اللاجئون.. هدايات قرآنية
﴿أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز﴾.
إن من سنة الله تعالى في هذه الحياة: أن يتعرض المؤمنون الصالحون في بعض الأحيان للأذى والابتلاء والضيق والشدة، ابتلاءات قد تتوالى على عباد الله الصالحين، لله تعالى فيها حكمة بالغة، يَظهر لنا من خلالها الخبيثُ من الطيب، والثابتُ على دينه ممن يعبد الله على حرف، ابتلاءات وهزات تنقي صف المؤمنين من الخبَث، فتتركه أقوى مما كان عليه.
وهذه الابتلاءات لها أنواع، ومن أبرزها: ما يحصل للمؤمنين من أذية من قِبل أعدائهم، فأعداء المؤمنين والصالحين في كل وقت وحين يحاولون إيقاع الأذى بالمؤمنين كلما وجدوا فرصة سانحة لذلك.
ومن أعظم صور هذا الأذى، وأشدها ضررا على النفس الإنسانية: الإخراج من الديار؛ فإن المجرمين وجدوا في إخراج المؤمنين من ديارهم وسيلة يستطيعون من خلالها أن يسيطروا على ممتلكاتهم، وأن يلحقوا بهم أذى ماديا ونفسيا كبيرا.
وأي أذى أعظم من أن يُقتلع الإنسان من بلده التي ولد فيها، ونشأ في ربوعها، واستنشق هواءها وعشق ترابها… إنه شعور إنساني يشترك فيه كل البشر… إنها مأساة من أعظم المآسي التي يمكن أن يعشها الإنسان، ولكم أن تتأملوا كيف قرن الله تعالى الخروج من الديار مع أن يقتل الإنسان نفسه، كما قال: ﴿ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم﴾، وقال مخاطبا بني إسرائيل: ﴿وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم﴾.
هو أمر عظيم شاق على النفوس، يضطر إليه المؤمنون عندما تضيق بهم الأرض، فلا يتمكنون من عبادة الله تعالى، وإقامة حكمه فيها.. يضطر إليه المؤمنون لأنهم أصحاب عقيدة راسخة، ومبدأ عظيم… إنهم يفْدون دينهم بأرواحهم وبكل غال ونفيس.
لقد خرج النبي ﷺ من مكة المكرمة التي ولد ونشأ فيها، خرج مستجيبا لأمر الله تعالى له، خرج إلى أرض يستطيع أن يقيم الدين فيها، ولكنه قبل أن يغادر، وقف على تلة يقال لها الحَزْوَرة، وقال: «والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرضٍ إليَّ، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك».
شعور مؤلم عاشه المهاجرون الذين خرجوا من مكة للمقصد السامي ذاته، هذا بلال بن رباح كان إذا أخذته الحمى في أول هجرته إلى المدينة يحن إلى مكة، فيذكر جبالها وسبلها، بل يتذكر النباتات التي تنبت فيها، فكان إذا أقلعت عنه الحمى قال:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلةً بوادٍ وحولي إذْخَر وجليلُ
وهل أَرِدَنْ يوما مياه مجنَّةٍ وهل يَبْدَوَنْ لي شامةٌ وطَفيلُ
قالت عائشة، رضي الله عنها: فجئت رسول الله ﷺ فأخبرته، فقال: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة، وصححها، وبارك لنا في صاعها ومدها، وانقل حماها واجعلها في الجحفة».
لقد أثنى الله تعالى عليهم أحسن الثناء لعظيم تضحيتهم فقال: ﴿للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون﴾. وقال تعالى: ﴿فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب﴾.
ولذلك فقد أولى الإسلام هذه المسألة عناية خاصة، وأكد على أحكام مشروعة في التعامل مع الكفار في هذه الحال، ومن أهمها ثلاثة أمور:
الأول: أنه لا يجوز للمسلمين موالاة الكفار الذين أخرجوا بعض المسلمين الآخرين من ديارهم، كما قال تعالى: ﴿إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون﴾، فلا يجوز للمسلمين أن يظهروا المودة لأولئك الكفار، ولا أن يناصروهم، فضلا عن يكونوا أعوانا أو متحالفين معهم.
الأمر الثاني: مشروعية القتال، فالجهاد في سبيل الله له أسباب متعددة في الإسلام، ومن أهمها: إخراج بعض المسلمين من ديارهم.. لقد جعل الإسلام هذا الأمر سببا كافيا لإعلان القتال والعداء للمعتدين، وهذا أقل حق من حقوق المستضعفين، تأملوا في جواب بني إسرائيل الصحيح لما سألهم موسى عليه الصلاة والسلام: ﴿قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا﴾ فتأملوا كيف جعلوا القتال لأجل الإخراج من الديار أمرا طبيعا ولازما.. ولكنهم تخلفوا عن هذا الشرف وانخذلوا.
ومن الآيات الدالة على مشروعية القتال لهذا السبب قوله تعالى: ﴿فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار﴾، وقوله تعالى: ﴿أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله﴾.
الأمر الثالث: أنه يشرع لنا أن نخرجهم من حيث أخرجونا، فإنهم مهما طال بقاؤهم في بلادنا فهذا لا يعطيهم أي شرعية، ولا يعطيهم أي اعتراف بحقهم في العيش على أراضينا، قال تعالى: ﴿واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم﴾.
الخطبة الثانية:
إن إخراج المؤمنين من ديارهم لم ينقطع في هذا الزمان، هذا الزمان الذي أنشأ فيه الغرب هيئة الأمم المتحدة ورفع شعار نشر السلام في العالم ليغتر بذلك السذج من البشر، في ظل هذه الهيئة ارتكبت الدول الغربية جرائم لا تعد ولا تحصى في حق البشرية عموما، وفي حق المسلمين بشكل خاص، في ظل هذه الهيئة أُعطيت الشرعية لوجود كيان لقيط لليهود في هذه البلاد، أمدتهم دول الغرب بالسلاح والمال والدعم السياسي، حتى قاموا على أهل هذه البلاد فاحتلوها، وأخرجوا الآلاف من أهلها منها، وسطوا على كل البلاد.
لقد صار هؤلاء الآلاف الآن خمسة ملايين، منهم من لا يحمل جواز سفر، ومنهم من يعيش في مخيمات، ومنهم من يصارع لأخذ حقوقه… وكلهم يخفق قلبه كلما رأى صورة المسجد الأقصى في التلفاز أو معلقة على جدار.
لقد اكتفى العالم الغربي المتحضر بأن ينشيء وكالة لغوث هؤلاء اللاجئين، اكتفى بذلك عن إعادة أصحاب الديار إليها، وهذا ليس بغريب عليهم.. الغريب هو أن نصدق أنهم يمكن أن يعيدوهم إليها، الغريب أن نصدق أن حقا كذلك يعود بمجرد المطالبات السمجة والاتفاقات الباردة.
ومع تردي الحالة السياسية للعالم الإسلامي عامة، ومع مسارعة بعض الدول العربية التي كانت تخجل من التطبيع من اليهود، ولكن ذهب الآن خجلها، وحل محله التفاخر بالذل والمهانة.. مع وجود هذه الحالة صار التضييق يصل حتى إلى ذلك الفتات الذي لا يعيد لنا حقا، ولا يجبر لنا كسرا.
فاللهم يسر لنا قائدا ربانيا يعيد لنا حقنا، ويبصرنا طريق الرشاد والعز والتمكين!