الجمعة، 7 أبريل 2017

من عوامل النصر... 
(على وقع حادثة خان شيخون)

عناصر الخطبة:
  • حكمة تشريع الجهاد.
  • علاقة الجهاد برفع الذل.
  • مفاهيم مشوهة للجهاد.

(وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا. الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا).
لقد بعث الله نبيه محمدا ﷺ بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، أرسله بالبينهات والبراهين والحجج الواضحات، ففتح به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا… ولما كان أهل الشر والباطل في كل زمان لا يرضون للحق والهدى أن يسود وينتشر، شرع الله تعالى للنبي ﷺ وللمسلمين من بعدِه أن يجاهدوا في سبيل الله، فمع أن دين الإسلام دين قريب من فطرة الإنسان وعقله، ومع أن حججه وبراهينه واضحة لا يقدر أحد على ردها، إلا أن هناك من المجرمين من يقدم الباطل ولا يستجيب للحق، لدواع مادية، أو ليحافظ في زعامته وأتباعه، فيظل أولئك الطغاة سيوفا مصلطة  على رقاب المؤمنين، يستضعفونهم، ويقتلونهم، ويسومونهم سوء العذاب، لأجل أن يردوهم عن دينهم، كما قال تعالى: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا).
ولأن الإسلام دين واقعي، ولأن سنة الله في خلقه أن يكون التدافع والتقاتل دائما بينهم، كل يقاتل لهدفه أو شهوته أو مصلحته، فقد شرع الله تعالى للمسلمين أن يجاهدوا ويقاتلوا، وأمرهم أن يكون هدفهم هو إعلاء كلمة الله في الأرض، ورفع الظلم عن المستضعفين ليتمكنوا من ممارسة دينهم وإظهاره… فالمواعظ والكلام والخطب تنفع كثيرا من الناس، إلا أن هناك من الكفار من لا تؤثر فيه موعظة، ولا تنفعه حكمة، فلا يرى الحق إلا إذا رأى بريق السيوف.
وقد جرت سنة الله تعالى في خلقه أن الكفار إذا عادوا المسلمين واستضعفوهم وطغوا وتجبروا فإن الله يعاقب الكفار في الدنيا بعذاب أو إهلاك، وهذا العذاب الرباني إما أن يكون من عند الله سبحانه، وذلك بتصريف أمور الكون من رياح وكوارث طبيعية، أو أن يكون العذاب والعقاب على أيدي المومنين، وذلك بالجهاد، كما قال تعالى: (قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا).
ها هم صناديد قريش من الكفار قد آذوا النبي ﷺ، وعذبوا الصحابة ليردوهم عن دينهم، فتوعدهم الله بالعذاب والنبي ﷺ لا يزال في مكة، فنزل قوله تعالى: (سيهزم الجمع ويولون الدبر)، وقوله: (يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون)… ولما هاجر النبي ﷺ، وأقام دولته، وأذن له بالجهاد لاقى المشركين في معركة بدر، فهزمهم الله، ولحق بالمشركين الخزيُ والعذاب في الدنيا والآخرة، فقال تعالى واصفا هذا العذاب الذي لحق بهم في بدر: (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون. إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون. والذين كفروا إلى جهنم يحشرون. ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون. قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين).
نعم هي سنة الأولين، ومن ذلك ما حدث لفرعون وجنوده، فإنه لما عذب مؤمني بني إسرائيل، وكذب نبي الله موسى، وطغى وتجبر، ولحق ببني إسرائيل إلى البحر، أغرقه الله تعالى، وأغرق جنده فلم تغن عنه قوته، ولم تغن عنه جنوده القوية، ولذلك قال الله تعالى بعد ذكر هزيمة قريش: (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إنه قوي شديد العقاب. ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم. كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون وكل كانوا ظالمين).
عباد الله! إن مثل هذه الوقائع التي أخبرنا بها القرآن مرشدا لنا لأخذ العبرة منها، يبنغي أن تكون دافعا لنا إلى الطريق الصواب، ينبغي أن توجهنا التوجيه الصحيح، ماذا نفعل؟ وكيف نعرف العدو من الصديق؟ 
إن الذي حدث في سوريا وفي خان شيخون بالتحديد من قتل وحشي للأطفال والنساء، ما هو إلا جزء من الصورة التي تحدث في سوريا، ما هو إلا جزء من إجرام ذلك النظام الكافر الذي يحارب المسلمين لأجل دينهم.
وقبلها بأيام ألقت قوى التحالف الصليبي قنبلة على مجمع سكني في الموصل، قتل فيه أكثر من ٥٠٠ مسلم، ما بين طفل وامرأة ومدني أعزل، وليس هذا كذلك إلا جزء مما يحدث في العراق. وما الذي يحدث في سوريا والعراق إلا جزء من الصورة الكبيرة لما يحدث في العالم الإسلامي، وإن هذه الأحداث ينبغي أن تحث المسلمين على النهوض، ونفض الغبار، والأخذ بأسباب العز والتمكين، فإن الكفار بأفعالهم هذه قد استحقوا عقوبة الله سبحانه، ولم يعد بين وقوع هذا العذاب عليهم إلا أن يأخذ المسلمون بأسباب النصر والتمكين، من التمسك بالدين وإعداد العدة.
واعلموا عباد الله أن نصر الله سبحانه لا ينزل على الكسالى القاعدين، بل لا بد من الأخذ بالأسباب، والبدء بالتغيير، فإن الله تعالى لا يغير حال قوم من الحسن إلى السيء، ولا من السيء إلى الحسن إلا إذا بدرت منهم بوادر التغيير، كما قال تعالى: (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم)

الثانية
إن أعداء الله وأعداءنا لم يكتفوا بما لحق بنا من الهزائم العسكرية، لم يكتفوا بالقتل والاغتصاب والاحتلال والتشريد ونهب الثروات، بل أردوا أن يطوعوا الشعوب المسلمة وأن يروّضوها حتى ترى في جلّادها مُخَلِّصَها، وحتى ترى فيمن اغتصب نساءها وقتل أطفالها مصلحا إنسانيا يسعى لنشر ثقافة السلام بين شعوب الأرض.
ولقد عملوا لتحقيق ذلك عبر وسائل كثيرة جدا، وعبر أقلام مأجورة، ووسائل إعلام رخصية؛ ومن أهم أساليبهم في ذلك أمران: تحريف الدين، ونزع الحمية والعزة من قلوب المسلمين.
أما تحريف الدين فقد عمدوا إلى أهم المسلّمات الإسلامية، وبخاصة تلك المفاهيم التي تتعلق بالكفار، كالولاء والبراء والجهاد، فعملوا على بث ثقافة محبة الكفار بين المسلمين، ودعوا إلى التقارب مع النصارى وعدم تكفيرهم بل والاحتفال بأعيادهم… وسموا ذلك بالتسامح.
وأما الجهاد فقد عملوا على إظهار الإسلام بصورة ذليلة، وتدرجوا في ذلك تدرجا خبيثا، فزعموا أن الإسلام ليس فيه جهاد طلب، وأنه لا يقاتل لنشر الدين والتوحيد، ولا يقاتل لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، بل لا يقاتل إلا إذا عتدى عليه أحد، ولا يحركه شيء إلا أن تنتهك حرماته وتحتل أرضه، ثم قالوا: ولا يقاتل إذا احتلت أرضه، بل يسعى لحل الأمور بالعقلانية والحكمة والسلام وأغصان الزيتون، ثم وصموا من يجاهد لتحرير وطنه الإسلامي بالإرهاب، ثم عادوا إلى أصحاب الزيتون فلم يرضوا منهم أن يطالبوا بحقهم ولو بالكلام.

ولقد عملوا على بث هذه الثقافة في جيل الشباب بخاصة، فعبثوا بالمناهج، وحذفوا منها كل ذكر للجهاد، أو حذفوا سير الفاتحين المجاهدين المسلمين، وكأنهم يقولون: دعوكم من تاريخكم المشرق، لن نسمح لكم بالعودة إليه، أمامكم طريق مفروش بالورود لتحرروا أرضكم… والذي يتتبع وسائل الإعلام الفلسطينية يرى صورا كثيرة لذلك، لا مجال لذكرها، لكن لفت نظري إعلان وضع لماراثون فلسطين الذي انطلق من ساحة كنيسة المهد، وقد وضعوا له إعلانا لشبان وفتيان يلبسون ملابس الرياضة، ويركضون بجانب جدار الفصل العنصري، وقد كتبوا فوق الإعلان: اركضوا نحو الحرية… كنت أظن أن طريق النصر أصعب من ذلك بكثير…اركضوا فإذا وصلتم فآذنوني!