الخميس، 26 أكتوبر 2017

وعد بلفور
عناصر الخطبة:
  • من أهم أسباب الظلم الواقع على المسلمين: عداوة الكفار للمسلمين، وحالة الضعف العامة.
  • الغزو الفكري وأثره في تطويع بعض المسلمين.

(ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)
في هذه الأيام تمر علينا ذكرى أكبر مهزلة في تاريخ البشرية المعاصر… لقد كان الناس يظنون أن الإنسان إذا لم يكن مالكا لشيء فإنه لا يحق له التصرف فيه، فلا يحق لك مثلا أن تبيع بيت جارك، أو أن تهديه لصديقك مثلا.. لقد كان هذا هو المعيار العقلي والديني الذي تتعامل به البشرية، حتى جاء وعد بلفور، وحتى جاء الكرم الإنجليزي ليعطي حقا في فلسطين لشرذمة عاثت فسادا في الكرة الأرضية، جاء هذا الكرم على حساب فلسطين..
ولكن لحظة.. هل هذه الحالة من قلب الموازين، والعبث بالعقل البشري حالة جديدة حقا؟ أم أنها قديمة؟ إذا تأملنا كتاب ربنا وجدنا أن هذه الحالة ضاربة في القدم.. ما من طاغية ولا ظالم ولا داع إلى الكفر والضلال إلا استخدم هذه الطريقة، ها هو فرعون الطاغية الكافر، يقول لقومه محذرا لهم من موسي عليه الصلاة والسلام: (إني أخاف أن يبدل دينكم أو يظهر في الأرض الفساد) مع أن فساد فرعون وظلمه وكفره لا يخفى على أحد. وها هم قوم لوط يقولون: (أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) فجعلوا الطهارة والعفة جريمة. بل ها هم كفار قريش يتعجبون من دعوة النبي ﷺ لهم إلى التوحيد فيقولون: (أجعل الآلهة إلها واحدا).. وهكذا في كل حين يظن الطغاة والظلمة أنهم بقوتهم وجبرتهم يمكن أن يستمروا بسلب الحقوق وخداع العقول.
ولكن إذا حاولنا أن نقف على سبب هذا الظلم الذي وقع علينا، وإذا نظرنا في نصوص الشرع فإننا سوف نجد أن هناك سببين رئيسين لمثل هذه الحالة من الهزيمة التي تتكرر كلما تكرر سببها: هذان السببان هما: عداوة الغرب الكافر للمسلمين، وحالة الضعف التي مرّ ويمر بها المسلمون.
ـ أما العداوة بيننا وبين أهل الكتاب من اليهود والنصارى فهي من الحقائق الشرعية والتاريخية التي لا يمكن لأحد أن يشكك فيها، لقد أخبرنا تعالى أن اليهود والنصارى لن يرضوا عنا حتى نترك ديننا ونتبع دينهم المحرف فقال: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)، وقال تعالى: (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء)، وقال: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا).
فهل بعد هذه الآيات التي تصرح بوجود العداوة بيننا وبينهم مقال، وهل هناك مقال بعد كل تلك الحروب التي جرت بيننا.. وهل بعد فلسطين والعراق وسوريا وأفغانستان وأراكان والصومال وغيرها.. هل بعد كل هذا الخراب الذي حل في بلاد المسلمين يكون هناك عذر لمن يريد أن يغمض عينيه عن هذه الحقيقة.. وهذا يوقفنا على أن عداوة الكفار لنا هي شيء حقيقي، وليس نظرية مؤامرة،وليست أوهاما كما يقول البعض.
- وأما السبب الثاني -وهو حالة ضعف المسلمين-، فإنه لما كان ذلك الحقد الصليبي لا يمكن أن يزول من قلوب الغرب على المسلمين، فإنهم يستغلون أي حالة ضعف يمر بها المسلمون، يستغلونها ليبعدوا المسلمين عن دينهم، ويستغلونها لقتل المسلمين واحتلال بلادهم. 
قال ﷺ: «تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها» قالوا: أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من صدور عدوكم منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن». قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: «حب الدنيا وكراهية الموت».
لقد استغل الكفار حالة بُعْد المسلمين عن دينهم، واستغلوا ضعفهم وانقضوا على بلاد المسلمين وتقاسموها، ونهبوا خيراتها، ثم وضعوا بينها ذلك الكيان السرطاني الخبيث.. نعم إنه خبيث، لقد ملؤوا الأرض فسادا ولا دولة لهم، فكيف وقد صارت لهم دولة، لقد أراد الغرب بإنشاء كيان اليهود على أرض المسلمين أن يضمن بقاء المسلمين ضفعاء بعيدين عن دينهم، تابعين لغيرهم.
عباد الله! فلنتأمل في هذا الحديث الذي وصف النبي ﷺ حالة ضعف المسلمين، وذكر لنا فيها أسباب هذا الضعف، لقد بين النبي ﷺ أن حالة الضعف في المسلمين في آخر الزمان ليست بسبب قلة العدد، فإنه ذكر أن عدد المسلمين كثير، ولكن الخلل في التربية على هذا الدين، هذه التربية الإيمانية التي تزرع العقيدة في القلوب، وتجبل النفوس على العزة والكرامة، وتجعل النصر وإعلاء كلمة الله تعالى غاية لا يقف في وجهها موت الأبطال، ولا فقد الأحباب، ولا فوات الدنيا، ولا قلة الطعام والشراب، تربية تجعل الدنيا مسخّرة لخدمة هذا الدين، ولا تجعلها غاية بحد ذاتها، تربية تَهون النفوس فيها لأجل إعلاء راية التوحيد، ورفع الظلم عن المظلومين.. لقد وصف النبي ﷺ عموم الأمة في ذلك الزمان بأنهم غثاء كغثاء السيل، وغثاء السيل لا قيمة له، فما هو إلا أمور لا حاجة لها تطفو على سطح الماء.. وغثاء السيل لا يعرف اتجاهه، فهو يسير مع السيل كيف سار.
ولكن لماذا يصل أحفاد أبي بكر وعمر إلى هذا الحال؟ لماذا يتردى نسل البطولة إلى هذا المستوى؟ السبب هو أنهم خالفوا طريق أجدادهم، وحادوا عن السبيل، قال عليه الصلاة والسلام مبيننا سبب ذلك: «ولينزعن الله المهابة من صدور عدوكم منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن» ثم فسر الوهن بأنه حب الدنيا وكراهية الموت.. وحب الدنيا سببه البعد عن الدين، والانفتان بدنيا الكفار، وترك الجهاد في سبيل الله.
هذا يعطينا درسا؛ وهو أن التمسك بالدين هو العامل الأساسي لتحصيل النصر، ولرفع الظلم، واسترداد الأرض والمقدسات، وأن الجهاد في سبيل الله تعالى هو ما يوفر العزة والكرامة للأمة، وهو الذي يخوف أعداءنا منا، ويجعلهم يكفون شرهم عنا ويحسبون لنا ألف حساب: (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المومنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا).
الخطبة الثانية:
فإن من من أهم مكايد الأعداء لتطويعنا: جعل بعض المسلمين ينظرون إلى الغرب على أنهم مخلصون منقذون، ويرون أن الاقتداء بالغرب والثقة بهم هي طريق النجاح.
وهذه النظرة لا تختلف كثيرا عن وعد بلفور، فهي قلب للموازين، وفهم للمعادلة بشكل معكوس، ولست أدري ما هو الفرق بالنسبة لنا بين دولة اليهود التي تحتل أرضنا، وبين دول أوروبا التي دعمت دولة اليهود، وشرعنت حقهم فيها، ودعمتهم بالسلاح والمال والسياسة، بل إنه لولا أوروبا وأمريكا لما كانت دولة اليهود.. إنهم لا ينتصرون إلا بمساعدة من غيرهم، كما قال تعالى: (ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس)، فما هو الفرق إذا بين التطبيع مع الغرب والتطبيع مع اليهود.
عباد الله! في بلاد فلسطين، وعلى أنغام وعد بلفور ينشأ جيل تطبيعي بامتياز، لا يحمل أي ممانعة تجاه ما يفرضه الغرب، وما يطلبه من تنازلات عن الدين والثقافة، وأول هذه التنازلات هو تحييد دين الإسلام من معادلة الصراع مع اليهود، وحصره في حالة قومية علمانية، لا ترى لدين الإسلام أي قيمة في تحرير فلسطين..
فهل هذا هو طريق النصر الموعود؟ هل يأتي النصر عن طريق تذويب ثقافة المسلمين في حضارة الغرب؟ هل يأتي النصر بالحفلات الغنائية؟ هل يأتي النصر بالدعوة إلى تحرير المرأة من الدين ومن الحجاب؟ هل يأتي النصر بإشاعة الاختلاط بين الشباب والبنات؟ هل من طريق التحرير أن نخرج شبابنا وبناتنا في رحلات ترفيهية مختلطة؟ وهل جعل المناهج الدراسية ألعوبة بيد الضائعين سيجعل أبناءنا بحال أفضل؟
دعوات لا تعرف إلا تقليد الغرب في كل شيء إلا فيما هو نافع.. هزيمة نفسية، لا تريد إلا دينا مهجنا متسامحا مع الظالم والمحتل..

عباد الله! هذه الأرض أرض ارتوت بدماء الصحابة، ارتوت بدماء أبطال المسلمين، وقبل ذلك فإنها تشرفت بأن وطئتها أقدام محمد ﷺ.. لا يحق لأحد، ولن يستطيع أحد أن يخرج دين الإسلام أو يهمشه من معادلة الصراع مع اليهود.. (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين).

الجمعة، 6 أكتوبر 2017

التبرج والاختلاط
الأسباب والعلاج
عناصر الخطبة:
  • أهمية مسألة الحجاب.
  • بعض أسباب انتشار التبرج.
  • بعض سبل محاربة هذه الظهارة.
(يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين)، الحجاب فريضة ربانية على نساء المسلمين، حصل فيها خلل كبير في هذا الزمان، وسنحاول أن نقف على بعض النقاط الرئيسة المتعلقة بهذا الموضوع.
إن المقصد الأساسي من الحجاب ومن كل عبادة هو الامتثال والتسليم لأمر الله تعالى وتحقيق العبودية له، وهذا الامتثال هو المعلم الأساسي من معالم شخصية المسلم والمسلمة، فالله تعالى أمر المرأة بالحجاب كما أمرها بالصلاة والصيام، لأنه يحب أن يرى امتثال النساء الصالحات لأوامره سبحانه، ثم إن الحجاب بعد ذلك له حكم وفوائد عظيمة تعود على المرأة والرجل وعلى المجتمع بأسره، فالحجاب الشرعي المتسوفي للشروط يحمي المرأة ويحمي المجتمع.. يحمی المرأة من أصحاب النفوس الضعيفة التي تتحين الفرصة للاعتداء أو الإيذاء بأي صورة من الصور، ويحمي المجتمع من شيوع الفواحش فيه.. وهذه الحكمة الربانية هي الحل العملي الوحيد الذي يضع حلا لمشاكل الأسرة والاغتصاب والتحرش، ومن نظر إلى معدلات الاغتصاب والتحرش في البلاد التي يشيع فيها العري، مع عدم قدرة تلك الدول المتقدمة ماديا على وضع لحد لهذه المشكلات التي توجب غضب الرب، وتهدم المجتمع= علم يقينا أن الإسلام قد أتي بالحل الجذري لهذه المشاكل.. وعلم يقينا أن مسألة الحجاب ليست من الأمور الثانوية أو الهامشية، بل هي من أهم الأمور التي ينبغي أن تُلفت إليها الأنظار وتوجه لأجلها الجهود، إنها مسألة تجلب غضب الرب، وفساد المجتمع، إنها ليست مسألة هامشية عند المصلحين.. وهي كذلك ليست مسألة هامشية عند المفسدين، ومن تأمل حرص الكفار على محاربة الحجاب ومفاهيم قوامة الرجل على المرأة وحرمة الاختلاط ونحو ذلك.. ومن تأمل تصنيفهم للناس والدول بالتشدد أو الاعتدال، بحسب مواقفهم من ملف المرأة =علم أن موضوع المرأة عندهم هو من الأمور الرئيسية، التي لا "تسامح" فيها، ولا "قبول فيها للآخر"، فإفساد المرأة يسهل عندهم إفساد المسلمين جميعا. 
إن مسألة فرضية الحجاب وحرمة الاختلاط بين الرجال والنساء ليست من المسائل التي فيها أخذ ورد في الإسلام، بل نصوص الكتاب والسنة حسمت هذه المسألة، ولم تجعلها محلا لتبادل وجهات النظر، ومن هذه النصوص قوله تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين)، وقال: (ولا يبدين زينتهن إلاما ظهر منها)، وقال: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى)، وقال: (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب).. لقد قصدت الشرعة من الحجاب أن تستر زينة المرأة ومفاتنها عن أعين الرجال.. هذا هو مقصد الحجاب ستر الزينة وليس إظهار الزينة، وذلك للحكم التي ذكرنا بعضها، إلا أننا في زماننا قد صرنا نرى التساهل في الحجاب والاختلاط، ومن صور هذا التساهل: التساهل في شروط الحجاب الشرعي، فقد تلاعب كثير من الناس بصفة الحجاب حتى جعلوه زينة بدل أن يكون لستر الزينة، ومن ذلك: انتشار الجلابيب الضيقة التي تفصل معالم الجسم، وانتشار الملابس المزخرفة الملونة، ولبس البنطال،  والتأخر في لبس الجلباب بزعم صغر سن الفتاة، ووضع المكياج عند الخروج، وكثرة الخروج إلى الأسواق، والتساهل في ستر العورات في الصالات والأفراح، إلى غير ذلك من صور الخلل. 
ومرادنا هنا أن نحاول التعرف على بعض الأسباب التي أدت بنا إلى هذه الحال.
فأول هذه الأسباب: ضعف الوازع الديني الذي يحمل المرأة على الالتزام بأوامر الله سبحانه، فالتقوى ومخافة الله ﷻ كفيلة بأن ترد أي إنسان إلى رشده وتعيده إلى الطرق الصحيح.
ومن هذه الأسباب: الجهل بأهمية الحجاب، والحكمة من تشريعة، فكثير من النساء لا يعرفن أن الحجاب فريضة عليهن كالصلاة، ولا يدركن أهمية ذلك لهن وللمجتمع، فالحجاب عند كثير من النساء لا يعدو أن يكون عادة أو إجبارا ترتديه بالحد الأدنى لتتخلص من كلام المصلحين في إنكار التبرج.
ومن هذه الأسباب: الغزو الفكري.. لقد عاشت أمة الإسلام عصورا ودهورا تحافظ على حجاب نسائها، حتى جاء الاستعمار فأكل خيرات بلاد المسلمين واحتل بلادهم، إلا أن الاستعمار كان له دور فيما هو أعظم من تخريب الديار.. لقد عمل على تنحية الشريعة من حياة الناس، وعمل على تغيير معالم هذا الدين الذي أذل الكافرين، هذا الدين الذي كانت له دولة يدفعون لها الجزية ويحسبون لها ألف حساب، لقد عملوا على تغيير معالم الإسلام في شتى المجالات، ابتداء من تغيير الحكم بالشريعة، إلى العبث بمفهوم الجهاد والغاية منه، إلى إضعاف الصفة الجامعة بين المسلمين جميعا واستبدالها بروابط أخرى كالقومية والوطنية، إلى غير ذلك من معالم الإفساد.. وملف المرأة كان له أهمية كبيرة عندهم، فحرصوا على إنشاء الجمعيات، وصنع الشخصيات والأبواق، وعلى شراء الأقلام الرخيصة في سبيل تحرير المرأة من أحكام الإسلام.. لقد عملوا بخبث ودهاء وصبر، حتى لا يتصادموا بشكل مباشر مع المسلمين، ولقد نجحوا بكل أسف في ذلك مع كثير من المسلمين، فنشروا التبرج في كثير من البلاد، وأشاعوا فيها الاختلاط والفواحش تحت شعارات التحرر والتقدم والرقي والحضارة، حتى راجت بضاعتهم على كثير من الناس بحسن نية.. لقد صار مألوفا أن تسمع من الفتيات أن الحجاب حرية شخصية، أو أنها غير مقتنعة به.. إلى غير ذلك من الكلمات التي فيها الإنكار الضمني لكون الحجاب فريضة ربنانية من عند الله تبارك وتعالى.. لقد عملت المسلسلات ووسائل الإعلام الباحثة عن الرزق، والجمعيات التغريبية ومثقفو البلاط على بث تلك المفاهيم بين الناس.
ومن هذه الأسباب: غياب الحياء.. ويحضرني هنا موقف عظيم، موقف يقف الإنسان أمامه حائرا متأملا.. فاطمة رضي الله عنها تمرض، فتأتي أسماء بنت عميس تزورها وتحدثها، فتقول فاطمة: والله إنّي لأستحي أن أخرج عند الرجال في وضح النهار ليس عليّ إلا الكفن!! لأن النعوش لم يكن لها جوانب تستر الميت عن الأعين، تستحي وهي ميتة وعليها ثلاثة أكفان أو أكثر… بعدما مات عمر رضي الله عنه ودفن في حجرة عائشة مع صاحبيه قالت عائشة رضي الله عنها: والله ما دخلت إلا وأنا مشدود علي ثيابي حياء من عمر… مشية فتاة صالحة ينزل قرآن يتلى إلى يوم القيامة يصف لنا كيف مشت تلك الفتاة، إنها فتاة صالحة ابنة الرجل الصالح تأتي إلى موسى عليه الصلاة والسلام لتوصل له دعوة أبيها له، يقول الله تعالى في ذلك: (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء)، إن حياء المرأة عند العلمانيين ليس مهما، بل هو عندهم عيب وخلل وعقدة نفسية، يحرصون على تخليص فتياتنا منه، لكننا لو تأملنا في حكمة ذكر هذا التفصيل الدقيق أثناء ذكر تلك القصة ذات الأحداث الرئيسية الكثيرة= علمنا أن الحياء وبخاصة في النساء هو من الأمور التي دعت إليها كل الشرائع وعظمتها. 
إن المسلسلات الهابطة ومناهجنا الدراسية وكثيرا من الجمعيات التغريبية قد نجحت في نزع الحياء عن كثير من الفتيات عن طريق عرض النماذج السيئة من النساء على أنهن قدوات يقتدى بهن، أيعلم أبناؤنا وبناتنا سيرة حياة أمثال هدى شعراوي.. نزعوا عنها الحياء من خلال بث بعض المصطلحات البراقة التي تخدع العقول: كحرية المرأة، وتمكين المرأة، قالوا لها: ثقي بنفسك فأنت قوية، لا تخافي من زميلك، لستِ بحاجة إلى الحجاب لتحمي نفسك، ولست بحاجة إلى الجلباب لتكوني ملتزمة بدينك إلى آخر تلك القيم الهابطة، التي يبثونها عمليا بين فتياتنا من خلال تلك الدورات التدريبية التي تغري الكثيرين.
ومن هذه الأسباب: غياب دور الأهل: فالأهل هم الحاضنة الأولى التي تربي وتزرع، وبتني وتنشيء، وغياب دورهم في التعليم والتثقيف بل والإلزام بالجلباب له دور كبير في فشو هذه الظاهرة، وهو إثم كبير قبل ذلك.
ومن هذه الأسباب: المناهج الدراسية: فدور المناهج في بث الثقافة بين الأجيال الناشئة دور لا ينكره أحد، وبما أننا مسلمون فالواجب علينا أن تعالج منهاجنا الدراسية هذا الأمر من خلال بث قيم الحياء والفضيلة في نفوس البنات وتربيتهن على ذلك، والواجب أن تبين مناهجنا أهمية الحجاب وكونه فريضة ربانية على كل مسلمة، ولا شك أن خلوها من ذلك هو خلل كبير فيها، فكيف إذا كان الحال عكس ذلك، كيف إذا كان الحال أن المناهج توحي إلى فتياتنا بالتوجه إلى التبرج بطرق غير مباشرة.
ومن هذه الأسباب: الزي المدرسي: ففرض زي مدرسي مخالف للشريعة على الفتيات البالغات من أهم عوامل انتشار التبرج، وذلك لأن الزي المدرسي له قبول عند كثير من الناس لما فيه من الرسمية، وأكثر الناس -وللأسف- يتابعون ما يملى عليهم من دون تفكر في حِل أو حرمة ذلك، كما أن التزام الفتاة البالغة بالزي المدرسي يهون في عينها خطر التبرج، ويهون عليها الالتزام بشروط الحجاب، فإذا انتهت من المرحلة المدرسية لم يكن من السهل عليها أن تلبس الجلباب الشرعي. 
ومن أعظم هذه الأسباب: التقليد الأعمى: وهو البلاء العظيم، وهو من أشد الأسباب التي تحمل فتياتنا على عدم الالتزام بشروط الحجاب.. هناك كثير من الفتيات يعرفن شروط الحجاب، ويعرفن مخالفة أكثر الملابس الموجودة لصفة الجلباب الشرعي، لكن يشق عليها أن تخالف صفة ملابس صديقاتها وجاراتها.. لقد عم البلاء، وصار لبس الجلباب الشرعي المستوفي للشروط أمرا نادرا، بل قد يكون وضعا غريبا عند كثير من الناس.. والواجب علينا هنا عباد الله أن نعلم بناتنا أن الصواب ليس دائما في فعل أكثر الناس، وأن الله تعالى لا يعذر من يترك الطاعة حرصا على رضا الناس، أو خوفا من ذمهم، بل ذلك سبب للإثم والخسارة في الدنيا والآخرة، قال ﷺ: «من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عليه وأرضى عنه الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخظ عليه الناس».. فالواجب أن نعظ بناتنا، وأن نذكرهن بأهمية طاعة الله تعالى، وعقوبة المعصية، وأن نبين لهن خطر التبرج والاختلاط على الدين وعلى المجتمع. 

الثانية
إذا علمنا أسباب هذه الظاهرة فالوجب علينا أن نعالجها بمحاربة أسبابها: فلنعلم بناتنا أهمية الحجاب، وأنه فريضة ربنانية تجلب رضا الرب وصلاح المجتمع.. فنعلمهن أن الغرب وثقافته ليست قدوة لنا، وإن ديننا فيه كل يصلح حالنا في الدنيا والاخرة.. فلنغرس فيهن الحياء منذ الصغر، فالحياء كفيل بأن يجعل الفتاة تبادر إلى الجباب قبل أ نيطلب منها أحد ذلك.. فلنحارب مشاهدة المسلسلات والقنوات الهابطة التي تبث القيم الفاسدة بين المسلمين.. فلنلبسهن الجلباب الشرعي عند الذهاب إلى المدرسة، ولنقل لا للزي المدرسي المخالف للحجاب.. فلنعمهن أن الله تعالى سيسأل كل فرد منا عن عمله، ولن ينفعه تلقيد غيره، ولن يشفع له عند الله.

هذه عباد الله أمانة، كل منا سيُسأل عن زوجته وبناته، وهذا ليس بالأمر الهين اليسير، بل هو شأن عظيم عظيم عند الله تبارك وتعالى، (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون).