إحسان العبادات في رمضان
عناصر الخطبة:
- أهمية استغلال شهر رمضان.
- معنى الإحسان.
- من صور الإحسان في رمضان.
(وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)
لقد من الله سبحانه وتعالى علينا فشهدنا هذا الشهر العظيم، هذا الشهر الذي تضاعف فيه الأجور، وتحط فيه الخطايا، وتعتق الرقاب من النار، هذا الشهر الذي تنزل فيه الرحمات، وتكثر فيه الهبات والخيرات.. وإن المؤمن ينبغي له أن يستغل هذا الشهر أحسن استغلال، فيملأ وقته ويعمره بالطاعات والقربات.
وإن النبي ﷺ أرشدنا إلى طريقة إذا اتبعناها في عباداتنا فإننا ننال خيرا كثيرا، ونحصّل أجرا عظيما.. أرشدنا إلى الإحسان في عبادة الله ﷻ، هذا المقام الذي تنافس فيه الصالحون، وسعى إليه المتقون، هذا المقام الذي يجعل العبد يبلغ الدرجات عند الله سبحانه، هذا المقام الذي يرقق القلب، ويجعل العبد يأتي بالعبادة على الطريقة المشروعة الصحيحة.
دخل جبريل على النبي ﷺ في صورة رجل فسألة أسئلة عدة، فكان من أسئلته أنه سأله عن الإسلام، والإيمان، والإحسان.. وهي مقامات من مقامات هذا الدين، ومقام الإحسان أعلاها، لا يأتي به كل من هو في دائرة الإسلام والإيمان، بل يفوز به من ارتقى في مقام العبودية، وتوجه بكليته إلى الله سبحانه وتعالى.
وقد جاء ذكر الإحسان في كتاب الله تعالى في مواضع منها قوله تعالى: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ). وقال تعالى: (وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ).
والكلام هنا ليس عن الإحسان إلى الناس في المعاملة، أو الإحسان بالمال للأهل والفقراء.. وهما من أعظم القربات، إنما الكلام هنا عن نوع آخر من الإحسان، وهو الإحسان في عبادة الله سبحانه وتعالى، وقد فسره النبي ﷺ بقوله: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
ومدار معنى الإحسان في العبادة على إيقاع العبادة على أحسن وجه وأكمله، إخلاصا لله تعالى، وبعدا عن الرياء، وخشوعا وخضوعا، ومتابعة للسنة، ومجانبة للبدعة... قال أهل العلم: إن النبي ﷺ ذكر للإحسان مرتبتين: مرتبة عليا، ومرتبة أقل منها، فمن لم يستطع تحقيق الإحسان عن طريق المرتبة العليا، انتقل إلى المرتبة الأخرى.
والمراد بقوله: «أن تعبد الله كأنك تراه» أن تعبد الله وكأنك تنظر إليه جل وعلا، مستحضرا قربه ومعيته، وأنك بين يديه كأنك تنظر إليه، فإذا استحضر العبد هذا المعنى حصل له الخشية والتعظيم لله تعالى، كما جاء في رواية أخرى للحديث: «أن تخشى الله كأنك تراه».. وهذا الأمر موجب كذلك لإتقان العبادة غاية الإتقان، ويوجب المحبة والشوق للقائه سبحانه.
فإن لم يستطع العبد الإتيان بهذا المقام فإنه يستطيع أن يحقق الإحسان في العبادة عن طريق المقام الآخر، وهو أن يعبد الله مستحضرا نظر الله تعالى إليه، وهذا موجب للخوف والرهبة منه سبحانه، فإذا فعل ذلك سهل عليه الانتقال إلى المرتبة العليا.
إذا علمتم هذا عباد الله، فاعلموا أن شهر رمضان من أولى الشهور التي ينبغي أن يحرص المسلم على الإحسان فيها، وذلك لاجتماع طاعات كثيرة في هذا الشهر الفضيل.. من صيام، وقيام، وصدقة، وقراءة قرآن وذكر لله تعالى، فالمحسن والمفلح هو الذي يحسن استغلال هذا الشهر فيوقعُ فيه العباداتِ على أكمل وجه، والخاسر هو الذي يفرط ويضيع، ويأتي بالعبادات على سبيل التخلص منها، وعلى أنها حمل يلقيه عن كاهله.
فمن صور الإحسان في العبادات في هذا الشهر المبارك:
الإحسان في الصيام: ويكون بأمور، منها: الإيمان والاحتساب في الصيام، كما قال النبي ﷺ: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»، أي من صام رمضان مؤمنا بوجوبه عليه، وأن الصيام فرض على كل مسلم مكلف به، وليس حرية شخصية، فيصوم المسلم إيمانا وطاعة، لا مجاراة للناس أو خوفا منهم.
أما الاحتساب، فهو أن يستحضر المسلم أجر الصيام أثناء صيامه، ويستحضر النصوص الشرعية التي جاء فيها ذكر أجر الصائم عند الله تعالى، كقوله عليه الصلاة والسلام: «من صام يوما في سبيل الله بعد الله وجهه عن الناس سبعين خريفا»، وكقوله عليه الصلاة والسلام: «للصائم فرحتان، فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه»… إلى غير ذلك من النصوص الواردة في فضل الصيام.. إذا فعل العبد ذلك حصل له استحضار القُرب من الله تعالى، وشعر بلذة العبادة، وحلاوة الإيمان.
والاحتساب مقام عظيم من مقامات العبادة، ينبغي للعبد أن يحرص عليه في كل عبادة يفعلها، ولأهمية هذا الأمر قال فيه النبي ﷺ: «لا أجر لمن لا حسبة له».
ومن صام إيمانا واحتسابا فإنه لا يظهر التثاقل عن الصيام، ولا يظهر ضيق النفس بدخول شهر رمضان، ولا يتمنى مروره سريعا.
ومن الإحسان في الصيام كذلك: صون اللسان والجوارح عن إيذاء الناس، فيحبس لسانه عن الغيبة والنميمة، والسب والشتم، ويحبس يده عن الضرب والاعتداء والظلم.. وقد قال النبي ﷺ: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يسخب، فإن سابه أحد أو شاتمه أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم»، فإذا كان عليه الصلاة والسلام قد نهى عن رد الإساءة بمثلها، فكيف بالابتداء بها!
ومن الإحسان في الصيام: عدم نشر الفساد في هذا الشهر الفضيل، كما تفعله بعض قنوات العهر والفجور العربية، التي لا تقتصر على نشر الشهوات وكشف العورات في هذا الشهر الفضيل، بل تستغل هذا الشهر لتشويه الدين وثوابت الشريعة، ولترسخ في الناس مفاهيم الدين الممسوخ الذي يريده الغرب، ويعمل على بثه بين المسلمين.
وقانا الله شرهم، وجنبنا طريقهم…
الخطبة الثانية
فمن صور الإحسان في أداء الصلوات المفروضة في رمضان وغيره، صلاتها جماعة في المسجد، مع الخشوع والخضوع، ومراعاة آداب المسجد، والحرصُ على عدم التشويش على المصلين، وَمِمَّا يتعلق بهذا الحرص على الصلاة في وقتها دون تقديم أو تأخير، فلا يؤخر صلاة المغرب إلى أن تظهر النجوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك.
ومن الإحسان في قيام الليل في شهر رمضان، قيام رمضان إيمانا واحتسابا، كما قال عليه الصلاة والسلام: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»، وتقدم معنا معنى الإيمان والاحتساب.
ومن الإحسان في القيام، الحرص على الخشوع فيها، وإتمام ركوعها وسجودها، والتأني فيها، بل وإطالتها قدر المستطاع.. وليحرص على أن لا يكون قيامه لليل سببا في فوات صلاة الفجر مع الجماعة.
ومن الإحسان في تلاوة القرآن الحرص على الإكثار منها، وبخاصة في العشر الأواخر من رمضان، والقراءة بتفكر وتدبر، كما قال تعالى: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب).
ومن الإحسان في أداء الزكاة والصدقة إخراجها بطيب نفس، وعدم البخل بها، وعدم المن بها على الفقير، قال تعالى: (يأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق