إطلالة سريعة على الغزو الفكري… بين التاريخ والواقع
أصل هذه المقالة محاضرة ألقيتها في بعض المدارس، وقد اشتملت على:
- عرض سريع للعداوة بين المسلمين والنصارى من خلال النصوص الشرعية ومن خلال الواقع.
- تاريخ دخول الغزو الفكري إلى بلاد المسلمين، مع ذكر بعض وسائله
- عرض للغزو الفكري في واقعنا من خلال التعليم والمرأة
- مع التعرض لنظرة الإسلام للمرأة، وحكم الحجاب، والاختلاط...
الغزو الفكري على المسلمين موضوع مهم يمس حياة كل مسلم في هذا الزمان، وسأدخل إلى هذا الموضوع من مدخل تاريخي، كيف نشأ هذا الفكر؟ وما هي المراحل التي مر بها؟ وسبب البداءة بالعرض التاريخي أن النظر في التاريخ يساعدنا في على فهم الأمور التي نعيشها بشكل سليم… إذا أردت أن تفهم الواقع الذي تعيش فيه وتعلم كيف تتعامل معه، فإن مما يعينك على هذا الأمر: أن تنظر في التاريخ، لأن التاريخ فيه عبر.
والإنسان الموفق والسعيد في حياته هو الذي ينظر في التاريخ ويستفيد منه العبر، ويأخذ منه الدروس؛ وغير الموفق والمخذول هو الذي يرى التاريخ ويرى الوقائع تتكر وتعود أمامه ثم لا يستفيد من هذا التاريخ، ولا يعرف كيف يتعامل مع الواقع.
بداية، الغزو الفكري ناشئ عن مسألة مهمة، أصل لها كتاب ربنا جل وعلا، وأصل لها نبينا ﷺ، هذه المسألة هي عداوة أهل الكتاب من اليهود والنصارى للمسلمين، هذه المسألة من المسائل التي جاءت فيها آيات كثيرة، فهي حقيقة شرعية، وهي كذلك حقيقة تاريخية.
سبب النزاع بين أهل الحق وأهل الباطل على مر العصور… الله تعالى خلقنا لغاية، هذه الغاية هي العبادة، (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، ومعنى يعبدون: يوحدون، يعني: يفردوني بالعبادة، يعبدوني ولا يشركوا معي أحدا في العبادة، وقال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)، الله تعالى لم يترك أمة من الأمم، ولم يترك عصرا من العصور إلا وبعث فيه رسولا، لماذا؟ الجواب: (أن اعبدوا واجتنبوا الطاغوت)، وهذا هو التوحيد، هذا هو مقصود الله تعالى من خلق الخليقة؛ ولما كان الشيطان قد أخذ على نفسه العهد أن يضل بني آدم، وأن يحرفهم عن دينهم، وعن الصراط المستقيم الذي ارتضاه الله تعالى لهم، كما قال تعالى عن الشيطان (قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين)، وقال تعالى عنه: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين)، فالشيطان لا يوفر وسيلة ولا يألوا جهدا في أن يضل الإنسان بأي طريقة من الطرق؛ والشيطان قد نجح في إضلال كثير من الأمم، وفي صرفها عن دين الله تعالى، الذي أنزله على الأنبياء.
دين التوحيد الذي هو الإسلام هو دين جميع الأنبياء، أنزله الله تعالى على كل الأنبياء، على آدم وعلى نوح وعلى إبراهيم وعلى موسى وعلى عيسى، هو دين واحد، وإنما وقع التحريف من بعض أتباع هذه الديانات، كما حرف النصارى دينهم من التوحيد إلى الشرك، فصاروا يقولون بالتثليث، وحرف اليهود دينهم من التوحيد إلى الشرك، (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل) يضاهئون يعني يشابهون، فدل على أن هذه المسألة متوارثة بين الأمم… إنهم يحرفون دين التوحيد إلى الشرك، يعبدون مع الله إلها آخر … ثم بعد أن رفع الله تعالى عيسى، وقع أتباع دينه في التحريف، ولم يبق من دين التوحيد الذي أنزله الله تعالى إليهم شيء.
… ولا يزال القتال والسجال مستمرا بين أهل الحق وأهل الباطل منذ فجر التاريخ، قتال بالسيوف وقتال بالكلام، قتال بالحجة والبرهان وقتال بالسيف والسنان، تارة ينتصر أهل الحق، وتارة ينتصر أهل الباطل، والله عز وجل قد يجعل أهل الباطل ينتصرون حتى يختبر أهل الحق… هل هم متمسكون بما عندهم من الحق أم لا.
ومن هذا أن الله تعالى أرسل نبينا محمدا ﷺ في فترة كان فيها انقطاع من الرسل، فهدى الله سبحانه وتعالى به الناس، وفتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، هدى الناس إلى دين الحق، وقاتل الناس على ذلك، قاتل الناس لأجل أن يهديهم لدين الحق، كما قال النبي ﷺ: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله»، فالنبي ﷺ إنما قاتل لأجل هذه الغاية النبيلة، هذا القتال الذي هو لأجل الدين، ولأجل التوحيد هو قتال لغاية سامية نبيلة، وليس كما نرى الآن الدول الغربية الكافرة، تقاتل لأجل المال، ولأجل المصالح، ولا يراعون في حروبهم هذه الناس، ويقتلون بلا رحمة… ومن الآيات التي جاءت في بيان أن القتال إنما هو للدين ولأجل الله: قولُه تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله)، (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)… والآيات في هذا كثيرة.
ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان فيمن قاتل: النصارى، في مواقع، في معركة مؤتة (٨ هــ)، وذهب ليقاتلهم في تبوك (٩ هـ)، والله عز وجل هزمهم ففروا رعبا من النبي ﷺ، ثم بعد وفاته استمر الخلفاء الراشدون على قتال النصارى، (والكلام هنا على الدولة البيزنطية بالذات، لأن الحديث يدور حول التغريب ومكر النصارى ومحاولة تغييرهم لدين المسلمين) فوقعت معارك بعد النبي صلى الله عليه وسلم كمعركة أجنادين، ومعركة بيسان، ثم فتحت دمشق، ثم حمص وحماة، ثم فتحت القدس، ثم سائر فلسطين وسوريا، ولبنان، وكل هذا في غضون سبع سنوات فقط… (الله عز وجل إذا علم من المسلمين الصدق فإنه يبارك لهم، ويجعلهم يحققون من الانتصارات في مدة قصيرة ما لا يحققه غيرهم)، وكذلك فتحوا مصر (٢٢هـ)، وتونس (٤٣هـ)، والأندلس (٩٢هـ)…
لماذا قدمت بهذا؟ لأبين سببا من الأسباب التي جعلت أهل الكتاب من اليهود والنصارى يضمرون الحقد والعداء للمسلمين؛ والسبب الأول لتلك العداوة هو أننا مسلمون، لأننا اهتدينا إلى دين الإسلام، وإلى دين التوحيد، وهم ضلوا عنه، وهذا الأمر ذكره الله تعالى في كتابه، فقال: (ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون)، وقال تعالى: (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء)، وقال تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم)، وقال تعالى: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم)… لأنهم يحسدوننا على هذا الدين العظيم الذي نحن متمسكون به، وقال تعالى: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا)… هذه الآيات نستفيد منها هذه الحقيقة الشرعية وهي أنهم يعادوننا لأجل الدين، والأمر الثاني الذي يعادوننا لأجله هو أننا انتصرنا عليهم، وفتحنا بلادهم حتى ننشر فيها الهدى والنور، لا لنستفيد من مال ونضطهد فقراءهم كما يفعلون بنا! المسلمون لما فتحوا بلاد الغرب إنما فتحوها لأجل هدايتهم، ولإرادة الخير لهم.
إذا علمنا هذا الأمر، علمنا أنهم حقدوا علينا ثم أرادوا أن ينتقموا من المسلمين، وأن يثأروا لأنفسهم ولدينهم الباطل، فشنوا نوعين من الحروب على بلاد المسلمين: النوع الأول: هي الحروب المعروفة، التي تستخدم فيها السيوف والقنابل وتسيل فيها الدماء. والنوع الثاني: هي الحروب الناعمة المخملية، لا دماء فيها ولا سيوف، إنما فيها أفكار، وفيها شبهات، وفيها كفر وضلال.
نعرج على النوع الأول من الحروب، وقد ذكرنا طرفا منها… وقد استمرت الحروب بين المسلمين وأهل الكتاب على مر سنوات طويلة، ما بين غالب ومغلوب، الله عز وجل ينصرنا تارة، ويبتلينا تارة…. ومن أهم هذه الوقائع التي ظهر فيها حقد النصارى على المسلمين: واقعة سقوط الأندلس، حيث سقطت غرناطة - وهي آخر دولة للمسلمين هناك - عام ٨٩٦هـ، فلم يبق للمسلمين كيان هناك، وفي مقابل إحسان المسلمين إلى النصارى فيما سبق، قابل النصارى ذلك الإحسان بالإساءة والإجرام، فأجبر النصارى هناك المسلمين على الدخول في النصرانية، أو الهجرة، وكانوا يسمون من تنصر منهم بالنصارى العرب، وكانوا يعاملونهم بتمييز، ولم يقبلوا منهم أصلا هذه الديانة.
والأمر الآخر الفظيع الذي ارتكبوه في حق المسلمين: ما يعرف تاريخيا بمحاكم التفتيش، وهي محاكم أنشأها قساوسة النصارى في الأندلس بُعيد سقوطها، هدفها البحث عن المسلمين المتخفين، فإذا رأوا مصحفا في بيت أحدهم، أو رأوه يصلي، أو رأوهم يتزين للعيد والجمعة، وقد يكشفون عن عورة الرجل ليروا أهو مختون أم لا… أي علامة على الإسلام كانت تجعلهم يأخذونه إلى تلك المحاكم ليعذب بأشد أنواع العذاب.
وطرق هذا التعذيب قد نقلتها كتب التاريخ، وهي وسائل فظيعة، منها: أنهم كانوا يجعلونهم يشربون الماء حتى الاختناق، وقد يضعون الواحد منهم في صندوق يقطر عليه الماء حتى يغرق، وقد يضعونهم في توابيت المسامير، وأحيانا كانوا يسحقون عظامهم، ويجلدونهم بالسياط التي فيها أشواك حديدية… ولم يكتفوا بذلك حتى حولوا المساجد إلى كنائس، ودقوا فيها النواقيس بعدما كان يرفع فيها الأذان، قد ذكر بعض شعراء المسلمين شيئا من تلك المآسي، ورثى حال الأندلس، فقال:
بالأمس كانوا ملوكا في منازلهم واليوم هم في بلاد الكفر عبدان
فلو تراهم حيارى لا دليل لهم عليهمُ من ثياب الذل ألوان
ولو رأيت بكاهم عند بيعهمُ لهالك واستهوتك أحزان
يا رب أم وطفل حيل بينهما كما تفرق أرواح وأبدان
وطفلة مثل حسن الشمس إذ طلعت كأنما هي ياقوت ومرجان
يقودها العلج للمكروه مكرهة والعين باكية والقلب حيران
لمثل هذا يموت القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان
هذا نموذج من ذلك الحقد، ونموذج آخر للحقد: وهو ما يعرف بالحروب الصليبية، وقد كانت قبل سقوط الأندلس، وهي عدة حملات صليبية شنها النصارى على بلاد الإسلام في الفترة الواقعة ما بين أواخر القرن الخامس إلى أواخر القرن السابع (٢٠٠ عام)، حاولوا أن يغزوا المسلمين بتلك الحروب ولم يفلحوا، كانوا يؤذون المسلمين وتقوم لهم بعض الدول، أخذوا المسجد الأقصى، وحرر على يد صلاح الدين الأيوبي - وقد كان له دور كبير في صد هذه الحملات على بلاد المسلمين-.
وقد أظهرت هذه الحروب وحشية وهمجية تعامل أهل الكتاب مع المسلمين، (بخلاف الحروب التي شنها المسلمون لإعلاء كلمة الله، التي لم يقتلوا فيها النساء والأطفال والرهبان، بل سلمت منهم الأشجار)…. ثم لما فشلت هذه الحملة وهُزِموا وخرجوا من بلاد المسلمين، بدت لهم فكرة الغزو الفكري، أو التغريب، حيث إنهم علموا أن الحروب وحدها لن تزيد المسلمين إلا تمسكا بدينهم، فلا بد من وسيلة أخرى، وهي:
الغزو الفكري، والمراد به: تغيير وتحريف أصول دين الإسلام ومفاهيمه الأساسية، حتى يتمكنوا من احتلال المسلمين، وانتهاك ثرواتهم.
وسنتكلم عن نموذج لهذا الغزو، وهو الغزو الفرنسي لمصر عام (١٧٩٨م)، وهي المعروفة بحملة نابليون بونابرت، فبعد أن غزاها واحتلها بدأ بالغزو الفكري، فكان يدعي الإسلام، ويقول إنه هو وقومه يحبون الخير للمسلمين، ويريدون تحسين الأوضاع المعيشية للمسلمين، ورفع الظلم عنهم، وكان ينشر بين الناس منشورات فيها هذه المضامين، ومن أهم الأمور التي حاول فعلها: هو تنحية الحكم بالشريعة، فكان يسوّق بين الناس قانونا اسمه قانون نابليون، وكان يحاول - بالتدريج- أن ينحي الحكم بالشريعة عن بلاد الإسلام.
ومن أهم الأمور التي دعا إليها أنه دعا اليهود أن يأتوا إلى فلسطين من كل أقطار العالم، وفي الوقت ذاته يدعي حب المسلمين… وهذا هو الخبث، يظهر الوجه الحسن وحب المساعدة، ويكيد ويطعن في الجهة الأخرى…
ومن الأمور التي فعلها أنه أتى معه بحملة علمية للتنقيب عن آثار الفراعنة، وهدفه من ذلك زعزعة ولاء المسلمين للإسلام، وذلك بتحفيزهم على الانتماء للفراعنة، وذلك بإظهار “حضارة وتقدم” وآثار الفارعنة؛ وهم لا يطمحون لأن يترك المسلم دينه، لكنهم يرضون بزعزعة انتماء المسلم لدينه، وبخلخلة عقيدة الولاء والبراء عنده.
… بعدما خرج نابليون من مصر خلف بعده عائلة محمد علي باشا، وكان لمحمد علي باشا دور كبير في التغريب، وفي الغزو الفكري، فكام من أهم الأمور التي فعلها: أنه نشط ابتعاث أبناء المسلمين للغرب بحجة تعلم العلوم الدنيوية، وقد كانوا يذهبون بنفسيات مهزومة مهزوزة، وعقيدة مزعزعة، فلما رأوا التطور وانفتاح باب الشهوات هناك، تشربوا هذه الأفكار العلمانية وعادوا بها لينشروها بين الناس، وكان هؤلاء من النخبة، فكان الواحد منهم لما يشكك في ثوابت الإسلام وحضارة المسلمين يسمع له الناس، ويؤثر فيهم.
ومن الأمور التي فعلها محمد علي باشا أنه فتح المدراس التغريبية في مصر، وقد كان لها مميزات تفوق بمراحل جامعات مصر ومدارسها، فالدراسة فيها قصيرة وعند التخرج يحصل الطالب على وظيفة في الحكومة مباشرة، مع حصوله على راتب أعلى من غيره، بينما كان الذي يدرس في الأزهر يدرس طويلا، ولا يحصل إلا على راتب قليل، فيعيش فقيرا… فأحب الناس المدارس التغريبية لذلك.
وهدف هذه المدارس هو إبعاد المسلمين عن دينهم، لتسهيل السيطرة عليهم، وليعودوا كما كانوا قبل الإسلام، أوزاعا منتاحرين، لا دولة لهم.
وسبب انبهار المسلمين في ذلك الوقت بالحضارة الغربية، -وهو ذاته سبب انبهارهم بها الآن- هو الهزيمة، وقد ذكر ابن خلدون أن الأمم المهزومة والضعيفة ينبت فيها حب التشبه بالأمم الأقوى… بدءا بالأفكار والمعتقدات، نهاية بالمظاهر، وإذا نظرت إلى أيام عز المسلمين، رأيت عكس ذلك، فكان الأوروبيون يحرصون على التشبه بلباس العثمانيين، لأنهم كانوا أمة ضعيفة.
… وسبب آخر لهذا الانبهار: وهو ضعف العقيدة في النفوس.
الكلام عن صور الغزو الفكري المعاصر
ماذا نستفيد من هذا الكلام؟ هل هذا الأمر موجود عندنا؟
هذا الأمر موجود في واقعنا ونعايشه كثيرا لكن باسم آخر، سابقا كان باسم التبشير، واليوم باسم العلمانية أو الليبرالية، النصارى في هذا الزمان تركوا دينهم، فهم لا يحتكمون إلى دينهم، لا في الأمور الاجتماعية ولا الساسية ولا الاقتصادية، قد ابتعدوا عن دينهم وتركوه، لكنهم لم يتركوا حقدهم الصليبي على المسلمين، الذي يهدف إلى إخراجنا من دينا، فصاروا يمارسون ذلك بهذه الوسيلة الجديدة وهي العلمانية والليبرالية، ومن أهم الأمور التي ركزوا عليها: التعليم والمرأة.
أما التعليم، فقد عاثوا فسادا في المناهج الدراسية، فالمناهج الدراسية الآن للأوروبيين دور كبير في التحكم فيها، ومن أثرهم في هذه المناهج: أنهم همشوا أمور العقيدة، جعلوها بشكل ضئيل، أو بشكل منفر، كذلك نحوا من المناهج الأخلاق المحمودة كالغيرة والعفة والشهامة والمروءة، وأحلوا مكانها بعض المفاهيم كتهوين الاختلاط، وتحرير المرأة، وحرية العقيدة، وهذه كلها مفاهيم مخالفة لدين الإسلام.
كذلك من وسائهم في العبث في التعليم: أنهم يأخذون خيرة أبناء المسلمين إليهم بحجة التعليم.
ومنها: تنشيطهم للجمعيات التغريبية في المدارس، حيث إنهم لما يدخلون المدارس لا يقولون للطلاب: نريد أن نغرس فيكم العلمانية، ولا يقولون: نريد نزع الحجاب عن المرأة، ولا يقولون: نريد نشر الاختلاط… هم يهدفون -بشكل أولي- لمجرد الدخول إلى المدراس، والحصول على حب الشباب لهم، فهم أصحاب نفس طويل (فالتغريب الذي حدث في مصر أخذ منهم ١٠٠ عام)، فيدخلون باسم عمل الرحلات المدرسية، والنشاطات التربوية، ودورات تطوير الذات، ودورات القيادة، ويظهرون للطلاب أنهم يريدون تقديم الخدمات والمساعدة لهم، لكن أهدافهم المنشورة والمعلنة -والتي نحن نغفل عنها- تقول غير ذلك… وقد يدسون بعض تلك المفاهيم خلال تلك الدورات، كتشجيعهم للمرأة على العمل و”الثقة بالنفس”، ورفض “العادات والتقاليد”.
أما موضوع تحرير المرأة فهو من أهم الأمور عندهم، ومعناه وغايته نزع الحجاب عن المرأة، وتسهيل اختلاطها بالرجال، ورفع ولاية الرجل عنها.
فيقولون: إن إلزام المرأة بالحجاب ظلم للمرأة، وفي تولي الرجل عليها اضطهاد لها؛وهذا غير صحيح، لأن نظرة الإسلام للمرأة موافقة للفطرة، فالإسلام لم يسو بين المرأة والرجل في كل شيء، فالمرأة ليست كالرجل، لا في الخلقة، ولا التفكير، والإسلام يعطي كلا على قدر قدراته وطاقته وهذا هو العدل… (المرأة من ناحية التكليف والثواب والعقاب، والعقيدة ودخول الجنة والنار هي كالرجل)، والإسلام قد خص الرجال بأوامر لم يكلف بها النساء، فهل يأتي أحد ويقول هذا تمييز ضد الرجل! الإسلام أوجب على الرجال الجهاد، وشهود الجمعة، والنفقة… ولم يوجبها على النساء، للعلة التي ذكرنا.
ومن الأحكام التي خص الإسلام المرأة بها: الحجاب، لأن الرجل بطبيعته يميل إلى المرأة، والمرأة كذلك تميل إلى الرجل، لذلك فقد وضع الإسلام بعض الحواجز بين الرجل والمرأة، من باب المحافظة على العفة والفضيلة، ومن باب منع الرذائل في المجتمع، فألزم المرأة بالحجاب الشرعي، قال تعالى: (يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين)، وهذا الأمر فريضة، وليس حرية شخصية، وواجب على كل ولي للمرأة أن يلزمها بلبس الحجاب، وواجب على الحكام أن يلزم النساء بلبس الحجاب… ليست حرية شخصية….
وطريقة التغريبيين في التهوين من الحجاب أنهم يقولون: إن الحجاب حرية شخصية، من أحبت أن تتحجب فلتفعل، ومن لا تريد فلها ذلك؛ وهذا مخالف لدين الإسلام.
ومن الأمور التي ميز الإسلام فيها المرأة عن الرجل: موضوع الميراث، فأعطى للرجل ضعف المرأة، لأن الرجل -في الأصل- هو الذي يعمل وهو الذي يكد، وهو المكلف بالإنفاق، ومن الأمور التي ينادي بها التغريبيون: المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، وهذا موجود في بلادنا، فإذا أرادت المرأة أن تأخذ كالرجل فإنها تستطيع ذلك عن طريق المحكمة! وهذا مخالف لدين الإسلام.
ومن الأمور التي يركزون عليها: تسهيل الاختلاط؛ والإسلام حرم الاختلاط، والمراد به أن يكون المرأة والرجل في مكان واحد، سواء كان محصورا أو واسعا.
قال ابن القيم: "ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش، وهو من أسباب الموت العام، والطواعين المستمرة".
لا تضع الزيت بجانب النار ثم تقول: لا أريد إشعال النار، هل يمكن أن تضع المرأة بجانب الرجل، في مكان واحد، ولا يحدث الميل، ثم النظر، ثم الابتسامة، ثم الكلام، ثم الموعد، ثم اللقاء، ثم الزنا؛ هذا تسلسل طبيعي، معروف عند العقلاء.
ومن شبهات التغريبيين في هذا الباب أنهم يقولون: كلما جعلنا المرأة تتبرج، وكلما جعلناها تختلط بالرجل، فإن ذلك يجعل الرجل يزهد فيها، ويقولون: أنتم لما تمنعون الاختلاط، وتلزمون المرأة بالحجاب فأنتم تسببون الكبت الجنسي عند الجنسين؛ وهذه دعوى كاذبة، كاذبة من حيث الأصل، لأن هذه فطرة ومهما عريت المرأة، وأكثرت من الاختلاط فإنك لا يمكن أن تزيل ذلك الميل في قلب الرجل والمرأة.
وكاذبة من حيث الواقع الذي يعيشونه هم، فالدول الغربية الآن هي دول التعري والاختلاط، ومع ذلك فإن الاعتصاب عندهم بلغ حدا مهولا، إذن هذه نظرية كاسدة، وكلام فاسد، يريدون ترويجه علينا حتى نقع فيما هم واقعون فيه، كما قال تعالى عن الكفار: (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء).
والحكمة من منع الاختلاط هي الحفاظ على العفة وسد الذريعة أمام الخنا والفجور.
الأدلة على ذلك كثيرة، منها قوله تعالى: (وقرن في بيوتكن)، هذا الخطاب وجهه الله تعالى لأمهات المؤمنين، وهو يشمل كل النساء المؤمنات بإجماع المفسرين، ومعنى القرار أن تجلس المرأة في بيتها، ولا تخرج منه إلا لحاجة، لماذا؟ لأن الوظيفة التي أعطاها الإسلام للمرأة هي تربية الأبناء، وتوفير الجو المناسب للرجل، حتى يبدع.
المرأة العاملة هل تستطيع أن تهتم بأبنائها حق الاهتمام، هل تستطيع أن تعطي الزوج حقه، كلا، بل الواقع أنها تقصر في حق أبنائها وزوجها، قال النبي ﷺ: «والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها»، ولاحظوا الدور العظيم الذي أعطاه الإسلام للمرأة… راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعيتها، هل هذا اضطهاد للمرأة؟! هذا الدور ليس هينا، هذا دور عظيم، المرأة هي الحاضنة التي يوفرها الإسلام للرجل، حتى تخرج الأبطال والمبدعين، كما كان الحال قديما.
وقال النبي ﷺ لنسائه لما حج بهن: «هذه ثم ظهور الحصر»، وهذا ليس اضطهادا للمرأة.
وليس معنى هذا عدم الخروج مطلقا، تخرج للحاجة، قد تخرج للتسوق، قد تخرج للعمل إذا احتاجت، ونحن لا نقول إن العمل محرم على المرأة إذا احتاجت، لكن المحظور هو أن تكون المرأة منافسا للرجل في العمل، كما هو الحال الآن، وهذا سبب مشكلة البطالة الآن، لأن هناك حصة معلومة كبيرة للمرأة في العمل. مَن الأولى ليحصل على العمل، الشاب الذي يريد أن يتزوج ويفتح بيتا وينفق على أسرة، أم المرأة التي تعمل، وتنفق -غالبا- كثيرا من مالها على الزينة واللباس؟!
ومن شبههم في تجويز الاختلاط: صلاة الجماعة…، وهذا في الواقع دليل على حرمة الاختلاط، لأن النبي ﷺ فصل بين الرجال والنساء، وقال: «خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها»، لتكون المسافة بعيدة. وكان النبي ﷺ يأمر الرجال إذا انتهت الصلاة أن يبقوا في أماكنهم حتى تخرج النساء وحدهن، بل إنه جعل بابا خاصا بالنساء، وقال: «لا يدخل منه إلا النساء»، وهذا دليل على حرمة الاختلاط، لا على مشروعيته، وهناك أدلة كثيرة على هذا الأمر، من أهمها: أدلة غض البصر، فالإسلام أمر بغض البصر، وإذا كان يأمر بغض البصر فمن باب أولى تحريم الاختلاط، لأنه لا يمكن غض البصر مع الاختلاط…والأدلة كثيرة في ذلك، وهو من الأمور المسلمة في الإسلام، فالمسلمون ما عرفوا الخلاف في هذا إلا في العصر الحديث، فإن القول بجواز الاختلاط لا يعدو أن يكون أثرا من آثار الغزو الفكري.
وبعد، فإن الذي ينظر في حال كثير من شباب اليوم ليرى تشتت الرؤية، وعدم وضوح الهدف أمامهم، مما يجعلهم فريسة سهلة للتغريبيين؛ وهذه تنبيهات على أصول في هذا الباب، أسأل الله جل وعلا أن ينفع بها.