الخميس، 14 فبراير 2019

اللاجئون.. هدايات قرآنية
﴿أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز﴾.
إن من سنة الله تعالى في هذه الحياة: أن يتعرض المؤمنون الصالحون في بعض الأحيان للأذى والابتلاء والضيق والشدة، ابتلاءات قد تتوالى على عباد الله الصالحين، لله تعالى فيها حكمة بالغة، يَظهر لنا من خلالها الخبيثُ من الطيب، والثابتُ على دينه ممن يعبد الله على حرف، ابتلاءات وهزات تنقي صف المؤمنين من الخبَث، فتتركه أقوى مما كان عليه.
وهذه الابتلاءات لها أنواع، ومن أبرزها: ما يحصل للمؤمنين من أذية من قِبل أعدائهم، فأعداء المؤمنين والصالحين في كل وقت وحين يحاولون إيقاع الأذى بالمؤمنين كلما وجدوا فرصة سانحة لذلك.
ومن أعظم صور هذا الأذى، وأشدها ضررا على النفس الإنسانية: الإخراج من الديار؛ فإن المجرمين وجدوا في إخراج المؤمنين من ديارهم وسيلة يستطيعون من خلالها أن يسيطروا على ممتلكاتهم، وأن يلحقوا بهم أذى ماديا ونفسيا كبيرا.
وأي أذى أعظم من أن يُقتلع الإنسان من بلده التي ولد فيها، ونشأ في ربوعها، واستنشق هواءها وعشق ترابها… إنه شعور إنساني يشترك فيه كل البشر… إنها مأساة من أعظم المآسي التي يمكن أن يعشها الإنسان، ولكم أن تتأملوا كيف قرن الله تعالى الخروج من الديار مع أن يقتل الإنسان نفسه، كما قال: ﴿ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم﴾، وقال مخاطبا بني إسرائيل: ﴿وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم﴾.
هو أمر عظيم شاق على النفوس، يضطر إليه المؤمنون عندما تضيق بهم الأرض، فلا يتمكنون من عبادة الله تعالى، وإقامة حكمه فيها.. يضطر إليه المؤمنون لأنهم أصحاب عقيدة راسخة، ومبدأ عظيم… إنهم يفْدون دينهم بأرواحهم وبكل غال ونفيس.
لقد خرج النبي ﷺ من مكة المكرمة التي ولد ونشأ فيها، خرج مستجيبا لأمر الله تعالى له، خرج إلى أرض يستطيع أن يقيم الدين فيها، ولكنه قبل أن يغادر، وقف على تلة يقال لها الحَزْوَرة، وقال: «والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرضٍ إليَّ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك».
شعور مؤلم عاشه المهاجرون الذين خرجوا من مكة للمقصد  السامي ذاته، هذا بلال بن رباح كان إذا أخذته الحمى في أول هجرته إلى المدينة يحن إلى مكة، فيذكر جبالها وسبلها، بل يتذكر النباتات التي تنبت فيها، فكان إذا أقلعت عنه الحمى قال: 
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلةً بوادٍ وحولي إذْخَر وجليلُ 
وهل أَرِدَنْ يوما مياه مجنَّةٍ وهل يَبْدَوَنْ لي شامةٌ وطَفيلُ 
قالت عائشة، رضي الله عنها: فجئت رسول الله ﷺ فأخبرته، فقال: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة، وصححها، وبارك لنا في صاعها ومدها، وانقل حماها واجعلها في الجحفة».
لقد أثنى الله تعالى عليهم أحسن الثناء لعظيم تضحيتهم فقال: ﴿للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون﴾. وقال تعالى: ﴿فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب﴾.
ولذلك فقد أولى الإسلام هذه المسألة عناية خاصة، وأكد على أحكام مشروعة في التعامل مع الكفار في هذه الحال، ومن أهمها ثلاثة أمور:
الأول: أنه لا يجوز للمسلمين موالاة الكفار الذين أخرجوا بعض المسلمين الآخرين من ديارهم، كما قال تعالى: ﴿إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون﴾، فلا يجوز للمسلمين أن يظهروا المودة لأولئك الكفار، ولا أن يناصروهم، فضلا عن يكونوا أعوانا أو متحالفين معهم.
الأمر الثاني: مشروعية القتال، فالجهاد في سبيل الله له أسباب متعددة في الإسلام، ومن أهمها: إخراج بعض المسلمين من ديارهم.. لقد جعل الإسلام هذا الأمر سببا كافيا لإعلان القتال والعداء للمعتدين، وهذا أقل حق من حقوق المستضعفين، تأملوا في جواب بني إسرائيل الصحيح لما سألهم موسى عليه الصلاة والسلام: ﴿قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا﴾ فتأملوا كيف جعلوا القتال لأجل الإخراج من الديار أمرا طبيعا ولازما.. ولكنهم تخلفوا عن هذا الشرف وانخذلوا.
ومن الآيات الدالة على مشروعية القتال لهذا السبب قوله تعالى: ﴿فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار﴾، وقوله تعالى: ﴿أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله﴾.
الأمر الثالث: أنه يشرع لنا أن نخرجهم من حيث أخرجونا، فإنهم مهما طال بقاؤهم في بلادنا فهذا لا يعطيهم أي شرعية، ولا يعطيهم أي اعتراف بحقهم في العيش على أراضينا، قال تعالى: ﴿واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم﴾.
الخطبة الثانية:
إن إخراج المؤمنين من ديارهم لم ينقطع في هذا الزمان، هذا الزمان الذي أنشأ فيه الغرب هيئة الأمم المتحدة ورفع شعار نشر السلام في العالم ليغتر بذلك السذج من البشر، في ظل هذه الهيئة ارتكبت الدول الغربية جرائم لا تعد ولا تحصى في حق البشرية عموما، وفي حق المسلمين بشكل خاص، في ظل هذه الهيئة أُعطيت الشرعية لوجود كيان لقيط لليهود في هذه البلاد، أمدتهم دول الغرب بالسلاح والمال والدعم السياسي، حتى قاموا على أهل هذه البلاد فاحتلوها، وأخرجوا الآلاف من أهلها منها، وسطوا على كل البلاد.
لقد صار هؤلاء الآلاف الآن خمسة ملايين، منهم من لا يحمل جواز سفر، ومنهم من يعيش في مخيمات، ومنهم من يصارع لأخذ حقوقه… وكلهم يخفق قلبه كلما رأى صورة المسجد الأقصى في التلفاز أو معلقة على جدار.
لقد اكتفى العالم الغربي المتحضر بأن ينشيء وكالة لغوث هؤلاء اللاجئين، اكتفى بذلك عن إعادة أصحاب الديار إليها، وهذا ليس بغريب عليهم.. الغريب هو أن نصدق أنهم يمكن أن يعيدوهم إليها، الغريب أن نصدق أن حقا كذلك يعود بمجرد المطالبات السمجة والاتفاقات الباردة.
ومع تردي الحالة السياسية للعالم الإسلامي عامة، ومع مسارعة بعض الدول العربية التي كانت تخجل من التطبيع من اليهود، ولكن ذهب الآن خجلها، وحل محله التفاخر بالذل والمهانة.. مع وجود هذه الحالة صار التضييق يصل حتى إلى ذلك الفتات الذي لا يعيد لنا حقا، ولا يجبر لنا كسرا.
فاللهم يسر لنا قائدا ربانيا يعيد لنا حقنا، ويبصرنا طريق الرشاد والعز والتمكين! 

الخميس، 10 يناير 2019

التسامح.. معالم وحدود

في سنة ٨٩٧ للهجرة، وفي مثل هذه الأيام، سقطت آخر دولة من دول المسلمين في الأندلس.. أبو عبد الله محمد بن الأحمر الصغير، آخر ملوك غرناطة، كان نموذجا من نماذج الذل التي حكمت الأندلس في أواخر عهد المسلمين بها.. في فترة انتشر فيها مولاة النصارى بين حكام تلك البلاد، أكثروا فيها من تقديم النتازلات لملوك النصارى.. في فترة انتشر فيها الفحش والمعاصي في تلك البلاد.. ترك هذا الرجل غرناطة للنصارى، ولكنه أراد أن يأخذ منهم العهود والمواثيق بأنهم لن يتعرضوا للمسلمين، فأعطوه ما يريد من عهود ومواثيق، لكنها كانت وعودا كاذبة، وهو بدوره وافق عليها، وكأنه لا يعلم غدرهم وحقدهم على المسلمين، ولكن إذا علمنا مدى الضعف والذل الذي وصل إليه أمثاله من حكام تلك البلاد لما كان هذا غريبا.
خرج من غرناطة ووقف على تلة تشرف على قصر الحمراء ثم بكى، بكى ذلك المجد الذي قد ولى، حتى قالت له أمه عائشة الحرة: أجل؛ فلتبك كالنساء مُلْكًا لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال… كان هذا آخر عهد حكم المسلمين للأندلس، لتبدأ بعدها مآسي القتل والتعذيب في محاكم التفتيش، وحملات التنصير الإجباري.. وأما عهد وميثاق ذلك الملك المتسامح فلا قيمة لها عندهم.
قصة سقوط الأندلس فيها الكثير من العبر والفوائد، والذي نريده من هذه القصة فقط: الوقوف على صورة من الصور الذل والضعف والمهانة التي يحاول بعض الناس أن يسوقوها اليوم بين المسلمين، تحت غطاء شعارات براقة، كالتسامح وقبول الآخر، فهذه القصة فيها نتيجة مرة من نتائج فهم تسامح الإسلامي بالشكل الخاطئ.
فما هو التسامح في دين الإسلام؟ وما حدوده؟ ومع من يكون؟
هل عدم تكفير الكافر -مثلا- من التسامح؟ بل هل مشاركة النصارى في أعيادهم، والصلاة في كنائسهم من التسامح؟
اعلموا أولا -عباد الله- أن المسلمين ينبغي أن يتعاملوا مع أصحاب الأديان الأخرى بناء على أن دين الإسلام هو الدين الحق، وأن ما سواه باطل، قال تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام)، وقال: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)، وهذا الأصل العظيم ينبني عليه أحكام شرعية عملية مهمة… لكن المقصود هنا أن هذا الأصل ينبغي أن يكون واضحا قبل الحديث عن أي تعامل يتعامل به المسلم مع الكافر.. كونوا على يقين بأن أي نظرة تحاول أن تضع الإسلام مع غير من الأديان أو الأفكار على طاولة واحدة، وعلى مستوى واحد= كونوا على يقين أن من يروج لهذا فإنه لم يفهم دين الإسلام… كيف يستوي من يوحد الله مع من يشرك به؟! وكيف يستوي من ينزه الله تعالى عن النقائص مع من لا يقدر الله حق قدرة؟! وكيف يستوي من يعظم الحق، مع من لا يرى للحق قيمة خاصة؟!
وبناء على أن دين الإسلام هو الدين الحق وأن ما سواه باطل، وبناء على أن دين الإسلام دين رحمة ورأفة، يدعو إلى إخراج الناس من الظلمات إلى النور، فإنه أمرنا بأن نعامل بعض الكفار معاملة حسنة طمعا في إسلامهم وإنقاذهم من النار، وإظهارا لمحاسن الإسلام وتشريعاته.
ولكن حتى لا يفهم بعض الناس هذا التسامح بصورة خاطئة فلا بد من التنبيه على أمور:
الأول: أن التسامح يكون في حسن المعاملة وفيما لا يخالف الأحكام الشرعية، ولا يكون أبدا في العقيدة.. وحسن المعاملة كأن نتكلم بالكلام اللطيف اللين الرفيق وأن نتجنب الشدة، كما قال تعالى: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون).. فتأملوا كيف جمعت الآية بين حسن الأسلوب، وبين الجهر بالحق، فأمرت بالأسلوب الحسن، وأمرتنا أن نتدرج مع المخالف رفقا به، فننتقل من الأمور المشتركة بيننا إلى أن نقيم الحجة عليه فيما خالف فيه الحق..فأمرتنا الآية أن نقول لهم: نحن نؤمن بما أنزل إلينا وما أنزل إليكم،أي: أما تحريفكم الذي باشرتموه بأيديكم فلا نؤمن به..ونقول لهم: إلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون، أي: أنكم مشركون، مخالفون للعقل والفطرة التي توجب أن تكون العبادة خالصة للإله الواحد، الذي خلق ورزق ودبر أمور الكون.
فمع أنهم كفار مشركون إلا أننا يمكننا أن نعبر عن هذا المعنى بأسلوب آخر يوصل الفكرة نفسها إذا كنا نخاطبهم وندعوهم ونتكلم معهم، ولكن دون أن نستخدم العبارات التي يفهم منها أن دينهم صحيح أو أنهم أصحاب عقيدة سليمة مقبولة عند الله.. فلاحظوا كيف كان حسن المعاملة في الكلام والألفاظ،وأما عند تقرير حالهم وبيان عقيدتهم فإنهم كفار مشركون، كما قال تعالى: (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة).
إذا علمنا هذا علمنا أن من يقول: إن أهل الكتاب ليسوا بكفار، أو يقول: إن دينهم دين صحيح، أو يدخل إلى كنائسهم ويقر عقيدتهم ثم يقول هذا من تسامح الإسلام، = علمنا أنه كاذب في دعواه، وأنه لم يفهم التسامح في الإسلام، بل لم يفهم الإسلام من أصله.
التنبيه الثاني: أننا لما نعامل الكفار تلك المعاملة الحسنة فينبغي أن نضع في نيتنا هدايتهم، والرفق بنفوسهم إلى أن نوصلهم إلى الهدى والنور.. فكم جلبت المعاملة الحسنة من أناس إلى الإسلام، وكم هدأت العبارة الرقيقة من نفوس عاتية، وكم ألانت من قلوب جافية.. من يقرأ سيرة النبي ﷺ يقف على عدة حوادث، يأتي فيها رجل ويسلم ثم يقول للنبي ﷺ: لقد كنت أبغض الناس إليّ والآن أنت أحب الناس إليّ.. ومن أعظم أسباب هذا التحول هو حسنُ معاملة النبي ﷺ لهم.
ها هو ﷺ يدخل على غلام يهودي كان يخدمه، فمرض الغلام  فَأَتَاهُ النَّبِيُّ ﷺ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ!!» فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ! فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ يَقُول: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ». هذا هو تسامح النبي ﷺ الذي يدخل الناس في الدين، وليس ذلك التسامح الذي يخرج الناس منه.. (يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون).

الخطبة الثانية
التنبيه الثالث: أن كل ما تقدم فإنه يستثنى منه العدو الذي يؤذي المسلمين، أو نخاف أن يؤذي المسلمين، فهذا لا تسامح معه، كما قال تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون)، فالذي يريد يوالي العدو الذي يؤذي المسلمين فإنه هو مجرم ظالم، ولو لبس مسوح الضأن، وبكى بعيون الأطفال.
إن الله تعالى جعل الشدة على أعدائه من صفات الأولياء الصالحين، الذين يحبهم ويجبونه، كما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم)، وقال: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم).
عباد الله! من أراد أن يتسامح فليظهر تسامحه مع المسلمين أولا، بحسن معاملتهم، وتعظيم دينهم وتراثهم وثقافتهم.. إن كثيرا ممن يوطئون فرشهم للكفار بدعوى التسامح لا نرى لتسامحم أثرا عند التعامل مع المسلمين، فلا نرى إلا البطش والقتل والتجويع.... واعلموا عباد الله! أن معنى التسامح الصحيح الذي جاء في الدين هو شيء آخر، يختلف عن الذل والمهانة والضعف، التي يسمونها بالتسامح، شيء يختلف عن إفساد عقول الشباب والفتيات بحجة التقدم والرقي، يختلف عن نشر ثقافة الغرب بين المسلمين بحجة الانفتاح وقبول الآخر.. (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا. الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا).


الخميس، 27 ديسمبر 2018

ملة إبراهيم
عناصر الخطبة:
- فضل نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
- من هم أتباع إبراهيم حقا؟
- علاقتنا الدينية مع أهل الكتاب.

(قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبرهيم حنيفا وما كان من المشركين. قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين).
آيات عظيمة من آخر سورة الأنعام، يأمر الله تعالى فيها نبيه محمدا ﷺ بإعلان دينه وطريقته، يأمره بذكر منة الله تعالى عليه وعلى هذه الأمة، يأمره بأن يصرّح ويصدع بهذه الملة الإبراهيمية الحنيفية، المائلة البعيدة عن الشرك، ملة التوحيد، ملة الكفر بالطاغوت.. وبعد أن أمره بهذا البيان العام للملة، أمره أن يزيد هذا البيان تفصيلا، فقال: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له) ثم زاد ذلك المعنى تأكيدا فقال: (وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين).
تختصر هذه الآيات قصة طويلة، قصة قلوب أحبت خالقها، وتعلقت به، قصة نفوس تركت الدنيا ورغبت فيما عند الله.. إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أحب ربّه ومولاه، وأحبه الله واتخذه خليلا واجتباه.. إن محبة إبراهيم لله تعالى لم تكن مجرد دعوى، بل كانت محبة صادقة، لم تكن محبة عادية، كفر لأجلها بالأصنام وحطمها، وألقي في النار لأجل ذلك فحماه الله، عادى قومه وبني جلدته وأبغضهم وتبرأ منهم ومن دينهم لأنهم أشركوا بالله، إنها محبة جعلته يسلم أمره لربه، ترك زوجته وابنه في الصحراء، وهمّ بذبح ابنه تنفيذا لأمر الله، هاجر وقطع الصحاري والقفار، أمر فأطاع، وأحب الله فذل قلبه له، وخضعت له جوارحه، حتى مدحه الله سبحانه في كتابه وذَكَره ذكرا عطرا فقال: (وإبراهيم الذي وفّى)، وقال: (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين. شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم. وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين)، ثم بين الله ﷻ  اتصالَ السبب ما بين إبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم فقال: (ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين).. إذا هي ملة واحدة، دين واحد، دين التوحيد ونبذ الشرك بكل صوره، هو دين نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام… لم يدع موسى قومه إلى الشرك ووصفِ الله تعالى بالنقائص والعيوب، بل دعاهم إلى التوحيد وإلى تعظيم الله تعالى والانقياد لأمره… لم يدع عيسى قومه إلى عبادة الصلبان، ولا إلى التثليث، ولا إلى طاعة الأحبار والرهبان في التحليل والتحريم، بل دعاهم إلى عبادة إله واحد، كما قال تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركرن).
عباد الله! لطالما حاول اليهود والنصارى الانتساب إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام ليعطوا الشرعية لباطلهم ودينهم المحرّف، الذي وضعه لهم أحبارهم وملوكهم وطواغيتهم، ولأن الانتساب إلى إبراهيم شرف عظيم وفضل كبير.. لقد ظنوا أن مجرد انتسابهم إلى آباء الصدق ينجيهم عند الله سبحانه؛ لكن الله تعالى حرمهم هذا الشرف والفضل، لماذا حرمهم منه؟ لأنهم ليسوا على ملة إبراهيم، فليسوا هم منه، ولو اتصلوا إليه بنسب، وإذا كان الله تعالى قد أمر إبراهيم بأن يتبرأ من أبيه وقومه لما كانوا على الشرك، فهل سيرضى أن ينتسب إليه عبدة الصلبان وأتباع الأحبار والرهبان؟! ولذلك فإن الله تعالى كرر في القرآن نفي الصلة بين أهل الكتاب وبين إبراهيم عليه الصلاة والسلاة، وأكد على براءته منهم، من ذلك قوله سبحانه: (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين)، وقال: (أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما يعلمون)، وقال تعالى: (وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين. قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم).
لقد نفى الله تعالى عنهم هذا الشرف والفضل وأعطاه لمن يستحقه، وهم المسلمون المتمسكون بالتوحيد من أتباع محمد ﷺ… هذا هو عدل الله سبحانه، وهذه هي حكمته البالغة، التي يكون فيها الحكم على الحقائق والمعاني، لا على الصور والدعاوى، لقد أكد الله سبحانه هذه الحقيقة في كتابه فقال: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا)، وأكد أن من كان مؤمنا بالتوحيد الذي أنزله الله تعالى، فإنه يكون مؤمنا بجميع الأنبياء، وهو المسلم الناجي عند الله تعالى، فقال: (قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون. ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).
ولقد بين النبي ﷺ هذا الفضل والكرم الذي نالته أمة الإسلام بقوله: «مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استأجر أجراء فقال من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط فعملت اليهود، ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط فعملت النصارى، ثم قال من يعمل لي من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين فأنتم هم، فغضبت اليهود والنصارى: فقالوا ما لنا أكثر عملا وأقل عطاء؟ قال: هل نقصتكم من حقكم؟ قالوا: لا. قال فذلك فضلي أوتيه من أشاء. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «نَحْنُ الْآخِرُونَ الْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَنَحْنُ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَاخْتَلَفُوا فَهَدَانَا اللَّهُ لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ، فَهَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ هَدَانَا اللَّهُ لَهُ»، قَالَ: «يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَالْيَوْمَ لَنَا، وَغَدًا لِلْيَهُودِ، وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى».
الخطبة الثانية
إن من أهم الأمور التي أمرنا الله سبحانه أن نتبه لها، هي أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى لم يكونوا يوما ولن يكونوا أحبابا للمسلمين، وأن الولاية والمحبة الدينية قد انقطعت بيننا بسبب إيماننا وكفرهم، فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين)، وبين لنا سبحانه أن اليهود والنصارى لن يرضوا عنا حتى نترك ديننا ونتبع ملتهم فقال: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير)، بل بين لنا سبحانه أنهم يحسدوننا على إيماننا، وعلى فضل الله تعالى علينا، وأنهم يتمنون أن نترك ديننا، فقال تعالى: (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق)، وقال: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما).
عباد الله! إن هذه القاعدة ينبغي أن تكون حاضرة تمام الحضور في أذهاننا ونحن نتعامل معهم، ونحن نقيم واقعنا، ينبغي أن تكون حاضرة في تحليلاتنا للواقع، فما هو السياق الذي يمكن إن نفهم من خلاله كل ذلك العداء الظاهر فيه إلا السياق الديني، وهل كان عامل الدين غائبا في الحروب الصليبية قديما، بل هل كان غائبا في الحروب المعاصرة التي شنها أهل الكتاب على المسلمين، في فلسطين والعراق وسوريا وبورما وغيرها من بلاد الإسلام… هذه حقيقة عباد الله، حقيقة ساطعة كالشمس، لكن بعض العلمانيين العرب يحاولون دائما التشويش عليها، يحاولون إقناع الناس بأن صراعنا معهم ليس دينيا، وأنه الصراع سياسي بحت، وهذا نابع عدم رغبتهم في إدخال الدين في الصراع والحروب، لأنهم لا يؤمنون به أساسا للحكم، ولا يريدونه حكما يحكم بين الناس في حياتهم، لا في السلم ولا في الحرب، فوقعوا بسبب ذلك في ضلال سياسي، وهزيمة على الأرض، فلا هم قرؤوا الواقع بصورة سليمة، ولا هم نصروا بلادهم، ولا حرروا أوطانهم.

   

الجمعة، 14 ديسمبر 2018

نساء عظيمات في الإسلام
كانت أم السلطان محمد الفاتح تأخذه وهو صغير وقت صلاة الفجر؛ لتريه أسوار القسطنطينية وتقول له: "أنت يا محمد تفتح هذه الأسوار، اسمك محمد كما قال رسول الله ﷺ"، والطفل الصغير يقول: "كيف يا أمي أفتح هذه المدينة الكبيرة ؟!" فتقول بحكمة: "بالقرآن والسلطان والسلاح وحب الناس"
هذا مثال للأم المسلمة العظمية التي طالما كانت سببا في إنتاج العلماء والعظماء والقادة.. الأم هي الحاضنة التي تحتضن ذلك القائد قبل أن يصير قائدا، عندما كان صغيرا يبكي، عندما كان يتعلق بأمه متلهفا إلى حنانها، محدقا في عينيها، كانت هي التي تعطيه الحنان، وتترفق به، تعطيه مع حنانها جرعات من الرجولة والحكمة، حتى يكبر، وينطلق من تلك الحاضنة ليعلم الناس، ليواجه الحياة، ليبني الحياة، ويهدم حصون الكفر على رؤوس أهله. 
لذلك فقد اعتنى الإسلام بالمرأة عناية خاصة، لأنها سبب رئيس في بناء الحضارات، وصناعة الأمم… لم تكن أم محمد الفاتح حالة نادرة في التاريخ الإسلامي، بل كان هذا أمرا شائعا بين الناس، لأن أمة الإسلام كانت تدرك أهمية تلك الحاضنة التي تخرج الأبطال والعلماء والأمراء، هي المصنع الذي ينتج الرجال.. ها هي الخنساء، وهي امرأة عاصرت الجاهلية والإسلام، أما في الجاهلية فقتل أخوها صخر، فملأت الدنيا بكاء وشعرا وحزنا لفقده، وأما في الإسلام فقدمت أربعة من فلاذات كبدها قربانا إلى الله سبحانه، قدمتهم دفعة واحدة في معركة القادسية، لما خرجوا إلى المعركة أوصتهم فقالت: يا بني، إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو، إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما هجنتُ حسبكم، وما غيرت نسبكم، واعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية.
اصبروا، وصابروا، ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تفلحون، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وجللت نارًا على أوراقها، فيمموا وطيسها، وجالدوا رسيسها، تظفروا بالغنم والكرامة، في دار الخلد والمقامة.. ففعلوا ما أمرتهم به من الإقدام والبسالة في الجهاد، فاستشهدوا جميعا في هذه المعركة، وما كان منها إلا الصبر والاحتساب.
عبد الرحمن الناصر الذي ولي الأندلس وهي ولاية تميد بالفتن، وتشرق بالدماء، فنظم أمورها وأحكم تسييرها. ثم أمعن بعد ذلك في قلب فرنسا وتغلغل في أحشاء سويسرا، وضم أطراف إيطاليا، إلى أن أصبحت قرطبة مقر خلافة يحتكم إليها عواهل أوروبا وملوكها، ويختلف إلى معاهدها علماء الأمم وفلاسفتها.
وسر هذا كله أمه التي ربته، فقد نشأ عبد الرحمن يتيماً.
وأما إنتاج الأمهات المسلمات للعلماء والأئمة فحدث ولا حرج..
ها هي والدة الإمام سفيان الثوري، فقيه العرب ومحدثهم وأمير المؤمنين في الحديث، تكفلت أمه بتربيته والإنفاق عليه فكان ثمرتهـا. فقالت له: "يا بني، اطلب العلم وأنا أكفيك بمغزلي".
بل والأكثر من ذلك، أنها كانت تتعهده بالنصح والوعظ لتحضه علي تحصيل العلم، فكان مما قالته له ذات مرة
: "أي بني، إذا كتبت عشرة أحـرف، فانظر هل ترى في نفسك زيادة في خشيتك وحلمك ووقارك، فإن لم تر ذلك، فاعلم أنها تضرك ولا تنفعك".
وها هي أم الإمـام مالك بن أنس، امرأة عظمية، يقول الإمام مالك عن أمه
: كانت أمي تلبسني الثياب، وتعممني وأنا صبي، وتوجهني إلى ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وتقول: "يا بني! ائت مجلس ربيعة؛ فتعلم مِن سمته وأدبه، قبل أن تتعلم مِن حديثه وفقهه".
أم الإمـام الشافعي.. مات والد الإمام الشافعي، فكان وفاء الأم أن تجعل الابن محمد بن إدريس الشافعي إمامًا، فأخذته من غزة إلي مكة وهناك تعلم القرآن الكريم وهو ابن سبع سنوات، ثم أرسلته إلي البادية ليتعلم اللغة العربية، ثم تعلمه الفروسية والرماية فكان يضرب مائة رمية لا يُخطئ منها واحدة، لم تترك الأمور تسير حسب الظروف، وإنما قرارات تربوية، وأجازه الإمام مالك للفتوى وهو في الخامسة عشر من عمره
!.. لقد أوقفت أم الإمام الشافعي ابنها بين يدها يوما، وقالت له: "أي بني عاهدني على الصدق"، فعاهدها الشافعي أن يكون الصدق له في الحياة مسلكاً ومنهاجاً.
أم الإمام أحمد بن حنبل.. مات زوجها محمد بن حنبل شابا في الثلاثين، وهي كانت دون الثلاثين، ورغم ذلك لم ترض بالزواج، وإنما أرادت أن تملأ على ولدها حياته حنانا وأنسا، فأهدت إلى دُنيا المؤمنين، وعالم الموحدين إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.
والدة الإمـام البخـاري.. نشأ البخاري يتيمـا في كنف أمه، لتقوم بتربيته أفضل تربية، فتتعهده بالرعاية والدعاء وتدفعه للعلم والصلاح، وترحل به في سن السادسة عشر إلي مكة للحج، ثم تتركه هناك وترجع ليطلب العلم بلسان قومه، ليرجع البخاري أمير أهل الحديث، ذلك الذي يقول عنه أستاذه
: "ليس أحد أفضل منه!".
هذه أمثلة فقط، وما أكثر القصص التي تبين أن دين الإسلام دين يعتني بالمرأة، اعتنى بالمرأة عندما كان الغرب يعتبرها مخلوقا شريرا، أعطى المرأة حقوقها لما كان الغرب يسبلها حقها.. المسلمون ليسوا بحاجة إلى من يعلمهم كيف يكومون المرأة، وكيف يعطونها حقها، لأنهم لا ينطلقون في التعامل مع المرأة من مبادئ أرضية، ولا رغبات شهوانية، إنما ينطلقون من نصوص الشرع الحكيم، وهدي الإسلام القويم.
الخطبة الثانية
علمنا مما سبق أن المرأة هي ركن رئيس في بناء المجتمعات، وأدركنا اعتناء المسلمين قديما بموضوع المرأة، ولكن كما أن إصلاح المرأة والاعتناء بها هو سبب في الإصلاح، فإن إفساد المرأة هو من أهم أسباب الفساد، بل هو من أهم الأسباب التي تؤدي إلى تدمير المجتمعات، لذلك فقد عمل الغرب على إفساد نساء المسلمين، حتى يسهل عليه السيطرة على المسلمين، وحتى يبقوا المسلمين ضعفاء..
وقد اتبعوا في ذلك أساليب كثيرة، منها: 
محاولة تحريف وتغيير النظرة الصحيحة التي ينظرها المسلمون إلى المرأة، إلى النظرة الغربية للمرأة، التي تدعو إلى إعطائها حرية تتجاوز حدود الشريعة، وتدعو إلى ترك الأحكام الشرعية الإسلامية التي تتعلق بالمرأة.
ومن ذلك: حرصهم على نزع الحياء من قلوب بنات المسلمين.. لقد حرنت فاطمة يوما لأن النساء كن لما يمتن يحملن على خشب كالرجال، ويوضع عليها قطعة قماش، حرنت لذلك، واسحت أن تخرج بهذه الطريقة، مع أنها مستورة، ومع أن الميت لا تكليف عليه أصلا.. أي حياء هذا.. وأي حياء الذي ينزع من بناتنا في هذه الأيام.. مفسدون يحرضون البنات على الرقص والدبكة، على الخروج للركض في الماراثونات، في مناظر يتفطر لها القلب، وتدمع لها العين.
تزهيد في الحجاب الشرعي، وذلك عبر قولهم للمرأة: إن الحجاب حرية شخصية، وقرار شخصي.. يريدون بذلك أن يبعدوا عن فكر بناتنا أن الحجاب فريضة قرآنية ربانية.
هل سمعتهم بمثل هذه القصص التي مرت معنا أنها وضعت في المناهج، ودوس في المدارس، لتكون تلك النساء العظيات قدوات لبناتنا؟ لكن يدرسون بناتنا سيرة مثل هدى شعرواي التي خلعت الحجاب، ودعت إلى تحرير المرأة من الفضيلة.

إذا كانوا يظنون أنهم بهذه الطريقة يحمون المرأة فقد ضلوا الطريق.. ها هو الغرب يعاني الآن من طريقته الخاطئة في التعامل مع المرأة، في أمريكا امرأة تغتصب في ٩٨ ثانية.. لماذا؟ أليست أمريكا دولة متقدمة، ألم تصعد إلى القمر؟ أما نحن في بلادنا فلا نجد هذا، مع أننا على تقصير كبير في ديننا، السبب هو ديننا، السبب هو التشريعات العظيمة الإسلامية، التي بدأنا بتركها..