودوس في المدارس، لتكون تلك النساء العظيات قدوات لبناتنا؟ لكن يدرسون بناتنا سيرة مثل هدى شعرواي التي خلعت الحجاب، ودعت إلى تحرير المرأة من الفضيلة.

إذا كانوا يظنون أنهم بهذه الطريقة يحمون المرأة فقد ضلوا الطريق.. ها هو الغرب يعاني الآن من طريقته الخاطئة في التعامل مع المرأة، في أمريكا امرأة تغتصب في ٩٨ ثانية.. لماذا؟ أليست أمريكا دولة متقدمة، ألم تصعد إلى القمر؟ أما نحن في بلادنا فلا نجد هذا، مع أننا على تقصير كبير في ديننا، السبب هو ديننا، السبب هو التشريعات العظيمة الإسلامية، التي بدأنا بتركها..

الجمعة، 26 أكتوبر 2018

دور الأخلاق في إصلاح المجتمع
عناصر الخطبة:
  • منزلة الأخلاق من دين الإسلام.
  • الأمانة.
  • العفة
  • الغرب والأخلاق.
(إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظم به إن الله كان سميعا بصيرا).
آية كريمة في سورة النحل، جاءت في سياق إبطال جملة من حجج المشركين، وفي سياق ذم الموازين والقيم التي يتحاكمون إليها.. إنها آية جمعت جملة من أهم المفاهيم والقيم الأخلاقية التي أمرنا الله ﷻ أن نعتني بها، وأن نجعلها منهجا لحياتنا.
لقد نزلت هذه الآية في حق كافر من الكفار، نزلت آمرة برد أمانة لشخص كافر في ذلك الوقت.. في فتح مكة، لما أراد النبي ﷺ أن يدخل الكعبة طلب مفتاحها من رجل اسمه عثمان بن طلحة الشيبي، وكان مفتاح الكعبة في عائلته يرثه الصغير عن الكبير، وبعدما انتهى النبي ﷺ من إزالة معالم الشرك من داخل الكعبة اقترح عليه بعض قرابته أن يبقي المفتاح في بني هاشم، فما كان من النبي ﷺ إلا أن أعاد المفتاح إلى صاحبه، ونزل قوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها).
إن الأخلاق لها دور عظيم وكبير في بناء شخصية الإنسان وفي بناء المجتمع الصالح.. صفة عظمية اتصف بها الأنبياء جميعا، يقول الله سبحانه عن إبراهيم (إن إبراهيم لحليم أواه منيب)، ويقول عن إسماعيل: (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا)، ويقول عن نبينا ﷺ: (وإنك لعلى خلق عظيم)، وتقول عن عائشة رضي الله عنها: كان خلقه القرآن، ويقول عن نفسه ﷺ: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
كل هذا يعلمنا أن الأخلاق ليست من الأمور الثانوية في هذا الدين، بل هو الأمور الأساسية فيه.. وهي كذلك أمر أساسي في بناء المجتمع المسلم الصالح.
ولنأخذ نموذجين فقط من الأخلاق التي لا غنى للمجتمع عنها، والتي يترك غيابها أثرا مدمرا على المجتمع.
المثال الأول: الأمانة.. وهي من أعظم الأخلاق التي تحفظ المجتمع.. هي من الأخلاق التي لا يقوم مجتمع بدونها، والأمانة مفهومها عام كبير، يشمل أمانة المسؤول في أداء أمانته، ويشمل قبل ذلك الأمانة في وضع كل إنسان في موضعه المناسب، ويشمل عدم الفساد المالي، وغير ذلك.
إن النبي ﷺ أخبرنا أن من علامات فساد الزمان ضياع الأمانة، فقد سأله يوما رجل: عن الساعة، فقال: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة». قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: «إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة».
وكلنا يعلم ويحس ويرى كم أثّر إسناد الأمر إلى غير أهله من أثر مدمر في حياتنا، وما ترتب على ذلك من الظلم وضياع الحقوق.
إن المسؤول إذا كان أمينا انعكس ذلك على رعيته، وقلل ذلك من الفساد بشكل كبير، وأما إذا كان الراعي فاسدا فإنه يكون قدوة سوء يقتدي بها كل مريض ضعيف الإيمان. 
عن ابن أبي نجيح قال: لما أتي عمر بتاج كسرى وسواريه جعل يُقلبه بعود في يده ويقول: والله إنَّ الذي أدَّى إلينا هذا لَأمين. فقال رجل: يا أمير المؤمنين أنتَ أمينُ الله يؤدُّون إليك ما أدَّيتَ إلى الله فإذا رَتَعْتَ رَتَعُوا. قالَ: صَدَقْتَ. وفي رواية: فقال له علي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين عَفَفْتَ فَعَفُّوا ولو رَتَعْتَ لَرَتَعُوا.
إن دعوات محاربة الفساد لا يمكن أن تكون مقنعة للناس إذا صدرت من لص سارق فاسد، ودعوات العدالة لا يمكن أن تسمع من ظالم مستأثر بالمال له ولمن يلوذ به.
مثال آخر، وهو العفة، هذه القيمة الأخلاقية العظمية، التي دعا الإسلام إليها، وذلك ليحفظ النسل البشري من الذهاب والانقراض، فالإنسان إذا وجد طريقا سهلا ليقضي شهوته لم يلتفت إلى تكوين أسرة، ينجب فيها أولادا ليحافظ عليهم، بل إنه يفضل أن يقضي وطره بدون تحمل تلك المسؤوليات والتكاليف، ولْنَنظر إلى حال الغرب لما انتشر فيهم الزنا وغيره من الفواحش، كيف زهدوا في الزواج حتى صارت مجتمعات يقل فيها الشباب المنتجون، ولولا استقبالهم للمهاجرين لانقرضت مجتمعاتهم مع مرور السنين.
لقد أمر الله سبحانه بالزواج ورغب فيه، فقال: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله).
ونهى عن الزنا فقال: (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا)، وجعله جريمة وشرع لذلك عقوبة معلومة مقدرة، ونهى عن مقدماته وما يؤدي إليه من المعاصي، فأمر المرأة بالحجاب، وأمر بغض البصر، ونهى الشرع عن الاختلاط المحرم.
إن العفة مكون أساسي من مكونات المجتمع المسلم، وعامل أساسي في قيام أي مجتمع، فلنتأمل في قصة موسى عليه الصلاة والسلام لما سقى لابنتي ذلك الرجل الصالح، لتنأمل كيف أن الفتاتين اعتزلتا حتى انتهى الرجال من السقي من الماء حتى سألهما موسى: (ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير)، تأملوا الأدب في الكلام، والإشارة إلى حاجتهما للمساعدة دون طلب مباشر، وتأملوا كيف وصف الله تعالى إحدى الفتاتين لما رجعت إلى موسى فقال: (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء).. الحياء ظاهر على مشيتها وعلى كلامها، وتأملوا كيف ذهب معها موسى حيث مشى أمامها، لأجل ذلك وصفت هذه الفتاة موسى عليه الصلاة والسلام بالقوي الأمين، فعرفت أنه قوي من خلال رفعه للصخرة وحده، وعلمت أنه أمين من خلال عفته في تعامله معهما.
ليست من الأمانة أبدا أن ندعو بناتنا لترك الحجاب الشرعي أو التساهل في شروطه، وليس من الأمانة أن نجرد بناتنا من الحياء بحجة أنها قوية كالرجل، وليس من الأمانة أن يقال لبناتنا إن الحجاب حرية شخصية، وليس من الأمانة تزهيد الشباب والفتيات بالزواج وتعسير أموره.
(إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فالذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون).
الخطبة الثانية
القيم الأخلاقية الكاملة لا يمكن إن تتحق إلا عن طريق الالتزام بالدين.. وكثير من الناس قد يغترون بالغرب من ناحية وجود قيم أخلاقية عندهم، ونحن لا ننكر وجود جانب من الأخلاق الحسنة عند الغربيين، ولكن نريد أن نبين أن المبالغة في هذا الأمر ليست بالأمر الحسن، فالغرب عندهم نقص كبير في هذا الجانب، بل عندهم من الخلل فيه ما هو كفيل بتدمير مجتمعاتهم مع مرور السنين، ومن أكثر ما يبين ذلك أنه لا يوجد عندهم مفهوم ثابت للأخلاق، بل الأخلاق عندهم تتغير بحسب الزمان، وتتغير بحسب المصالح المادية، وتتغير بحسب السياسات.
الغرب لم يجد غضاضة في تمرير التشريعات الرأسمالية التي خلقت طبقة عريضة من الفقراء والمشردين= لم يجد الغرب غضاضة في تمرير هذه التشريعات من تحت عباءة "الحرية" الواسعة.
بل لم تجد بعض دوله إشكالا في قتل الشعوب وتجويعها وتشريدها لأجل "المحافظة على مصالح" هذه الشعوب، أو لأجل الدفاع عن "حريتها".
وقبل ذلك في قضيتنا قضية فلسطين.. يطير بعضنا فرحا ويتغنى بأخلاق الغرب وإنسانيته إذا رأي منهم موقفا حييا أو مساعدة مادية، ولكن ما هي القيم الأخلاقية التي سمحت للغرب بالاعتراف بحق اليهود في هذه الأرض أصلا؟ هل تقبل أخلاق الغرب بتهجير شعب من أرضه ووضع شعب آخر مكانه؟ 

فلتنبه ولا نغتر بتلك الدعوات التي تحاول أن تجعل من الغرب قدرة لنا في الأخلاق، من أراد الأخلاق ليلرجع إلى النصوص الشرعية، فليرجع إلى تاريخ المسلمين ليرى فيه ما التعامل الأخلاقي الحق حتى مع الأعداء