الخميس، 20 أكتوبر 2016

من معالم الشكر

عناصر الخطبة:
أحوال الناس بالنسبة لشكر النعمة.
الانقياد للطاعة من أهم معالم الشكر.
صور من تسليم الصالحين.
كيف نشكر النعمة؟

(وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذاب لشديد) 
آية عظيمة من كتاب الله تعالى، يحكي الله تعالى فيها خطاب ووعظَ نبيِّ الله موسى عليه الصلاة والسلام لبني إسرائيل… فبعد أن ذكّرهم بنعمة الله تعالى عليهم لما نجاهم من فرعون  وقومه وذلك في قوله: (وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم)، بعد أن ذكرهم بهذه النعمة العظيمة -وما أكثر النعم التي أنعمها الله على بني إسرائيل- بيّن لهم موسى عليه الصلاة والسلام أن النعم بلاء من الله تعالى، بلاء من جهة أن الناس ينقسمون إلى قسمين عندما يمن الله عليهم بالنعم: فالصنف الأول يشكر الله تعالى على نعمته، ويقابلها بالمحبة وبمزيد من الذل والخضوع والتواضع لله سبحانه، والصنف الثاني من الناس يكفر النعمة ولا يشكرها، فلا يرى للنعمة قيمة كبيرة، ولا تترك تلك النعمة في نفسه إلا مزيدا من التمرد على أوامر الله، والاجتراء على نواهيه، ولذلك قال لهم بعد ذلك: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)، وهي قاعدة عامة تشمل جميع الناس ولا تختص ببني إسرائيل… 
عباد الله! إن التسليم لأوامر الله والانقياد لها، والتواضع لله، من أهم ما يدخل في شكر الله تعالى على نعمه، فهل كان هذا حال بني إسرائيل؟… لنتأمل قليلا في حالهم فإن الله تعالى قد قص علينا خبرهم في سور عدة، لنتعظ ونحذر مما وقعوا فيه… لقد بلغت نعم الله تعالى على بني إسرائيل مبلغا عظيما كبيرا، ولم يُعطِ اللهُ أحدا كالنعم التي أعطاها لبني إسرائيل في زمانهم، كما قال: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين)، وقال: (وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين)، وإن الله تعالى ليعلم مدى عتوهم وطغيانهم، لكنه سبحانه إذا أراد أن يجعل الظالم نكالا وعبرة للناس أمده بنعمه وأمهله ثم أخذه وعاقبه… لقد نجّى اللهُ تعالى بني إسرائيل من فرعون وقومه وشق لهم البحر يبسا، ومشوا فيه حتى نجوا، وتمَّمَ عليهم هذه النعمة فأغرق فرعون أمام أعينهم ليكون ذلك أشفى لصدورهم، فما كان منهم إلا أن عبدوا العجل… أنزل على موسى التوراة لتكون لهم هدى، فقالوا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، ثم حرفوها وبدلوا أوامر الله، واستحلوا الحرام، وحرموا الحلال… لقد أمرهم بدخول بيت المقدس مع موسى ووعدهم بالنصر الأكيد، فقالوا لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، ولما ضرب الله عليهم التيه عقوبة لهم، كان بهم رحيما فبعث الغمام ليظللهم، وأنزل عليهم المن والسلوى فقالوا نريد البقل والقثاء والبصل، ثم لما انتهى التيه وأرادوا دخول بيت المقدس، يسر لهم القتال وحبس لهم الشمس، وأمرهم أن يدخلوها خاضعين لله، شاكرين له على نعمائه، طالبين منه المغفرة والرحمة كما قال: (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين)، فما كان منهم إلا أن حرفوا أمر الله تعالى كبرا واستهزاء فقالوا: حنطة، ودخلوا يزحفون على أدبارهم… كثيرة هي مواقفهم، وكثير هو طغيانهم… نفوس شيطانية متمردة عاتية، لا تحفظ نعمة ولا تشكر معروفا، فعاقبهم الله تعالى بعقوبات كثيرة، فضُربت عليهم الذلة والمسكنة، وسَلّط عليهم من يسومهم سوء العذاب، وشدد عليهم في شريعتهم، وقسّى قلوبهم، واستحقّوا سخط الله وغضبه إلى يوم الدين.
عباد الله! إن الله تعالى قد قصّ علينا قصة بني إسرائيل في مواضع كثيرة من كتابه وذلك لأنهم نموذج من الطغيان يتكرر في كل حين، لقد حذرنا الله تعالى من سلوك طريقتهم، فقال بعد أن ذكر قسما طويلا من قصصهم: (أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل)، وقال: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم)، وبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ووضحه أحسن بيان فقال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه». قالوا: آليهود والنصارى؟ قال: فمن؟!
هذا التحذير النبوي يحذرنا من سلوك تلك الطريق بمختلف تفاصيلها، يحذرنا من مقابلة نعمة الله تعالى بالاستخفاف والكبر، يحذرنا من التمرد والعتو على أوامر الله، يحذرنا من عدم التسليم والانقياد للشريعة، يحذرنا من تحريف الدين واستحلال الحرام… لا ديانة لمن لا تسليم ولا انقياد عنده للشرع.
عباد الله! بعد أن رأينا حال ذلك الجيل الشيطاني، فلنقارن ذلك الحال بحال المتقين الصالحين… هذا إمام المتقين عليه الصلاة والسلام في فتح مكة، يدخلها متخشعا متواضعا لله تعالى، قد طأطأ رأسه حتى كادت لحيته أن تمس الرحل الذي على ناقته، وكان أول ما فعل من شكر الله على هذه النعمة العظيمة أن حطم الأصنام والأوثان، مُعَلّما لنا التعامل الصحيح مع معالم الشرك والوثنية… حقها أن تحطم لا أن تُنْصَب وتُرَمَّم، ثم إنه عليه الصلاة والسلام عفا عمن أساء، ولم يعاقب من كانوا يؤذونه ويؤذون أصحابه.
أما الصحابة الكرام فقد كان التسليم من أهم معالم حياتهم الإيمانية، ها هو أبو بكر رضي الله عنه، في قصة الإسراء والمعراج يضع منهجا للتسليم لأمر الله تعالى، يسير عليه المتقون، قالوا له: إن صاحبك يقول إنه قد ذهب إلى بيت المقدس ورجع في الليلة نفسها، فقال: إن كان قال ذلك فقد صدق… انتهى الأمر! أأصدقه أنه يأتي بالخبر من السماء ولا أصدقه في مثل هذا. ولقد كانت هذه الصفة هي صفة الصحابة في كل الأمور، حُرِّمت عليهم الخمر، فألقوها في سكك المدينة حتى جرت فيها، بعد أن كانت محبوبة لهم… نزلت آية الحجاب فما برحت نساء الأنصار حتى شققن أستر ما عندهم من أقمشة وخرجن وكأن على رؤوسهن الغربان، نهاهم عن لحوم الحمر الأهلية فأكفؤوا القدور، حتى إنهم خلعوا نعالهم لما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم قد خلع نعله في الصلاة، حتى بين لهم أنه ما خلعه إلا لأذى كان فيه.
إنه الجيل الصالح الذي أمرنا باتباعه، إنه طريق الهدى والنجاة عند الله سبحانه…

الخطبة الثانية
فإن شكر الله تعالى على نعمه له صور عدة، وأول ما ينبغي للمؤمن أن يحرص عليه عند حصول النعمة: أن يستشعر أن هذه النعمة قد حصلت من الله تعالى وحده، وأنه العبد ضعيف مربوب لا يملك من أمره شيئا، وهذا يورثه تواضعا وذلا ومحبة لصاحب النعمة سبحانه، فإذا استقر هذا المعنى في القلب ظهر ذلك على اللسان، بشكر الله تعالى وذكره والثناء عليه والتحدث بنعمة الله من غير استعلاء على الناس، فلا ينسب النعمة لقوته ولا لذكائه ومهارته وخبرته في الحياة ناسيا ومتجاهلا فضل الله عليه، لأن ذلك من شيم الطغاة كما قال تعالى عن هامان (قال إنما أوتيته على علم عندي). وشكر الناس على ما يسدونه من معروف هو من شكر الله تعالى، فإنهم أسباب يسخرهم الله، فيشكرهم العبد مع اعتقاد أنهم مجرد أسباب وأن الله تعالى هو مسدي النعمة حقيقة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «من لا يشكر الناس لا يشكر الله».

 ثم إن على العبد أن يشكر الله تعالى بجوارحه، وذلك يكون بحسب النعمة، فإن كانت النعمة قوة في البدن سخر تلك الأعضاء في طاعة الله تعالى ومساعدة الضعفاء والحنو عليهم والتواضع لهم، وإن كانت النعمة مالا استعمله في الحلال ولم يستعمله في الحرام، ويتصدق على الفقراء والمساكين، وإن كانت النعمة علما علّم الناس ولم يَسْتَعْلِ عليهم ويحتقرْهم، وإن كانت النعمة جاها ومكانة سخَّرها في مساعدة الناس والشفاعة لهم وأصلح بين الناس… وهكذا يشكر الله في كل نعمة بما يناسبها، مع وجود أصل الخضوع والذل لله تعالى، فإذا فعل العبد ذلك منّ الله تعالى عليه وزاده من نعيمه، كما قال: (لئن شكرتم لأزيدنكم).

الجمعة، 14 أكتوبر 2016

أهمية تحكيم الشريعة
عناصر الخطبة
الأمر بالتمسك بالشريعة، والنهي عن اتباع الهوى.
ذكر بعض محاسن الشريعة.
لا إيمان بدون التسليم لأمر الله.
تخبط الغرب في تشريعاتهم.


(ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون. إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين)
آية عظية من كتاب الله تعالى، يأمر فيها سبحانه نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بأن يتمسك بالشريعة التي أوحى الله تعالى بها إليه، وينهاه في الوقت ذاته ويحذره من اتباع أهواء الجاهلين الذين يحاولون صرفه عليه الصلاة والسلام عن التمسك بالشريعة منهجا للحكم والحياة… يحذره تحذيرا شديدا (إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا)… فترك التحاكم إلى الشريعة موجب للعذاب في الآخرة… وما كان للنبي صلى الله عليه وسلم أن يحيد عن التمسك بالشريعة ولكنه خطاب للأمة حتى تتعظ وتعلم أن هذا الأمر لا مجال فيه للتلاعب، حتى إن أكرم خلقه عليه لو حاد عنه لتعرض للعذاب.
جاءت هذه الآية من سورة الجاثية تأمر بالتمسك بالشريعة بعد أن ذكرت آياتٌ قبلها حال بني إسرائيل بالنسبة لهذه المسألة الخطيرة، (وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْـحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ. وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) يخبرنا الله تعالى أنه أعطى بني إسرائيل شريعة تصلح دينهم ودنياهم… لقد كانت هذه الشريعة بينة واضحة.. لقد أعطاهم علما يميزون به بين الهدى والضلال، ومع ذلك اختلفوا في أمر شريعتهم مع وجود العلم… فإذا كانت الشريعة بينة واضحة، وكان عندهم علم وعلماء، فلماذا اختلفوا إذن؟!
لم يكن اختلافهم إلا بسبب المكابرة والعناد، لم يكن إلا بسبب الرغبة في تقديم المصالح الدنيوية الفانية… لعلهم قالوا كما يقول العلمانيون في هذا الزمان: كيف نحكّم شريعة ربنا وقد اختلف الناس فيها، فلسنا ندري ما هي الشريعة التي أمرنا الله أن نحكم بها… كلام يقولونه ليتهربوا من تنفيد أمر الله تعالى، أيأمرنا الله تعالى بأمر ثم يجعل علينا من المستحيل أن ننفذه؟! إنه عبث يتنزه الله تعالى عنه، لكنها أنفاس يهودية قديمة تبحث عن كل مخرج لتلتف على أوامر الله تعالى وتتملص من أدائها (وما الله بغافل عما يعملون).
ولذلك كله جاء الأمر المحتم في تلك الآية، بعدم اتباع أهل الكتاب في تركهم للشريعة… جاءت ناهية للنبي صلى الله عليه وسلم عن طاعة أهواء أصحاب المصالح في عدم تحكيم الشريعة، بل شددت الآية في النهي وذكرت من الوعيد ما ذكرت، وجاء هذا الأمر في آيات أخرى منها قوله تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق)، وقال تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك).
عباد الله! لقد أمر الله تعالى بتحكيم شريعته لأنه هو الذي خلق الخلق وهو أعلم بما يصلح أحوالهم في كل زمان، إنه سبحانه عليم بحال البشرية منذ أول نشأتها، عليم بدواخل نفوسهم وما تُكِنّه ضمائرهم، عليم بضعفهم، عليم بغلبة الهوى وسطوة الشهوة عليهم، وهو سبحانه منزّه عن اتباع الهوى، لا يكون حكمه إلا عدلا، ولا يكون كلامه إلا صدقا… لقد أنزل تشريعات تضمن للبشر العيش السعيد، لقد حفظت هذه التشريعات الدين فأمرت بالتصدي لشبهات المنافقين وأعداء الدين، وشرعت حد الردة في سبيل ذلك، وحفظت النفس فنهت عن قتلها بغير حق وشرعت حد القصاص، وحفظت المال فأمرت باكتسابه بالطرق الحلال، التي لا تضر المجتمع، ونهت عن الربا، والقمار والسرقة والغش، وحفظت العرض فأمرت بالزواج، ونهت عن التبرج والسفور والزنا، وحفظت العقل فأمرت بإعماله في التفكر والتأمل، ونهت عن المسكرات والمخدرات والسحر… إن هذه التشريعات تضمن العيش السعيد للبشر في الدنيا، وتوصلهم إلى جنان النعيم في الآخرة، ما زاغ أحد عن هدى الله تعالى إلا عاش معيشة ضنكا… هو وعد الله تعالى للبشرية منذ أنزل أباهم إلى هذه الأرض (قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا. ونحشره يوم القيامة أعمى).
وفوق ذلك، فقد جعل الله تعالى الرضى بشريعته والتسليم لحكمه شرطا في صحة الإيمان، فلا مجال لوجهات النظر في تحليل الحرام وتحريم الحلال، فإن هذا الأمر حق محض من حقوق مقام الربوبية، قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّـمُوا تَسْلِيمًا)، قال ابن كثير: «يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكِّم الرسول في جميع الأمور، فما حكم به هو الحق الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً».
ولقد وصف الله تعالى المعرضين عن شرعه، الرافضين الانقياد له بأنهم منافقون، وأن إيمانهم مجرد زعم كاذب، قال سبحانه: (أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا. وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا. فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاؤوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا)، وقال سبحانه: (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْـمُؤْمِنِينَ. وَإذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ. وَإن يَكُن لَّهُمُ الْـحَقُّ يَأْتُوا إلَيْهِ مُذْعِنِينَ. أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِـمُونَ. إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون).

الثانية

لقد ظن الكفار بربهم أن باستطاعتهم أن يضعوا تشريعات تقودهم إلى بر الأمان في هذه الحياة، بعيدا عن الوحي الإلهي، والأمر الرباني، فوقعوا في متاهة أفسدت الفطرة البشرية، وغيرت نظام الحياة، وسارت بالبشر مسرعة نحو الهاوية… لقد بدؤوا فنحوا الدين عن الحياة، وأحلوا مكانه الإلحاد والنظرة المادية للدنيا، ثم شرعوا التشريعات، واستحلوا الحرام، نشروا الربا والنظام المالي الفاسد، القائم على مراعاة مصالح الأغنياء فقط، فجعلوا الناس ما بين غني غنى فاحشا، وما بين فقير فقرا مدقعا… غيروا النظرة الصحيحة للمرأة وجعلوها وسيلة للإعلام والتسلية العامة، فنشروا التبرج والسفور وكشف العورات، ودعوا إلى الفواحش وشرعنوها بدعوى المحبة والعلاقات العاطفية المشروعة… وتركوا المخدرات والمسكرات تتسلط على العقول البشرية، فأفسدتها وصرفتها عما ينفعها، تركوا القاتل، وأكرموا الفاسد، وحنوا على السارق، وحادّوا الله تعالى ونازعوه في ربوبيته… وإن الناظر البصير في حال أولئك الناس ليرى التفكك والانهيار القادم إليهم لا محالة… إنهم مهما علوا في الأرض فسنة الله تعالى لا تتخلف في الكون (… فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبسلون. فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين).