الجمعة، 26 أكتوبر 2018

دور الأخلاق في إصلاح المجتمع
عناصر الخطبة:
  • منزلة الأخلاق من دين الإسلام.
  • الأمانة.
  • العفة
  • الغرب والأخلاق.
(إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظم به إن الله كان سميعا بصيرا).
آية كريمة في سورة النحل، جاءت في سياق إبطال جملة من حجج المشركين، وفي سياق ذم الموازين والقيم التي يتحاكمون إليها.. إنها آية جمعت جملة من أهم المفاهيم والقيم الأخلاقية التي أمرنا الله ﷻ أن نعتني بها، وأن نجعلها منهجا لحياتنا.
لقد نزلت هذه الآية في حق كافر من الكفار، نزلت آمرة برد أمانة لشخص كافر في ذلك الوقت.. في فتح مكة، لما أراد النبي ﷺ أن يدخل الكعبة طلب مفتاحها من رجل اسمه عثمان بن طلحة الشيبي، وكان مفتاح الكعبة في عائلته يرثه الصغير عن الكبير، وبعدما انتهى النبي ﷺ من إزالة معالم الشرك من داخل الكعبة اقترح عليه بعض قرابته أن يبقي المفتاح في بني هاشم، فما كان من النبي ﷺ إلا أن أعاد المفتاح إلى صاحبه، ونزل قوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها).
إن الأخلاق لها دور عظيم وكبير في بناء شخصية الإنسان وفي بناء المجتمع الصالح.. صفة عظمية اتصف بها الأنبياء جميعا، يقول الله سبحانه عن إبراهيم (إن إبراهيم لحليم أواه منيب)، ويقول عن إسماعيل: (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا)، ويقول عن نبينا ﷺ: (وإنك لعلى خلق عظيم)، وتقول عن عائشة رضي الله عنها: كان خلقه القرآن، ويقول عن نفسه ﷺ: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
كل هذا يعلمنا أن الأخلاق ليست من الأمور الثانوية في هذا الدين، بل هو الأمور الأساسية فيه.. وهي كذلك أمر أساسي في بناء المجتمع المسلم الصالح.
ولنأخذ نموذجين فقط من الأخلاق التي لا غنى للمجتمع عنها، والتي يترك غيابها أثرا مدمرا على المجتمع.
المثال الأول: الأمانة.. وهي من أعظم الأخلاق التي تحفظ المجتمع.. هي من الأخلاق التي لا يقوم مجتمع بدونها، والأمانة مفهومها عام كبير، يشمل أمانة المسؤول في أداء أمانته، ويشمل قبل ذلك الأمانة في وضع كل إنسان في موضعه المناسب، ويشمل عدم الفساد المالي، وغير ذلك.
إن النبي ﷺ أخبرنا أن من علامات فساد الزمان ضياع الأمانة، فقد سأله يوما رجل: عن الساعة، فقال: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة». قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: «إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة».
وكلنا يعلم ويحس ويرى كم أثّر إسناد الأمر إلى غير أهله من أثر مدمر في حياتنا، وما ترتب على ذلك من الظلم وضياع الحقوق.
إن المسؤول إذا كان أمينا انعكس ذلك على رعيته، وقلل ذلك من الفساد بشكل كبير، وأما إذا كان الراعي فاسدا فإنه يكون قدوة سوء يقتدي بها كل مريض ضعيف الإيمان. 
عن ابن أبي نجيح قال: لما أتي عمر بتاج كسرى وسواريه جعل يُقلبه بعود في يده ويقول: والله إنَّ الذي أدَّى إلينا هذا لَأمين. فقال رجل: يا أمير المؤمنين أنتَ أمينُ الله يؤدُّون إليك ما أدَّيتَ إلى الله فإذا رَتَعْتَ رَتَعُوا. قالَ: صَدَقْتَ. وفي رواية: فقال له علي بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين عَفَفْتَ فَعَفُّوا ولو رَتَعْتَ لَرَتَعُوا.
إن دعوات محاربة الفساد لا يمكن أن تكون مقنعة للناس إذا صدرت من لص سارق فاسد، ودعوات العدالة لا يمكن أن تسمع من ظالم مستأثر بالمال له ولمن يلوذ به.
مثال آخر، وهو العفة، هذه القيمة الأخلاقية العظمية، التي دعا الإسلام إليها، وذلك ليحفظ النسل البشري من الذهاب والانقراض، فالإنسان إذا وجد طريقا سهلا ليقضي شهوته لم يلتفت إلى تكوين أسرة، ينجب فيها أولادا ليحافظ عليهم، بل إنه يفضل أن يقضي وطره بدون تحمل تلك المسؤوليات والتكاليف، ولْنَنظر إلى حال الغرب لما انتشر فيهم الزنا وغيره من الفواحش، كيف زهدوا في الزواج حتى صارت مجتمعات يقل فيها الشباب المنتجون، ولولا استقبالهم للمهاجرين لانقرضت مجتمعاتهم مع مرور السنين.
لقد أمر الله سبحانه بالزواج ورغب فيه، فقال: (وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله).
ونهى عن الزنا فقال: (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا)، وجعله جريمة وشرع لذلك عقوبة معلومة مقدرة، ونهى عن مقدماته وما يؤدي إليه من المعاصي، فأمر المرأة بالحجاب، وأمر بغض البصر، ونهى الشرع عن الاختلاط المحرم.
إن العفة مكون أساسي من مكونات المجتمع المسلم، وعامل أساسي في قيام أي مجتمع، فلنتأمل في قصة موسى عليه الصلاة والسلام لما سقى لابنتي ذلك الرجل الصالح، لتنأمل كيف أن الفتاتين اعتزلتا حتى انتهى الرجال من السقي من الماء حتى سألهما موسى: (ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير)، تأملوا الأدب في الكلام، والإشارة إلى حاجتهما للمساعدة دون طلب مباشر، وتأملوا كيف وصف الله تعالى إحدى الفتاتين لما رجعت إلى موسى فقال: (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء).. الحياء ظاهر على مشيتها وعلى كلامها، وتأملوا كيف ذهب معها موسى حيث مشى أمامها، لأجل ذلك وصفت هذه الفتاة موسى عليه الصلاة والسلام بالقوي الأمين، فعرفت أنه قوي من خلال رفعه للصخرة وحده، وعلمت أنه أمين من خلال عفته في تعامله معهما.
ليست من الأمانة أبدا أن ندعو بناتنا لترك الحجاب الشرعي أو التساهل في شروطه، وليس من الأمانة أن نجرد بناتنا من الحياء بحجة أنها قوية كالرجل، وليس من الأمانة أن يقال لبناتنا إن الحجاب حرية شخصية، وليس من الأمانة تزهيد الشباب والفتيات بالزواج وتعسير أموره.
(إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فالذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون).
الخطبة الثانية
القيم الأخلاقية الكاملة لا يمكن إن تتحق إلا عن طريق الالتزام بالدين.. وكثير من الناس قد يغترون بالغرب من ناحية وجود قيم أخلاقية عندهم، ونحن لا ننكر وجود جانب من الأخلاق الحسنة عند الغربيين، ولكن نريد أن نبين أن المبالغة في هذا الأمر ليست بالأمر الحسن، فالغرب عندهم نقص كبير في هذا الجانب، بل عندهم من الخلل فيه ما هو كفيل بتدمير مجتمعاتهم مع مرور السنين، ومن أكثر ما يبين ذلك أنه لا يوجد عندهم مفهوم ثابت للأخلاق، بل الأخلاق عندهم تتغير بحسب الزمان، وتتغير بحسب المصالح المادية، وتتغير بحسب السياسات.
الغرب لم يجد غضاضة في تمرير التشريعات الرأسمالية التي خلقت طبقة عريضة من الفقراء والمشردين= لم يجد الغرب غضاضة في تمرير هذه التشريعات من تحت عباءة "الحرية" الواسعة.
بل لم تجد بعض دوله إشكالا في قتل الشعوب وتجويعها وتشريدها لأجل "المحافظة على مصالح" هذه الشعوب، أو لأجل الدفاع عن "حريتها".
وقبل ذلك في قضيتنا قضية فلسطين.. يطير بعضنا فرحا ويتغنى بأخلاق الغرب وإنسانيته إذا رأي منهم موقفا حييا أو مساعدة مادية، ولكن ما هي القيم الأخلاقية التي سمحت للغرب بالاعتراف بحق اليهود في هذه الأرض أصلا؟ هل تقبل أخلاق الغرب بتهجير شعب من أرضه ووضع شعب آخر مكانه؟ 

فلتنبه ولا نغتر بتلك الدعوات التي تحاول أن تجعل من الغرب قدرة لنا في الأخلاق، من أراد الأخلاق ليلرجع إلى النصوص الشرعية، فليرجع إلى تاريخ المسلمين ليرى فيه ما التعامل الأخلاقي الحق حتى مع الأعداء