الجمعة، 14 أكتوبر 2016

أهمية تحكيم الشريعة
عناصر الخطبة
الأمر بالتمسك بالشريعة، والنهي عن اتباع الهوى.
ذكر بعض محاسن الشريعة.
لا إيمان بدون التسليم لأمر الله.
تخبط الغرب في تشريعاتهم.


(ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون. إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين)
آية عظية من كتاب الله تعالى، يأمر فيها سبحانه نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بأن يتمسك بالشريعة التي أوحى الله تعالى بها إليه، وينهاه في الوقت ذاته ويحذره من اتباع أهواء الجاهلين الذين يحاولون صرفه عليه الصلاة والسلام عن التمسك بالشريعة منهجا للحكم والحياة… يحذره تحذيرا شديدا (إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا)… فترك التحاكم إلى الشريعة موجب للعذاب في الآخرة… وما كان للنبي صلى الله عليه وسلم أن يحيد عن التمسك بالشريعة ولكنه خطاب للأمة حتى تتعظ وتعلم أن هذا الأمر لا مجال فيه للتلاعب، حتى إن أكرم خلقه عليه لو حاد عنه لتعرض للعذاب.
جاءت هذه الآية من سورة الجاثية تأمر بالتمسك بالشريعة بعد أن ذكرت آياتٌ قبلها حال بني إسرائيل بالنسبة لهذه المسألة الخطيرة، (وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْـحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ. وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) يخبرنا الله تعالى أنه أعطى بني إسرائيل شريعة تصلح دينهم ودنياهم… لقد كانت هذه الشريعة بينة واضحة.. لقد أعطاهم علما يميزون به بين الهدى والضلال، ومع ذلك اختلفوا في أمر شريعتهم مع وجود العلم… فإذا كانت الشريعة بينة واضحة، وكان عندهم علم وعلماء، فلماذا اختلفوا إذن؟!
لم يكن اختلافهم إلا بسبب المكابرة والعناد، لم يكن إلا بسبب الرغبة في تقديم المصالح الدنيوية الفانية… لعلهم قالوا كما يقول العلمانيون في هذا الزمان: كيف نحكّم شريعة ربنا وقد اختلف الناس فيها، فلسنا ندري ما هي الشريعة التي أمرنا الله أن نحكم بها… كلام يقولونه ليتهربوا من تنفيد أمر الله تعالى، أيأمرنا الله تعالى بأمر ثم يجعل علينا من المستحيل أن ننفذه؟! إنه عبث يتنزه الله تعالى عنه، لكنها أنفاس يهودية قديمة تبحث عن كل مخرج لتلتف على أوامر الله تعالى وتتملص من أدائها (وما الله بغافل عما يعملون).
ولذلك كله جاء الأمر المحتم في تلك الآية، بعدم اتباع أهل الكتاب في تركهم للشريعة… جاءت ناهية للنبي صلى الله عليه وسلم عن طاعة أهواء أصحاب المصالح في عدم تحكيم الشريعة، بل شددت الآية في النهي وذكرت من الوعيد ما ذكرت، وجاء هذا الأمر في آيات أخرى منها قوله تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق)، وقال تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك).
عباد الله! لقد أمر الله تعالى بتحكيم شريعته لأنه هو الذي خلق الخلق وهو أعلم بما يصلح أحوالهم في كل زمان، إنه سبحانه عليم بحال البشرية منذ أول نشأتها، عليم بدواخل نفوسهم وما تُكِنّه ضمائرهم، عليم بضعفهم، عليم بغلبة الهوى وسطوة الشهوة عليهم، وهو سبحانه منزّه عن اتباع الهوى، لا يكون حكمه إلا عدلا، ولا يكون كلامه إلا صدقا… لقد أنزل تشريعات تضمن للبشر العيش السعيد، لقد حفظت هذه التشريعات الدين فأمرت بالتصدي لشبهات المنافقين وأعداء الدين، وشرعت حد الردة في سبيل ذلك، وحفظت النفس فنهت عن قتلها بغير حق وشرعت حد القصاص، وحفظت المال فأمرت باكتسابه بالطرق الحلال، التي لا تضر المجتمع، ونهت عن الربا، والقمار والسرقة والغش، وحفظت العرض فأمرت بالزواج، ونهت عن التبرج والسفور والزنا، وحفظت العقل فأمرت بإعماله في التفكر والتأمل، ونهت عن المسكرات والمخدرات والسحر… إن هذه التشريعات تضمن العيش السعيد للبشر في الدنيا، وتوصلهم إلى جنان النعيم في الآخرة، ما زاغ أحد عن هدى الله تعالى إلا عاش معيشة ضنكا… هو وعد الله تعالى للبشرية منذ أنزل أباهم إلى هذه الأرض (قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا. ونحشره يوم القيامة أعمى).
وفوق ذلك، فقد جعل الله تعالى الرضى بشريعته والتسليم لحكمه شرطا في صحة الإيمان، فلا مجال لوجهات النظر في تحليل الحرام وتحريم الحلال، فإن هذا الأمر حق محض من حقوق مقام الربوبية، قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّـمُوا تَسْلِيمًا)، قال ابن كثير: «يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكِّم الرسول في جميع الأمور، فما حكم به هو الحق الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً».
ولقد وصف الله تعالى المعرضين عن شرعه، الرافضين الانقياد له بأنهم منافقون، وأن إيمانهم مجرد زعم كاذب، قال سبحانه: (أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا. وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا. فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا)، وقال سبحانه: (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْـمُؤْمِنِينَ. وَإذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ. وَإن يَكُن لَّهُمُ الْـحَقُّ يَأْتُوا إلَيْهِ مُذْعِنِينَ. أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِـمُونَ. إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون).

الثانية

لقد ظن الكفار بربهم أن باستطاعتهم أن يضعوا تشريعات تقودهم إلى بر الأمان في هذه الحياة، بعيدا عن الوحي الإلهي، والأمر الرباني، فوقعوا في متاهة أفسدت الفطرة البشرية، وغيرت نظام الحياة، وسارت بالبشر مسرعة نحو الهاوية… لقد بدؤوا فنحوا الدين عن الحياة، وأحلوا مكانه الإلحاد والنظرة المادية للدنيا، ثم شرعوا التشريعات، واستحلوا الحرام، نشروا الربا والنظام المالي الفاسد، القائم على مراعاة مصالح الأغنياء فقط، فجعلوا الناس ما بين غني غنى فاحشا، وما بين فقير فقرا مدقعا… غيروا النظرة الصحيحة للمرأة وجعلوها وسيلة للإعلام والتسلية العامة، فنشروا التبرج والسفور وكشف العورات، ودعوا إلى الفواحش وشرعنوها بدعوى المحبة والعلاقات العاطفية المشروعة… وتركوا المخدرات والمسكرات تتسلط على العقول البشرية، فأفسدتها وصرفتها عما ينفعها، تركوا القاتل، وأكرموا الفاسد، وحنوا على السارق، وحادّوا الله تعالى ونازعوه في ربوبيته… وإن الناظر البصير في حال أولئك الناس ليرى التفكك والانهيار القادم إليهم لا محالة… إنهم مهما علوا في الأرض فسنة الله تعالى لا تتخلف في الكون (… فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبسلون. فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق