الجمعة، 31 مارس 2017


"عيد الفصح"
(بمناسبة فرض عطلة رسمية بمناسبة عيد الفصح في فلسطين)
عانصر الخطبة:
بيان طغيان بني إسرائيل وتحريفهم لدينهم.
أصل عيد الفصح.
حرمة فرض عطلة رسمية بهذه المناسبة.
بيان منطلق العلمانيين في هذه المسألة.

﴿وَاتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذي آتَيناهُ آياتِنا فَانسَلَخَ مِنها فَأَتبَعَهُ الشَّيطانُ فَكانَ مِنَ الغاوينَ . وَلَو شِئنا لَرَفَعناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخلَدَ إِلَى الأَرضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلبِ إِن تَحمِل عَلَيهِ يَلهَث أَو تَترُكهُ يَلهَث ذلِكَ مَثَلُ القَومِ الَّذينَ كَذَّبوا بِآياتِنا فَاقصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرونَ ﴾.
هذه الآية الكريمة من سورة الأعراف، ذكرها الله سبحانه بعد حديث طويل عن بني إسرائيل، استغرق ثمان وستين آية، ذكر الله سبحانه وتعالى فيها كثيرا من صور عتو وطغيان بني إسرائيل، وتمردهم على أوامر الله تعالى، بين فيها كفرانهم للنعم الكثيرة التي أنعمها الله تعالى عليهم، بين عدم انتفاعهم بالعلم، وأن العلم كان سببا في طغيانهم وسقوطهم في مهاوي الدركات لأنه لم يلاق نفوسا زكية وقلوبا طاهرة، كان العلم الذي أنزل إليهم سببا في تفرقهم، كما قال تعالى: (وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة)… لقد استغل علماؤهم نصوص التوراة والإنجيل لتحريف دين التوحيد الذي أنزل إلى أنبيائهم، استغلوها لوصف الله سبحانه بالنقائص، ولتحريف العقيدة لتصبح مجموعة من الغزعبلات الوثنية، التي لا توافق عقلا ولا فطرة، ولذلك فقد ضرب الله تعالى لهم مثلا -بعد أن ذكَر كلَّ هذا عنهم- ضرب لهم مثلا برجل منهم كان عالما فلم ينفعه علمه بل ضره، لأنه لم يراع حق الله تعالى فيه، فضَلَّ وكفر، وقد شبهه الله سبحانه بالكلب الذي يلهث سواء زجرناه أو تركناه، فكذلك هذا الرجل لم ينفعه العلم لا حال كونه مؤمنا، ولا حال كونه كافرا ليرده عن غيه.
هذه الصورة عباد الله! صورة تكرر في كل وقت، فمن هذا ما حدث عند النصارى من تحريف دينهم، على أيدي علمائهم وملوكهم، وكان للقوة والمال دور كبير في تحريف دينهم، وقد أشار الله سبحانه إلى أثر المال والحرص على الدنيا في تحريف دين النصارى في آيات، منها قوله تعالى: (وإذ أخذنا ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثما قليلا فبئس ما يشترون)، ومن ضمن تلك العقائد الوثنية التي تسربت إليهم أنهم اعتقدوا أن المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام له نصيب من صفات الألوهية والربوبية، وأنه ابن الله تعالى، ثم لما حاول اليهود قتله رفعه الله تعالى إليه، وقتَل اليهودُ رجلا يشبهه، فقالوا: إن الرب قدم ولده قربانا ليحمل خطايا البشر، فأتوا بعقيدة تشمئز منها كل نفس فيها تعظيم لله تعالى، ادعوا لله ولدا، ثم ادعوا أنه ترك ولده ليقتله اليهود، فمات ابن الرب عندهم، مات الإله الذي يعبدونه، ووضع في القبر، وأغلق قبره عليه، ثم ادعوا أنه قام من قبره يوم الأحد، بعد ثلاثة أيام من موته، وهذا ما يسمونه بالقيامة، أي قيام المسيح من قبره، والنصارى يحتفلون بهذه المناسبة من كل عام، ويسمون هذا العيد بعيد الفصح، أو القيامة، وهو أعظم وأهم أعياد النصارى.
وكما رأينا عباد الله! فهذا العيد -كعيد الميلاد- مرتبط ارتباطا شديدا بتلك العقائد الوثنية المحرفة، التي وضعها لهم رهبانهم وملوكهم، وهي عقيدة تصادم الإسلام مصادمة تامة، بل جاءت آيات القرآن صريحة وواضحة في إبطال هذه العقيدة وردها وبيان زيفها وفسادها، فالله سبحانه وتعالى أخبرنا -ابتداء- أن المسيح عيسى ابن مريم ما هو إلا بشر، وأنه ليس له من صفات الألوهية أو الربوبية نصيب، فأبطل أصل عقيدة القيامة التي يزعمون، ومن هذه الآيات التي تبين ذلك قوله تعالى: (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كان يأكلان الطعام)، فهل هناك إله يأكل الطعام؟ وهل هناك إله يعتريه ما يعتري البشر بعد أن يأكل الطعام؟ هل هناك إله ينزل من بطن امرأة، ضعيفا صارخا باكيا، قد لوثته الدماء؟ هل هناك إله يرضع من ثدي أمه؟ إنها عقيدة ظاهرة البطلان، عقيدة بالغة في الكقر غايته، ولذلك فإن الله سبحانه لم يكتف ببيان بطلان هذه العقيدة بل كفر كل من يقول بها فقال: (لقد كفر الدين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم)، (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة)، فهذا الأساس الذي قامت عليه عقيدة القيامة قد أبطله الله تعالى، لكن هل اكتفى القرآن بذلك؟ لا. بل نص على بطلان عقيدة الصلب وقتلِ المسيح أصلا، في آيات واضحة من القرآن فقال: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم)، لست أدري أي عقول هذه التي تعتقد أن الإله يضرب ويجلد، ثم يرفع على خشبة، ثم تدق المسامير في يديه ليثبت على الصليب، ثم يموت معذبا شيئا فشيئا؟ إذا كان أحدنا لا يرضى لنفسه أن يموت هذه الميتة فكيف رضوا بها لإلههم؟ ألم يكن قادرا على إنقاذ نفسه؟ لكنها خزعبلات بني آدم، قد دخلت في دين النصارى حتى صار دينا وثنيا بامتياز.
ولقد من الله تعالى علينا بدين الإسلام، وهدانا إلى العقيدة الصافية النقية، الخالية من تدخل بني آدم فيها، عقيدة أنزلت من فوق سبع سماوات، أنزلت على قلب محمد ﷺ، فبلغها كما هي، ولا تزال كما هي، وستبقى كما هي، ولو كره الكافرون.
إن نعمة الإسلام هي أكبر نعمة، وأجل عطاء أعطانا الله إياه، أبعد أن أنقذنا الله تعالى من الهلاك نقابل نعمة الله تعالى بالجحود والكفران، هل نقابل نعمة الله تعالى علينا بهذه العقيدة الصافية بأن نحتفل بأعياد النصارى وغيرهم من الكفار، أيحتفل المسلمون بأعياد النصارى وتفرض عليهم عطلة رسمية بمناسبة ما يسمى بعيد الفصح في بلاد مباركة، في بلاد وطئتها قدما محمد ﷺ، في بلاد فتحها عمر بن الخطاب، في بلاد ارتوت من دماء الشهداء.
لا أظن أن فرح الصليبيين لما احتلوا بيت المقدس سيكون أشد من فرح النصارى في هذا الزمان، وهم يرون أحفادَ عمرَ بنِ الخطاب، وأبي عبيدة، وصلاحِ الدين يحتفلون بعيد الميلاد وعيد الفصح.
﴿وَلَقَد ذَرَأنا لِجَهَنَّمَ كَثيرًا مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ لَهُم قُلوبٌ لا يَفقَهونَ بِها وَلَهُم أَعيُنٌ لا يُبصِرونَ بِها وَلَهُم آذانٌ لا يَسمَعونَ بِها أُولئِكَ كَالأَنعامِ بَل هُم أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الغافِلونَ﴾

الثانية
فإن بلادنا هذه بلاد مسلمة منذ أن فتحها المسلمون، أهلها مسلمون، المسلمون هم أصحاب الحق في هذه البلاد شاء من شاء وأبي من أبى، قد عاش النصارى بل واليهود فيها كأهل ذمة، قد حمى المسلمون دماءهم وأموالهم فعاشوا في أمان، لكن لم يكن ليُسمح لهم بإظهار شعائر دينهم ولا رفع صلبانهم، وهذا ما شرطه عليهم عمر في العهدة العمرية.
لكن العلمانيين لا يرضون بهذه النظرة الإسلامية، بل يريدونه حكما علمانيا لا يفرق بين الديانات، ويقف من الأديان على مسافة واحدة، يقول أهل الباطل: بما أن المسلمين لهم مناسبات تكون فيها عطل رسمية، فكذلك لغيرهم من الأقليات الحق في أن تكون أعيادهم عطلا رسمية… وهذه النظرة قائمة على أن الأديان بالنسبة للدولة شيء واحد، ليس فيها دين حق ودين باطل، الإسلام كغيره من الديانات الباطلة… وهذه عقيدة كفرية عباد الله، لا شك في كفر معتنقها عند جميع طوائف المسلمين، وقد قال الله تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام)، وقال: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه).
أما إن قالوا: نحن نفرض العطلة بهذه المناسبة على المسلمين من باب التسامح الديني، فهذا باطل كذلك، فالتسامح لا يكون في العقيدة، التسامح لا يكون بأن نحتفل بعيد مرتبط بعقيدة باطلة، ثم لو سلمنا بجواز هذا التسامح المزعوم فإن التسامح أمر اختياري، فكيف يفرض علينا أن تنسامح ونعطل في هذه المناسبة.
وهل إذا نشأ في بلادنا طوائف وأديان أخرى تريد أن تحتفل بأعيادنا سنفرض عطلة على المسلمين أيضا، فإذا نشأ في بلادنا طائفة بوذية مثلا، فهل سيفرضون علينا أن نحتفل معهم بميلاد بوذا من باب التسامح.. هذا لازم مذهبهم، وهل إذا نشأ في بلادنا ملاحدة فهل يا ترى سنحتفل معهم بعيد ميلاد داروين…
إنه نفق مظلم لا نهاية له، تخبط لا يخرج منه إلا التمسك والاعتزاز بهذا الدين… (يريدون أن يطفؤوا نور الله …)


الجمعة، 3 مارس 2017


مكانة المرأة في الإسلام

عناصر الخطبة:
المرأة قبل الإسلام.
المرأة في الإسلام.
المرأة عند الغرب.

عمل الجمعيات التغريبية في فلسطين.

(من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)
آية كريمة في كتاب الله سبحانه، نزلت لتبين أمرا عظيما خطيرا، آية فيها بيان حقيقة مكانة المرأة في الإسلام، نزلت هذه الآية، وجاءت بقية شرائع الإسلام لترفع عهودا من الظلم والقهر كانت تعانيه المرأة قبل الإسلام. 
عانت المرأة قبل الإسلام، وظلمت في الثقافات والأديان السابقة ظلما كبيرا، عانت من حط مكانتها كإنسان، وعانت من ظلم وسوء في المعاملة، وعانت من أكل حقوقها المالية… وإننا إذا نظرنا نظرة سريعة في بعض النصوص الموجودة في في بعض الكتب كالموجودة في التوراة والإنجيل، وكالنصوص المنقولة عن فلاسفة اليونان لنرى ذلك بجلاء، فليس غريبا عندهم اعتبار المرأة نوعا من الشر الشياطين، بل إن كثيرا منهم لم يعتبرها أهلا للتكليف والثواب والعقاب.
ولأجل كل هذا الظلم فقد ظهرت ردات فعل في الغرب، رأت أن سبب الظلم الذي تتعرض له المرأة عندهم هو صراع كوني بين المرأة والرجل، مع أن السبب الحقيقي للظلم الذي تعرضت له المرأة عندهم هو تلك الأديان المحرفة، وتلك النفوس المريضة،  وتلك الأفكار البعيدة عن شريعة رب العالمين… أرادوا أن يعطوا المرأة حقها، فما كان منهم إلا أن تطرفوا في ردة فعلهم. ولما كانت شرائعهم المحرفة لا تخدمهم في هذا الأمر، توصلت عقولهم إلى اختراع ساذج، دمر البشرية وسيستمر في تدميرها، هذا الاختراع هو: مساواة الرجل بالمرأة في كل شيء، ولا يخفى على عاقل أننا إذا أردنا أن نسوي بين شيئين في كل شيء فلا بد أن تكون صفاتهما واحدة، وقدراتهما واحدة، فإذا لم يتوفر هذا الشرط فالمساواة هنا هي عين الظلم. 
عباد الله! لقد بزع فجر الإسلام على ظلام دامس كانت تعاني منه البشرية في كل نواحي الحياة، فأصلح حياة الناس في كل النواحي، وأصلح حال المرأة وصحح أوضاعها، ورفع مكانتها، وكان منهج الإسلام في ذلك هو العدل لا المساواة التامة في كل شيء، فإذا كان العدل في تقديم الرجل على المرأة أمر به الإسلام، وإذا كان العدل في تقديم المرأة على الرجل أمر به الإسلام، وإذا كان العدل في التسوية بينهما فقد أمر به الإسلام، فالإسلام نظر إلى صفات وطبيعة تكوين الرجل والمرأة، من حيث الجسم، والقوة، والعقل، والقدرة على التحمل، ومدى وجود الواجبات والأعباء، ثم أعطى كل ذي حق حقه على هذا الأساس.
فقدم الرجل فأعطاه حق الولاية على المرأة في الزواج مثلا لأن عنده من القوة على الكسب والعمل ما ليس عند المرأة، ولأن عنده من القدرة في التحكم بعواطفه وقراراته ما ليس عند المرأة.
وقدم المرأة على الرجل في حق حضانة الأطفال لأن عندها من الرحمة والعطف ما يعينها على القيام بحقهم.
وأمر كلا من الرجل والمرأة بستر عوراتهم بما يتناسب مع طبيعة كل منهما، وبما يقطع باب الفتنة والشهوات، كما قال تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) وليس من باب التمييز ضد المرأة كما يقوله دعاة محاربة الذكورية.
ولما كان الرجل قويا في بدنه قادرا على مناكفة الناس أمره بأن يخرج ويبتغي رزق عياله، وألزمه بالنفقة على أهله، ولما كانت المرأة ضعيفة في بدنها، وكان لها قدرة كبيرة على تحمل الأطفال والصبر عليهم، أمرها بالقرار في بيتها، وتربية أبنائها، وتوفير الجو المناسب لهم لزوجها ليكونوا أفرادا صالحين في مجتمعهم، في دور بالغ في الأهمية، أشار إليه النبي ﷺ بقوله: «والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها»، وهذا الدور لا شك أنه أهم بكثير من مجرد أن تأتي المرأة براتب شهري، قد يستفيد منه الزوج قليلا، وغالبا ما ينفق على الزينة والملابس المخالفة في صفتها للشريعة.
وسوى الإسلام بين الرجل والمرأة إذا لم يوجد سبب لتقديم أحدهما على الآخر، فسوى بينهما في التكاليف الشرعية من الأمر بالتوحيد والصلاة والزكاة والصيام والحج وغير ذلك من الشرائع، وجعلها مستحقة للثواب والعقاب ومستحقة لدخول الجنة أو النار بحسب أعمالها، فأخذت المرأة بذلك كامل حقها، وارتفعت منزلتها بعد أن كانت عند الرهبان غير صالحة للتكليف بالشرائع، وغير مستحقة أصلا لدخول الجنة أو النار.
هذه -عباد الله!- هي خلاصة نظرة الإسلام إلى المرأة، وهي نظرة عادلة، بالغة في العدالة الغاية والنهاية، لأنها تشريع رباني، وليست كتشريعات البشر الذين تتحكم فيهم الشهوات، ويتحكم فيهم الهوى، ويحيطهم الجهل بحائق الأمور، وعواقبها.
هذه النظرة التي غابت عن كثير من دعاة محاربة الذكورية في هذا الزمان من أبناء جلدتنا، ففي ظل الهزيمة النفسية التي يعيشونها، وفي ظل جهلهم بأصول الإسلام عموما، وبنظرة الإسلام للمرأة خصوصا، ظنوا أن الإسلام كاليهودية والنصرانية، ظنوا أن الإسلام ثقافة كأي ثقافة من الثقافات القابلة للتعديل والتطويع حسب الرغبة والهوى، فأتوا بالنموذج الغربي فيما يتعلق بالمرأة ودعوا إلى تطبيقه على الإسلام ذاته، وليس على المسلمين فقط.
ولو أنهم فهموا حقيقة الإسلام لما دعوا إلى ذلك، ولو أنهم اعتزوا بدينهم لما دعوا إلى ذلك، ولو أنهم فهموا حقيقة وضع المرأة في الغرب حاليا لما دعوا إلى ذلك، فالمرأة عند الغرب عموما مخدوعة تستغل بإرادتها، يستغلها التجار للترويج للبضائع عن طريق وضع صورهن الفاضحة على المنظفات مثلا، ويستغلها أصحاب الشهوات للترويج للفاحشة عن طريق الأفلام والمسلسلات الهابطة… لقد هدموا الأسرة التي هي النواة الأساسية للمجتمع، وبناء على نظرتهم المادية القائمة على الحسابات والأرقام المجردة، فقد رأوا في جلوس المرأة في بيتها خسارة اقتصادية، فأمروها بالخروج والعمل كالرجل لتنفق على نفسها بنفسها، ولتتحمل العبء كالرجل، فحملوها ما لا تطيق، وخسروا الفائدة المعنوية الكبيرة التي يجنيها المجتمع من المسؤولية العظيمة التي تمارسها المرأة في بيتها.
فضوا وأضلوا، وصدق الله إذ قال: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معشية ضنكا).

الخطبة الثانية
لقد عمل الغرب على نشر هذه الأفكار في العالم الإسلامي عموما، وفي بلادنا فلسطين خصوصا، وذلك من خلال الأفلام والمسلسلات، ومن خلال العمل الدؤوب للجمعيات التغريبية، ومن خلال الضغط السياسي الذي يطالب دائما -ضمن طلبات كثيرة- بالمزيد من التنازلات والتشريعات في جانب المرأة مقابل استمرار الدعم المادي، ويسترون ذلك بشعارات حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولا شك أن المرأة تتعرض لصور من الظلم داخل مجتمعنا، لكنها صور محصورة، والإسلام بتشريعاته قارد على معالجتها، لكن دعاة محاربة الذكورية ينفخون فيها ويهولونها، ثم يأتون بزي المصلح… ولو أن نشاط الجمعيات النسوية اقتصر على رفع الظلم الذي يمارسه بعض الناس على نسائهم لهان الأمر، ولكن دورها امتد ليمارس دورا ثقافيا يدعو إلى نشر القيم الغربية بيننا فيما يتعلق بالمرأة، وصار يمتد إلى المطالبة بمزيد من التشريعات التي تصب في صالحهم، ولا تلتزم بحدود الإسلام، ولا أدل على ذلك من العرس السنوي الذي نشهده في بلادنا، من الاحتفال بيوم المرأة، والذي يتخلله مشاهد النواح واللطم على المرأة، وكأننا نئد البنات، أو كأننا نستغل النساء جنسيا كما يفعل الغرب… إنهم يستغلون صور الظلم الموجودة لتمرير أجناداتهم الثقافية الغربية، لكنهم يتدرجون في ذلك تدرجا خبيثا، فغايتهم النهائية ليس إيقاف حرمان المرأة من الميراث، بل إنهم يسعون لتسوية الرجل بالمرأة في الميراث، غايتهم أن يسقطوا ولاية الزوج والأب عن المرأة، غايتهم ألا تُلزم المرأة بلبس الجلباب، غايتهم ألا يكون للأب حق في أن يمنع ابنته من التبرج والخروج المنفلت من البيت.
ولا شك عباد الله أن جهدهم في المدارس والجامعات وغيرها قد بدأ يؤتي ثماره، فعلى صعيد الجلباب مثلا، صار القليل من الناس يلزمون بناتهم به، والأقل الذين يلزمونهن بشروطه الشرعية، وصرت ترى تأخر لبس البنت للجلبات بدعوى صغر سنها، وصرنا نرى جرأة كثير من البنات وقلة الحياء الظاهرة عليهن، كيف لا؟ وهم يقولون لها: أنت كالرجل في كل شيء، لا تخافي، وثِقي بنفسك!، ولا تطيعي أحدا…